“معادلة النار بالنار .. حزب الله وإعادة رسم قواعد الصراع” 

سمير السعد – تشهد المنطقة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق، حيث تتغير معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني بفضل العمليات التي ينفذها حزب الله في لبنان وحماس في غزة. في ظل هذه الظروف، يطالب الكيان الصهيوني بضمانات دولية تتيح لها استهداف أي موقع في لبنان تحت ذريعة “التهديد المحتمل”، إلا أن حزب الله أثبت أنه لا يحتاج لمثل هذه الشروط. صواريخه تصل يوميًا إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، مستهدفة أبرز المدن العدو الصهيوني مثل حيفا وتل أبيب، مما يزعزع الدعم الشعبي لحكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة.

إن ضرب منطقة الأبراج الشهيرة في تل أبيب أو مراكز المال والأعمال هناك يمكن أن يقلب موازين الصراع تمامًا، ليصبح “التفاوض تحت النار”. هذه المعادلة الجديدة تضع نتنياهو وحكومته المتشددة في مأزق، حيث تصاعد الغضب الشعبي الداخلي، لا سيما في ظل التأييد المتراجع لسياساته القمعية.

ورغم الانتقادات البعض الموجهة لحماس بسبب عملية السابع من أكتوبر العام الماضي واقتحام مستوطنات غلاف غزة، وأيضًا لحزب الله من جهات عدة، فإن التنسيق بين الطرفين أحدث تحولًا جذريًا في قواعد اللعبة. نعم، قد تكون بيروت هدفًا لضربات صهيونية مكثفة، وربما تُصدر العدو الصهيوني إنذارًا جماعيًا لسكان العاصمة بإخلائها، لكن حزب الله مستعد للرد بقوة، مستهدفًا وسط تل أبيب بأسلحته المتطورة، مما يزيد الضغط على حكومة نتنياهو المحاصرة بتطرف حلفائها الدينيين وسخط المجتمع الدولي.

على الجانب الآخر، تعاني السياسة الأمريكية من تذبذب واضح، حيث يقترب الجمهوريون من السيطرة على البيت الأبيض، ما قد يغير مسار الدعم الصهيوني . في الوقت نفسه، يدفع بايدن نحو تصعيد خطير، مانحًا الضوء الأخضر لزيلينسكي لضرب العمق الروسي، وهو ما قد يجر العالم نحو مواجهة عالمية أوسع.

في ظل هذه الأجواء المتوترة، يبدو أن المنطقة على أعتاب تصعيد غير مسبوق، حيث يُعاد رسم ملامح الصراع في ظل معادلة “النار مقابل النار”.

التصعيد الحالي لا يقتصر على الساحة اللبنانية أو الفلسطينية فقط، بل يتشابك مع أزمات دولية أوسع. فالتحركات الأمريكية الأخيرة لإضعاف روسيا عبر الدعم المفتوح لأوكرانيا وإثارة استفزازات مباشرة قد تُفضي إلى نزاع عالمي أكبر، وهو سيناريو قد يُلقي بظلاله على الشرق الأوسط. هنا، يصبح الصراع بين حزب الله وإسرائيل جزءًا من لوحة أكبر، حيث تترابط الأزمات في إطار سياسي وعسكري معقد.

ومع استمرار القصف المتبادل بين حزب الله والكيان الصهيوني ، يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن تتحمل حكومة نتنياهو هذا التصعيد؟ الاستهداف المستمر لوسط تل أبيب يعرض عمق الكيان الصهيوني للتهديد غير مسبوق، خصوصًا مع استخدام الحزب تقنيات عسكرية متطورة ومواقع تموضع جديدة. في المقابل، قد يصعد الكيان الصهيوني هجماته بما يشمل بيروت بالكامل وليس فقط الضاحية الجنوبية، ولكن هذا التصعيد سيقابل بموجة جديدة من الردود الحاسمة، وهو ما قد يؤدي إلى معادلة استنزاف طويلة الأمد.

وفي ظل هذا المشهد، لا يمكن تجاهل التصدعات الداخلية في المجتمع الصهيوني . فسياسات اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو تضعف التماسك الداخلي، مع تزايد هجرة الليبراليين واليأس المتنامي من مستقبل “الدولة الصهيونية”. الدعم الدولي، خصوصًا من أوروبا والولايات المتحدة، وإن كان حاضرًا، إلا أنه قد يتأثر بالتغيرات السياسية في الغرب، مثل صعود الجمهوريين في أمريكا أو ضغوط الشعوب الأوروبية على حكوماتها للتخفيف من التورط في النزاعات الدولية.

في النهاية، يبدو أن الصراع الحالي يتجاوز الحسابات التقليدية، حيث أصبحت “النار بالنار” المعادلة الحاكمة، ومعها تتغير قواعد الاشتباك. حزب الله وحماس يراهنان على إحداث تحول استراتيجي طويل الأمد، فيما يحاول الكيان الصهيوني وحلفاؤه منع هذا التغيير بأي ثمن. لكن التاريخ يشهد أن الحروب لا تُحسم فقط بالقوة العسكرية، بل بقدرة الأطراف على فرض واقع جديد يعيد تشكيل المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *