مفهوم العدل
تركي محمد صالح الطلاع
مفهوم العدل
تركي محمد صالح الطلاع
العدل في اللغة بمعنى السوية، والتسوية وفي العرف العام استعمل بمعنى رعاية حقوق الآخرين، في مقابل الظلم (الإعتداء على حقوق الآخرين)، وعلى ضوء ذلك عرف العدل بأنه “إعطاء كل ذي حق حقه” إذن فلا بد أن نتصور أولاً موجودا له حق، لتكون رعاية حقه “عدلا” والإعتداء عليه “ظلما”، ولكن أحيانا يوسع مفهوم العدل، ويستعمل بمعنى “وضع الشيء في موضعه أو القيام بكل فعل على وجه حسن” وعلى وفق هذا التعريف، يكون العدل مرادفا للحكمة، والفعل العادل مساويا للفعل الحكيم.
وما يجب علينا التأكيد عليه هنا: هو أن كل عاقل يدرك بأن أي أحد لو اختطف قطعة خبز من طفل يتيم، وبدون مبرر، أو أنه أراق دم إنسان بريء فقد إرتكب ظلما واقترف عملا قبيحا، وعلى العكس من ذلك، لو أخذ أحد قطعة الخبز المختطفة من يد الغاصب وأعادها إلى الطفل اليتيم، أو أنه عاقب القاتل الجاني، العقوبة التي يستحقها، فإنه قد عمل عملا حسنا وصائبا، ولا يعتمد هذا الحكم بالحسن والقبح بالعدل والظلم، على الأمر والنهي الإلهي، فإن هذا الحكم يحكم به حتى من لايؤمن بوجود الله.
إذن يمكن أن يتصور للعدل مفهومان، خاص وعام أحدهما: رعاية حقوق الآخرين، والثاني: إصدار الفعل على وجه الحكمة، بحيث تعتبر رعاية حقوق الآخرين من مصاديقه وعلى ضوء ذلك، فلا يلازم العدل، القول بالتسوية بين البشر جميعا، أو بين الأشياء كلها، فليس المعلم العادل من يتخذ موقفا واحدا من جميع طلابه، فيساوي بين الجميع في التأنيب أو التشجيع سواء المجد من طلابه والكسول، وليس القاضي العادل هو الذي يقسم المال المتنازع عليه بين المتخاصمين بل إن المعلم العادل هو الذي يشجع كل طالب أو يؤنبه بمقدار ما يستحقه، والقاضي، العادل هو الذي يوصل المال المتنازع فيه إلى صاحبه، وكذلك، فإن مقتضى الحكمة والعدل الإلهي، لا يعني خلق المخلوقات بصورة متساوية، فيخلق مثلا للإنسان القرون، أو الأجنحة أو غيرها، بل إن مقتضى حكمة الخالق أن يخلق العالم بصورة تترتب عليها أكثر ما يمكن تحققه من الخير والكمال، وأن يخلق المخلوقات التي تشكل أجزاءه المترابطة بصورة تتناسب وذلك الهدف النهائي وكذلك مقتضى الحكمة والعدل الإلهي، أن يكلف كل إنسان بمقدار إستعداده وقابليته ﴿لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون﴾(يونس:54)، وأن يقضي ويحكم فيه على حسب قدرته، وجهده الإختياري ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(يس:54)، وأن يجازيه ثوابا أو عقابا يتلاءم وأفعاله