(العربية) في اليومِ العالميِّ لحقوقِ الإنسانِ.. لمنعِ الانتهاكاتِ وتقويةِ مؤسّساتِ الدّولةِ
*في اليومِ العالميِّ لحقوقِ الإنسانِ.. لمنعِ الانتهاكاتِ وتقويةِ مؤسّساتِ الدّولةِ*
يحتفلُ العالمُ في العاشرِ من ديسمبرَ مِن كلِّ عامٍ بـ „اليومِ العالميِّ لحقوقِ الإنسانِ”، ليُحييَ بذلك الإعلانَ العالميَّ لحقوقِ الإنسانِ الذي أُقِرَّ في العام 1948. يحدّدُ هذا الإعلانُ مجموعةً واسعةً مِن الحقوقِ والحرّيّاتِ الأساسيّةِ للأفرادِ، وهو يَضمنُ حقوقَ كلِّ فردٍ في كلِّ مكانٍ، دونما تمييزٍ على أساسِ الجِنسيّةِ، أو مكانِ الإقامةِ، أو الجنسِ، أو الأصلِ الوطنيِّ أو العرقيِّ أو الدِّينِ أو اللّغةِ.
ليستْ حقوقُ الإنسانِ أفكارًا مجرّدَةً، فهي توفّرُ الحمايةَ، وتَضمنُ حقَّ الجميعِ في كلِّ مكانٍ في العيشِ بكرامةٍ، وتُؤدّي حقوقُ الإنسانِ دورًا حاسمًا كقوّةٍ وقائيّةٍ وحمائيّةٍ في معالجةِ أكثرِ مخاوفِ النّاسِ إثارةً للقلقِ.
وتُعتبرُ حقوقُ الإنسانِ مِن الاهتماماتِ الدَّوليّةِ المُهمّةِ على الصّعيدِ الداخليِّ والخارجيِّ، وليستْ الدُّولُ العربيّةُ بعيدةً عن هذا الاهتمامِ، حتّى ولو عرفَ الواقعُ العربيُّ العديدَ مِن الانتهاكاتِ لهذهِ الحقوقِ. لكنْ مع تطوُّرِ المجتمعِ الدَّوليِّ ظهرَ تطوّرٌ كبيرٌ في هذه الحقوقِ، حيث بدأ العملُ المؤسّساتي الذي ساعدَ في إنشاءِ مؤسّساتٍ إقليميّةٍ على مستوى جامعةِ الدّولِ العربيّةِ، والتي بدورِها استمرّتْ في توجيهِ الآليّاتِ وتنظيمِها مِن خِلال الميثاقِ العربيِّ والمَحكمةِ العربيّةِ لحقوقِ الإنسانِ.
لا يخفى على أحدٍ أنّ الصّراعاتِ والحروبَ الدّائرةَ في العديدِ من الدّولِ العربيّةِ، واستمرارَ الاقتتالِ الداخليِّ في البعض منها، فضلًا عن التّدخلاتِ الأجنبيّةِ والإقليميّةِ، ساهم في تدهورِ حقوقِ الإنسانِ، مع ما رافقَ ذلكَ مِن انعدامِ الأمنِ الداخليِّ وسيادةِ الميليشياتِ والجماعاتِ المسلّحةِ، ترافقَ ذلك مع تأزيمِ الأوضاعِ الإنسانيّةِ، وتَفشّي جرائمِ القتلِ والإخفاءِ القَسرِيِّ، وفي ظلِّ سيطرةِ سياسةِ التَّفَلُّتِ مِن العقابِ.
ربّما يعتبرُ الاعتقالُ التّعسُّفيُّ والتّعذيبُ مِن أبرزِ انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ في عالَمِنا العربيِّ، فضلًا عَن تقييدِ حريّةِ التّعبيرِ والإعلامِ والتّمييزِ ضدَّ المرأةِ، والقمعِ السياسيِّ المتمثِّلِ في قمعِ الاحتجاجاتِ السِّلميّةِ وانتهاكِ حريّةِ العمّالِ المهاجرينَ وعدمِ توفيرِ الحمايةِ القانونيّةِ لهم. وتعاني ليبيا أُسوةً بالعديدِ مِن الدّولِ العربيّةِ مِن بعضِ تِلكَ الانتهاكاتِ، لا سيّما بسببِ استمرارِ الصّراعِ وضُعفِ المؤسّساتِ.
في هذا الإطارِ يَؤكّدُ الدّكتورُ الصّدّيق حفتر على „أهميَّةِ إصلاحِ الأوضاعِ الداخليّةِ في ليبيا التي تعاني مِن ضُعفٍ في التّشريعاتِ والقوانينِ”، لافتًا النّظرَ إلى „الانتهاكاتِ الكثيرةِ التي تحصُلُ نتيجةَ الصّراعاتِ وضُعفِ المؤسّساتِ والأنظمةِ القضائيّةِ، وتفاقُمِ الفقرِ ونقصِ الخدماتِ الأساسيّةِ كالتّعليمِ والرّعايةِ الصّحيّةِ”. وأشارَ الدّكتورُ حفتر إلى „ضرورةِ تحسينِ الحوارِ الوطنيِّ لتحقيقِ استقرارٍ شاملٍ وتقويةِ مؤسّساتِ الدّولةِ، بما فيها القضاءُ والأمنُ، وبسطِ سيادةِ القانونِ وإنهاءِ سياسةِ الإفلاتِ مِن العقابِ بشكلٍ جازمٍ، واعتمادِ مبدأِ التّحقيقِ العادلِ والشّفّافِ”.
يُثني حفتر على جهودِ الأممِ المتّحدِة والمنظّماتِ الحقوقيّةِ التي لطالما اهتمّتْ بحقوقِ الإنسانِ وصونِها، مؤكِّدًا على „دعمِ تلكَ الجهودِ لضمانِ حمايةِ المواطنينَ في ليبيا واستحصالِهِم على حقوقِهِم”، مشدّدًا „على دعمِ المجتمعِ المدنيِّ، وتعزيزِ دورِه في مراقبةِ أيِّ انتهاكاتٍ قد تحصلُ، وعلى توفيرِ الدّعمِ الدَّوْلي لتحسينِ أوضاعِ المهاجرينَ واللَّاجئينَ، وتعزيزِ التّوعيةِ بالحقوقِ بالتّعاونِ مع وسائلِ الإعلامِ والمؤسّساتِ التّعليميّةِ، ووقفِ التّمييزِ ضدَّ المرأةِ، سواءً في القوانينِ المتعلّقةِ بالعملِ أو الإنجابِ أوالزواجِ أو في الحمايةِ من العنفِ”، معبّرًا عن أملِه في التّغييرِ رُغم كلِّ التّحدّياتِ، لأنّ هناكَ محاولاتٍ مُستمرّةً لإصلاحِ الأوضاعِ في البلادِ والحفاظِ على حقوقِ الإنسانِ ومنعِ انتهاكِها.
تتجلّى أهميّةُ حقوقِ الإنسانِ في أيِّ دولةٍ مِن خلالِ حمايةِ كرامتِها، وتعزيزِ الاستقرارِ السّياسيِّ والاجتماعيِّ، وتحفيزِ التّنميةِ المستدامةِ وتعزيزِ صورتِها أمام المجتمعِ الدَّوليِّ، وهذا ما ينبغي أن تسعى ليبيا إليه، مع التّشديدِ على ضمانِ سيادةِ القانونِ من أجل بناءِ مؤسّساتٍ قويّةٍ تُحقّقُ العدالةَ وتحمي الأفرادَ مِن الانتهاكاتِ.