الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد / جريئة التّعبير التّجريدي إنعكاس الرّفض الثّوري لواقع يحدّ من حرّيّة المرأة
بقلم: الكاتبة الصّحفيّة الفنّانة التّشكيليّة: وضحة سعيد شعيب
الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد
جريئة التّعبير التّجريدي إنعكاس الرّفض الثّوري لواقع يحدّ من حرّيّة المرأة
بقلم: الكاتبة الصّحفيّة الفنّانة التّشكيليّة: وضحة سعيد شعيب
ديما زكريّا رعد…
الآتية على أجنحة البرّاق الثّوريّ، ترود عالم العصرنة في أرحبة الواقع، منفلتة من قيودها الموروثة، مندفعة بقوّة و ثقة، إلى ساح الخلق و الإبداع، تخوض غمار الفنّ التّشكيليّ، تقتحم من كوّة الطّموح و الآمال البعيدة المرتجاة، لتحقيق الذّات البشريّة، الأمّارة بكلّ الأشياء، لتوكيد حضورها الإنساني…
قادمة ديما زكريّا رعد، من تلك المدينة التّاريخيّة العظمى، و التي كانت سيّدة المدن و سيّدة البقاع، قادمة، تمتطي صهوة الفنّ التّشكيلي، الذي يُشكّل و جه لبنان الثّقافي و الفنّي و الحضاري، ممتشقة ريشتها الحانية كما حنانها الأنثويّ، تُمسّد رؤوس شعيراتها بأطراف بصمات أناملها المُفترّة بالدّفء الحميميّ، تُهيّئها لتغميسها في الألوان المتعافقة ببعضها، مُشكّلة فيما بينها لوحة تعبيريّة تجريديّة، بحيث تتموسق في ترانيمها اللونيّة، تتمتهى فتنة و عنفوانًا بين أناملها العازفة على شعيرات ريشتها…
وُلِدت ديما زكريّا رعد من رحم العنفوان البقاعي البعلبكيّ، الذي يتمثّل بكلّ مكارم الأخلاق، إلى جانب ذلك الكبرياء النّفسي رفهة و سموّا، يتجلّى ثقة و قدرة و جرأة عند أهل مدينة الشّمس بعلبك، يطبع شخصيّتهم بفرادة وطنيّة و إجتماعيّة و إنسانيّة، قلّ نظيرها في نسائج منظومة التّشكيلة اللبنانيّة…
ديما زكريّا رعد، القادمة من ذلك الجرد البقاعي البعلبكي، تحمل في طوايا شخصيّتها النّسائيّة الأنثويّة، موروثات الأصالة التّراثيّة الرّيفيّة، إلى جانب العنفوان و الكبرياء الإنسانيّ، توصيفات مناقبيّة مميّزة و لها فراتها بين مثيلاتها و بنات جنسها و زمانها، عجنت و شكّلت قوامها قلبًا و قالبًا و باطنًا و ظاهرًا…
نشأت ديما زكريّا رعد في كنف أسرة بقاعيّة بعلبكيّة عريقة، لها دورها الوطني و الإجتماعي و الإنساني الرّيادي في لبنان إنطلاقًا من بعلبك… تلك الأسرة، إختطّت لها مسارًا قويمًا، تمثّل في الموقف الجريء، البارز في حركة فعل الدّفاع عن حقوق النّاس، بأسلوب ثوريّ رافض و ثابت، لكلّ المظالم من أين أتت بحق الإنسانيّة و الأنسنة… ذلك هو زكريّا رعد المحامي المعروف في زمانه، الذي لمع نجمه في زمن قاهر، قلّ فيه المدافعون عن الحقّ و الحقائق، هو والد ديما رعد، هذه المرأة المغايرة عن بنات جنسها بما تكتنز به من وعي و عرفان و جرأة، و التي ورثت عن أبيها، حركة ثورته القانونيّة، و فعل جرأته الثّابتة، الفاعلة بقوّة في تمزيق السّتائر الإفتراضيّة، لتنكشف الحقيقة عن واقع سائد على ذِمّة الأعراف و التّقاليد، و غارق في متاهات الجهل، كُتب عليه أن يندثر و أن يستنير بضوء الوعي و العقل و الفكر و العرفان…
تلك الثّورة العرفانيّة الذّاتيّة و الباطنيّة الوعي، راحت تتفاعل في كوامن و أفكار و نفسيّة ديما زكريّا رعد، و راحت تتنامى في نسائج نفسيّتها الأنثويّة، لتنبثق من ثلاثيّة حنين رحمها، حركة فعل ثورة الرّفض، لواقع المرأة الأنثى المرير، المرأة التي تعاني منه الكثير، و تلوك علقم قساوة التّقاليد و الأعراف، حيث تعيش قدرها في مجتمع التّقاليد القاسية، و الأعراف الموروثة السّائدة، و التي تُكبّل المرأة في عيشها، و تسلسلها بالقيود الموروثة، تحت رحمة ذِمّة شرف القبيلة الرّفيع، و تحيطها بسيل من الممنوعات و المحظورات، ممّا يُعيق رسالتها المقدّسة في الحياة، و التي شاء الله لها، أن تحملها بوعي و عرفان، و تُطبّقها جدارة و تكليف و مسؤوليّة…
الفنّانة التّشكيليّة اللبنانيّة ديما زكريّا رعد، التي تحمل همومها النّسائيّة الأنثويّة، و منذ إنطلاقتها في أرحبة و فضاءات عالم الفنّ التّشكيلي اللبناني و الدّولي، جسّدت معانتها كإمرأة أنثى، أتت من رحم حوّاء أمّها، و بنات جنسها، بجرأة و قوّة و حضور فنّيّ ثوريّ لافت، و بأسلوب تعبيريّ تجريديّ… حيث راحت تُعالج جرأة بوحها الأنثويّة، بكثافة من الخطوط و الأشكال و الألوان، تُنمنم نسج أوشاجها فوق خامات قماشيّة، تعكس علاقتها النّسائيّة بنفسها، من خلال رؤاها الأخرى لمحيطها الذي يُشكّل دائرة السّجن، قارعة باب الجرأة الأنثويّة، لتمارس ثقة المرأة بنفسها، قوّة بوحها و صلابة موقفها، واقفة أمام نصفها الآخر، الرّجل، منادية أمامه و صارخة بوجهه، مُركّزةً بشكلٍ أساسيّ على أحقّيّة و جوديّتها و تكليفها و مسؤوليّتها التي لا تقلّ عن تكليف و مسؤوليّة الرّجل في الحياة…
محاكاة للرّؤى التي تتراءى للفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، راحت الفنّانة ديما، تُجسّد ما يتفاعل في نفسيّتها، و بعدما عقلنت قلبها بالتّفكّر و التّعقّل و الحكمة، و بعدما قلبنت عقلها بالمودّة و الرّحمة، و القداسة و الطّهارة في الحنين و التّشاغف، سبرت وعيها الباطنيّ، باحثة في غوره عن الكنوز المدفونة، و حملت تفكّرها عنوةً لترود عرفانها الذّاتي، مُنقّبة في خفاياه عن مخزونه المجوهر، كي تُوظّف محصّلاتها البحثيّة في التّأليف الفنّي، و التّشكيل المشهدي، لتأتي لوحتها بجودتها و تشكيلها، ترتكز على و جهها الدّيميّ و تعبيراته، تجسيدًا لنهج فنّيّ آخر، يتّسم بالجرأة في لعبة التّشكيل، بحثًا عن جنين فنّيّ جديد، يحمل كلّ الجرأة في ثورة الرّفض، على محظور ما يحمل من علامات إستفهام في خفاياه، و ما ينطوي عليه من عثرات و معوقات و قساوات…
أعمال الفنّانة رعد في غالبيّتها، تُعالج موضوعًا واحدًا، و يحمل التّشابه الظّاهري في تشكيل مُوحّد، يتعلّق بالوجه النّسائي الأنثويّ… نفّذت بعضه بمادّة الإكريليك و بعضه بمادّة الزّيت، فيما البعض الآخر كان من موادّ أخرى، بحيث أتت أعمالها و نتاجاتها و تشكيلاتها الفنّيّة، ترسم الوجه الأنثويّ النّسائيّ الآخر، الذي يعكس الإضطّرابات المتخفيّة في الأنفس المرهقة، و هو ما يتجسّد من خلال الخطوط المتقاطعة بإتّجاهات مختلفة، و التي تعكس ثورة الرّفض، و حركة فعل التّمرّد، البارزة في ضربات و شخبطات الألوان بريشتها السّريعة، و التي تدفع المتلقّي للوقوف طويلاً أمام مشهديّاتها التّعبيريّة التّجريديّة، راسمًا في ذهنيّته الكثير من التّساؤلات و علامات الإستفهام الباحثة عمّا يُطمئنها من أجوبة يتوقّعها إفتراضيّا، تنبثق من بين الخطوط و الأشكال و الألوان…
كيفما إلتفت المتلقّي بأعمال الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، يتراءى له ذلك المضمون، المعجون خلف ستائر الكواليس و الكوابيس، و الذي يخفي الكثير من الهواجس النّفسيّة، تلك التي تُطلّ بحقيقتها من خلال الرّموز التّعبيريّة و المصطلحات التّجريديّة، التي يتألّف منها ذلك الحدث القلق في منظومة التّكوين الفنّي التّشكيلي في لوحتها، التي تجتذب إليها المتذوّق بشفافيّة رؤيته البصيريّة قبل رؤاه البصريّة، للبحث عن الحقائق الخفيّة وراء التّرميزات التّعبيريّة التّجريديّة…
هذا، و تحاول الفنّانة ديما زكريّا رعد، في نتاجاتها الفنّيّة التّشكيليّة، أن تُعبّر بمصداقيّة عن وقائع الحياة في المجتمع الذي تعيش حيثيّاته، و تعيش طقوسه و شعائره… و هو ما ركّزت عليه من خلال لوحاتها الفنّيّة الإبداعيّة، التي تمزج في عناصر مكوّناتها بين الواقع و الخيال، ممّا يجعل الفنّانة رعد في حالات من التّجدّد الدّائم، كي تُعطي لنفسها فسحة واسعة تستوحي من خلالعا حركة فعل إبداعاتها من إيحاءات الحالات التي تعيشها…
و لقد إحتلّت المرأة الأنثى مساحة و اسعة في أعمال الفنّانة، بحيث عبّرت في لوحاتها الفنّيّة التّشكيليّة، عن مجمل مشاكلها و عذاباتها و معاناتها، و عن علاقاتها مع الآخر من خلال لوحات داعية بها إلى فكّ القيود عنها… و هو ما تجسّد في لوحات معارضها، التي أظهرت إبداعاتها الفنّيّة، في محاولات التّعبير فيها و التّرميز الإنطباعي عن واقع المرأة الأنثى في مسارها النّسوي بالمجتمع الذّكوري… ديما زكريّا رعد، الفنّانة العاشقة للتّراث حتّى الثّمالة، و النّابضة بالحبّ الإنساني في كينونتها، تميّزت لوحاتها بالتركيز على الوجوه النثويّة بأشكالها التّعبيريّة الإنطباعيّة، بحيث شكّلتها بألوان صارخة و ثائرة، داعية إلى الإنعتاق من القيود التي تُكبّلها و تُعيق من حرّيّتها…
الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، هدفت من خلال رسم الوجوه النّسويّة الأنثويّة، إلى الوصول بنا إلى النّقطة التي تتمحور حول البواطن المضمونيّة، المختلفة عن الوقائع السّائدة في المجتمعات، و هو ما عكفت على حركة فعل إبداعه الفنّانة من خلال القاسم الفنّي التّشكيلي المشترك، و وحدة الموضوع في محموعتها الفنّيّة الإنتاجيّة عبر مراحل معيّنة قطعتها… بحيث أنّ موضوع الوجه الذي لاقى القبول عند الفنّانة رعد، دفعها لخوض غمار التّشكيل الفنّي، بصياغة مميّزة تحمل أحاديّة العناصر، طاشفة عن الأبعاد التّعبيريّة الأخرى، الكامنة في البعد الفنّي التّشكيلي، لصياغة تعبيريّة تجريديّة قويّة و متينة في تكوين المشهديّات التي جسّدتها الفنّانة في صور الوجوه، من تقاطعات الخطوط الأفقيّة و الرّأسيّة، بحركة رشيقة لإختصارات التّكوين الإبداعي، الذي تتجلّى بعظمة صنعه و تكوينه عظمة الخالق…
الأعمال الفنّيّة التّشكيليّة التي أبدت في إنتاجها الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، ترسم شخصيّتعا بإمتياز، و معارضها الفرديّة التي أقامتها و الجماعيّة التي شاركت بها، رسمت بوضوع تامّ مسيرتها الفنّيّة، و الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، إختارت مسارها الفنّي التّشكيلي، من خلال إعتمادها على أساليب المدرسة التّعبيريّة الموغلة في الحركة التّجريديّة، و التي تحمل في مضامين أبعادها الكثير من المضامين الباطنيّة في عناصرها التّرميزيّة…
إلى هذا، فإنّ الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، تحمل نضجًا ملموسًا في مسيرتها الفنّيّة التّشكيليّة، نتيجة إطّلاعها على التّجارب و التّيّارات الفنّيّة المختلفة في العالم، ممّا أكسبها طابع الحياة الصّاخب، و السّير في رحاب الحياة بحركة فاعلة متطوّرة مواكبة لتسارع العولمة، و متنامية بدوام الإستمراريّة في حركة فعل التّجارب الفنّيّة و التّشكيليّة… و الفنّانة رعد في قناعاتها الفنّيّة و الثّقافيّة، تحمل في نسائج كينونتها، رسالة إنسانيّة فكريّة حضاريّة، و هي فنّانة مُتفكّرة و إجتماعيّة بإمتياز، تُدرك بوعيها و عرفانها و إيمانها و قناعاتها رؤى الحياة، و ما للمرأة من حضور مميّز، يتجلّى في رموزيّة جمالها و تكوينها الذي أبدع الله في صنعه، لتغدو رمزًا أحاديّا للحبّ و العشق و العطاء… و هو ما حملها فنّيّا للتّعبير عن واقعها الذي تعيشه، داعية لمساوتها مع الرّجل و تحريرها من القيود التي كبّلتها و تُكبّلها على مدى عقود و سنوات سالفة و ما زالت سارية في بيئة مجتمعات ترزح تحت نير الجهل و ثقافة الجهل…
ديما زكريّا رعد، فنانة تشكيليّة، تحمل ثورة رافضة تتجلّى في لوحاتها، و تتّسم بتمرّد صارخ في ألوانها، تنبثق بما يتفاعل في حناياها و وجدانها من الحياة الصّاخبة، و من تأثيرات سلبيّة أو إيجابيّة على نفسها و أعصابها و علاقاتها مع الآخرين… و هي: رئيسة جمعيّة الفنّانين اللبنانيين للرّسم و النّحت،أستاذة في معهد الفنون بالجامعة اللبنانيّة، شغلت رئيسة قسم المعارض في وزارة الثّقافة اللبنانيّة، و عضو في لجنة التّحكيم الدّوليّة، و كانت رائدة ناجحة في العديد من اللقاءات و البينالات الفنّيّة العالميّة، لها شهرتها في معارض فرديّة عديدة أقامتها، و أخرى جماعيّة شاركت فيها، و لها حضورها الإبداعي المميّز و الفريد…