“في زمن الخنوع و الخضوع الذي طال الساسة و الاعلاميين و رجال الدين”
فاطمة حاكمي ـ هل بقي للإلتزام بالقومية مكان في قاموس الفنان العربي اليوم ؟
قد يكون من قبيل اللغو أن نتحدث عن دور الفنان في ما يحدث بوطنه العربي أمام ما نراه و نسمعه عن عمليات الإبادة و التجويع و شلالات الدماء التي تنزف كل يوم من أجساد الأطفال و الثكالى…
لكننا إذا رجعنا للماضي البعيد وحتى القريب، لمسنا أن دور الفنان قد لا يقل أهمية عن دور الإعلامي و السياسي حتى لا أقول ذلك المقاوم الذي يحمل البندقية ،،،فجرة قلم لهذا الاعلامي أو تصريح لذلك الساسي من شأنها أن تنصر الحق و تزهق الباطل ، كما من شأنها أن تبيع القضية و تدنسها و تجعل من قلمها قلما مأجورا يتفوه بالباطل و هو يعلم علم اليقين أنه كذلك و ينبطح للظالم رغبة و رهبة ….
لقد سخّر الشاعر ـ خلال صدر الإسلام ـ قريحته لنصرة الدعوة الإسلامية والإفتخار بانتصاراتها، بل أنّ غزوات الرسول ـصلى الله عليه و سلم كانت لا تخلو من شاعر أو اثنين يرافقون الجنود و يرفعون من عزيمتهم و يصفون تفاصيل المعارك كما لو أنهم مصورون محترفون ينقولون احداث المعركة من بدايتها الى نهايته ، و لنا في شعر حسان بن ثابت و كعب بن زهير و عبيد بن الابرص ما يجعلنا نعيش تلك الأحداث رغم مرور قرون من الزمن..
و الفنان اليوم يخشى في الحق لومة لائم ، فإما منبطح خائن باع القضية مع سبق الإصرار او متخاذل صامت لا هو في العير و لا في النفير ….أصبحنا نتطلع إلى فنان أو شاعر يطل علينا و لو بالبكاء على الأطلال و رثاء المدن الذي بكى من خلاله شعراء الأندلس المدن و المماليك و هي تسقط الواحدة تلوى الأخرى ,,
أنّ الفنان شاعرا كان او مطربا إن لم يلتزم بقضايا أمته يفرح لانتصاراتها و يبكي لحالها و يهجو عدوها و يمدح أبطالها البواسل ، و يجنح إلى فن الهيام و الغرام و البكاء على الحبيبة ، لهو ممن يحسن أن نطلق عليه لقب الجبان و ليس الفنان ….فعنترة عندما كان يتغزل بعبلة كان ينشد الشعر و السيف بيده,,,و لقد ذكرتك و الرّماح نواهل …و بيض الهند تقطر من دمي …
و لم يتغزل بها و و مختبىء خلف شاشة هاتفه النقال ….
الفن اليوم يعيش أسوء فتراته في الوقت الذي كان يجب أن يبرز قوته في تحريك الرأي العام العالمي و العربي ، و شتان بين الفنان في أكتوبر1973 و الفنان منذ أكتوبر2023…فمن المواقف المشرفة للفنان العربي خلال انتصارات أكتوبر 73 أن إحدى ايقونات الفن العربي الراحلة وردة و الملحن الراحل بليغ حمدي و في ليلة السادس من اكتوبر دخل مبنى الاذاعة و سجل أغاني احتفالا بالنصر و دون مقابل رغم العراقيل التي واجهتهما حتى يتمكنا من دخول الاستويو فكانت اغنيات : الله اكبر بسم الله …و أنا على الربابة أغني التي رافقت الجنود و رفعت من معنوياتهم الى غاية النصر….
مالنا تراجعنا الى الوراء بأميال ؟؟؟ الفن رسالة قبل أن يكون للاستمتاع و الاسترخاء ..و أي استرخاء و الوطن العربي في غزة العزة و لبنان ينزف كل يوم أنهار من الدماء و الأشلاء ….
بالله عليكم أين أنتم من واقعكم اليوم ـ أين أنتم من زمن ابيرات الوطن العربي، و الحلم العربي …
لا نقول : أننا الأغاني القومية و الأشعار تحرّر الأوطان ، لكنها تشكل وخزا للعدو و دعما للمجاهدين ..
و اليوم لم يبقى من زمن الفن القومي الهادف سوى العملاق المخضرم الذي يبقى الفنان الوحيد الذي سخّر فنّه و مازال للقومية العربية : فعلا لطفي بوشناق أجراس العودة ستقرع يوما ما و تعود الأرض لأصحابها.