السّبب و الأسباب و فضائل النّسب و الأنساب
بقلم: وضحة سعيد شعيب كاتبة عربيّة, لبنانيّة الهويّة, من بلدة وادي فعرة, ببلاد بعلبك, في بقاع لبنان الشّمالي الغربي.
السّبب و الأسباب و فضائل النّسب و الأنساب
بقلم: وضحة سعيد شعيب
كاتبة عربيّة, لبنانيّة الهويّة, من بلدة وادي فعرة, ببلاد بعلبك, في بقاع لبنان الشّمالي الغربي.
أكرم عشيرتك و عائلتك و أسرتك و أنسباءك و أهلك و أجدادك و أولادك و أحفادك و صلات أرحامك, فإنّهم جناحك المنبسط الممتدّ, الّذي به تطير للعلا مرتفعا ساميا, و تُحلّق به مرتقيا في المدى, و هم أصلك المبارك الّذي منه أتيت, و الّذي إليه تصير, و تعود, و منه تفرّعت بغصنك الغضّ, فأورقت و أزهرت و أثمرت, و هم يدك الّتي بها تصول و ساعدك الّذي به تجول و هم ميزتك و سمتك و هويّتك الّتي بها تُعرف بين أفاضل و كرام النّاس…
فالنّسب هو سبب التّعارف بين النّاس, و سلّم التّواصل بين الأفراد و الجماعات, به تتعاطف النّفوس المطمئنّة, و تتواصل الأرحام الواشجة, و عليه تحافظ الأواصر القريبة, إمتدادا للأواصر البعيدة… و لا خفاء على صاحب الفطنة و الذّكاء, أنّ المعرفة بعلم الأنساب, من الأمور المطلوبة توعويّا, و المعارف المندوبة تثقيفيّا… و لا بدّ من التّعارف بين النّاس, ليتآلفوا و يتكاملوا و يتعاضدوا فيما بينهم, من أجل الإنسانيّة جمعاء و من أجل مرضاة الله تعالى…
فعلم الأنساب يحفظ الأصلاب, حتّى لا يعتزي أحد إلى غير آبائه, و لا ينتسب أحد إلى سوى أجداده… فالكلّ من عقب آدم , و من بطن حوّاء, و آدم من تراب من حمأ مسنون, و حوّاء من عجائن هذا التّراب… و لا فضل لمخلوق بشريّ على آخر إلاّ بإنسانيّته و مناقبه الرّفيعة و أخلاقه الّتي يتمتّع بها, فإن عظمت عظم بها و إرتفع, و إن هبطت إنخفض بها و سقط…
و لا يغني النّسب عن الإيمان بالله تعالى, بل يتكامل مع صاحب الإيمان بالله تعالى و الإطمئنان بذكر الله سبحانه… و النّسب الإيماني أقرب بين المؤمنين من النّسب الدّموي…
و في قصّة إبن نوح الّذي عصا أباه وغرق في الطّوفان مثل, وفي قصّة إمراة لوط الّتي رفضت التّعاليم القويمة مثل آخر, وفي قصّة عمّ النّبيّ محمّد عليه الصّلاة و السّلام “أبي لهب” الّذي رفض الإيمان بدعوة الإسلام مثل أيضا, و شواهد التّاريخ كثيرة, و منها قصّة الصّحابي الجليل سلمان الفارسي, الّذي جعله الرّسول عليه الصّلاة و السّلام من أهل بيته في الإيمان و التّصديق لدعوة الإسلام… و كذلك في قوله عليه الصّلاة و السّلام: “أنا جدّ كلّ تقي و لست جدّ كلّ شقي…”…
وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: “يا أيّها النّاس, إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى, وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا, إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم…”…
مجد الأصول عزيزا ما سهرت على حفظ الأصول, فإن ضيّعته هانا.
فمن جهل أو تجاهل و لم يعرف النّسب, لم يعرف النّاس, و من لم يعرف النّاس, لم يُعدّ من النّاس… وإذا لم يعرف الفرد النّسب, تعذّر عليه ذلك إلى غير ذلك من الأحكام الجارية هذا المجرى…
و قد ذهب الكثير من الأئمّة و المحدثين و الفقهاء, كالبخاري, و إبن إسحاق, و الطّبري, إلى جواز الرّفع في الأنساب إقتداء بعمل السّلف الصّالح…
و في الحديث: “تعلّموا من النّسب ما تعرفون به أحسابكم, و تصلون به أرحامكم”…
و قال الخليفة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: “تعلّموا النّسب و لا تكونوا كنبيط السّواد, إذا سُئل أحدهم عن أصله, قال: “من قرية كذا وكذا…”…
و قد كان الخليفة أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه, في علم النّسب بالمقام الأرفع و الجانب الأعلى, و ذلك أدلّ دليل و أعظم شاهد على شرف هذا العلم و جلالة قدره…
و ممّن كان مقدّما في النّسب من العرب أيضا, النّجّار بن أوس بن الحارث بن سعد هذيم من قضاعة, و قد كان أنسب العرب… و قد صنّف في علم الأنساب جماعة من أجلّة العلماء و أعيانهم, كأبي عبيد, و البيهقي, و إبن عبد البرّ, و إبن حزم , و غيرهم… و هو دليل شرف و رفعة قدره…
إنّ الفتى ما أن تطيب فروعه لمجرّب حتّى تطيب أصوله…