تاريخ عريق لمدينة الشّمس بعلبك
عظماء من بعلبك
عظماء من بعلبك
خرجت بعلبك العديد من الأسماء الدينية والأدبية، وكان لبعضها أدوار مهمة وإنجازات عريقة لم ولن ينساها التاريخ لما حققته من تطور على المستوى العلمي والفكري والثقافي للمجتمع في لبنان والعالم. فبعض هذه الأسماء قد تخطت إنجازاتها الحدود اللبنانية، لتجوب دول العالم بعلمها وشغفها، مما ساهم في خلودها معاندة الزمن في ذاكرة مدينة الشمس.
الإمام الأوزاعي:
أبو عمر عبد الرحمن رجل دين، محدث، فقيه ولد في مدينة بعلبك عام 707م. لقب بالأوزاعي نسبة إلى محلة “الأوزاع” وهي قرية خارج باب الفراديس من قرى دمشق. إشتهر الإمام بتسامحه وبدفاعه عن الضعفاء وبشكل خاص بدفاعه عن الفلاحين في جبل لبنان، الذين عانوا من بطش حاكم بعلبك العباسي جراء الثورة التي قامو بها بسبب الضرائب الجديدة التي فرضت عليهم.
كان الأوزاعي محدثا مشهورا لكن تلامذته لم يجمعوا علمه في كتب. أنشأ مذهبا اعتمده ولفترة قصيرة من الزمن فقهاء الشام والأندلس.
تم تأسيس كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية في بيروت وهي كلية تمنح شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، ويستطيع خريجو الكليات غير الشرعية متابعة دراساتهم فيها. توفي في بيروت عام 774م.
قسطا بن لوقا البعلبكي:
عالم فيزياء وفلك ومترجم. ولد قسطا بن لوقا في بعلبك عام 830م، وتوفي عام 912م في أرمينيا. هو عالم فيزياء، عالم فلك ومترجم مسيحي ينتمي إلى طائفة الروم الأرثوذكس. قام برحلات متعددة إلى مختلف أرجاء الإمبراطورية البيزنطية وعاد منها بنصوص إغريقية قام بترجمتها إلى العربية.
ترجم من الإغريقية إلى العربية كتب ديوفانتوس الإسكندري المتعلقة بالجبر وكتاب الأكوان لعالم الفلك اليوناني ثيودوسيوس الطرابلسي. كما أشرف على ترجمة كتب الطبيب جالينوس وراجع كتب الميكانيك لهيرون الإسكندراني وعلق على إقليدس.
كانت له إسهاماته الخاصة في الميكانيك والرياضيات وعلم الفلك والطب والعلوم الطبيعية حيث تنسب له أكثر من ستين مقالة. له مقالة “في الفرق بين الروح والنفس” ترجمها إلى اللاتينية يوحنا الأشبيلي Joannes Hispalensis بعنوان De Differentia Spiritus et Animae.
أديب مسافر الهكاري، شيخ عدي:
هو عالم مسلم صوفي. ولد عام 1075م في بعلبك. انتقل إلى البصرة حيث اشتهر. يعتبر الشيخ عدي منقذ اليزيدية ويقدسونه على أنه نبي. انتقل الشيخ عدي إلى منطقة الشيخان شمال الموصل إلى أن توفي هناك عام 1162م. مرقده بالقرب من الموصل شرق دجلة، وتحديدا في لالش.
يعتبر هذا الموقع مقدس لأتباع اليزيدية. يوجد هناك معبد لالش النوراني وقبر الشيخ عدي الذي يقدسه أتباع الديلنة وتعتبر لالش مقر المجلس الروحاني للديانة اليزيدية في العالم. يحج اليزيديون مرة واحدة خلال حياتهم على الأقل إلى لالش وتستمر مدة الحج ستة أيام.
إبن ملي البعلبكي:
أحمد بن محسن، فقيه إمامي، قاتل المغول في بعلبك. عاش نصف عمره متخفيا من السلطنة المملوكية. مات متخفيا، قبره في بخعون الضنية.
الشيخ حبيب آل إبراهيم المهاجر:
ولد في جبل عامل عام 1304م، فقيه، مجدد، صرف جهوده إلى النهوض في بعلبك ومنطقتها. أسس فيها مدارس ومجلة الهدى.
من مؤلفاته: ذكرى الحسين (4 أجزاء)، الحقائق في الجوامع والفوارق، الإسلام في معارفه وفنونه. توفي في بعلبك عام 1384م.
المقريزي:
عالم دين هو تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد. يعتقد أنه ولد بين عامي 1364 و1367م. عرف بالمقريزي نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المقارزة فقد كان أجداده من بعلبك وحضر والده إلى القاهرة حيث عمل في عدة وظائف.
شغل المقريزي العديد من الوظائف في الدولة ثم عمل مع الملك. كتب المقريزي الكثير عن فترة حكم المماليك. وقد تمت ترجمة أعماله إلى لغات غير العربية، فقد قام المستشرق كواتر مير بترجمة قسم كبير من كتاب السلوك للمقريزي وبخاصة ما يتعلق بمرحلة حكم المماليك لمصر تحت عنوان:”Mamlouks Histoire des Sultans” ثم تابع بلوشيت الترجمة وأصدر كتابت بعنوان:”Histoire d’Egypt de Makrizi”.
واستحق كتاب المقريزي “السلوك لمعرفة دول الملوك” المكانة الأولى بين كتب التاريخ في عصره، ومن مؤلفاته أيضا كتاب “عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط”، الذي حاول فيه المقريزي أن يكتب عن تاريخ مصر خلال الفترة التي امتدت منذ الفتح العربي إلى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة الفاطمية. وكتاب “اتعاظ الحنفا بأخبار الخلفا” حول تاريخ مصر في زمن الدولة الفاطمية، وكتاب “إغاثة الأمة بكشف الغمة” الذي يتحدث فيه عن تاريخ المجاعات في مصر وأسبابها.
الشيخ البهائي العاملي:
رجل دين. هو الشيخ محمد بن الشيخ حسين بن عبد الصمد، المعروف بالشيخ البهائي. ولد البهائي سنة 1547م في بعلبك.
درس المراحل الأولية للعلوم الدينية في لبنان، ثم سافر إلى مدينة أصفهان. حظي باحترام الشاه عباس الصفوي الذي عينه في منصب شيخ الإسلام في الدولة الصفوية. انتفع الشيخ البهائي من الإمكانيات التي توفرت للدولة الصفوية، فاستفاد منها في خدمة التشيع.
من مؤلفاته:
الكتب الدينية: الزبدة في الأصول، شرح الأربعين حديثا، الجامع العباسي في فقه الإمامية، هدايا الأمة إلى أحكام الأئمة.
الكتب الأدبية واللغوية: بحر الحساب، تشريح الأفلاك في الهيئة، رسالة في حل إشكالي عطارد والقمر، رسالة في تضاريس الأرض، خلاصة الحساب.
توفي في أصفهان سنة 1652م. نقل جثمانه من صفهان إلى مشهد الإمام علي الرضا عملا بوصيته، قبره معلوم يتوقف زوار المولى علي الرضا أمامه لقراءة الفاتحة.
خليل مطران:
شاعر وصحافي ولد عام 1873م في بعلبك. تابع تحصيله العلمي في المدرسة البطريركية في بيروت. تلقى تعليمه في اللغة العربية على يد أستاذاه الأخوان خليل وإبراهيم اليازجي.
هاجر مطران إلى باريس وهناك درس الأدب الغربي فاطلع على أشعار فكتور هوغو وغيره من أدباء ومفكري أوروبا. انتقل بعدها إلى مصر، حيث عمل كمحرر بجريدة الأهرام. أنشأ “المجلة المصرية” ومن بعدها جريدة “الجوانب المصرية” اليومية التي استمر إصدارها على مدار أربع سنوات، وقام بترجمة عدة كتب.
عرف مطران كواحد من رواد حركة التجديد، وصاحب مدرسة في كل من الشعر والنثر، ويعد مطران من مجددي النثر إذ أخرجه من الأساليب الأدبية القديمة.
استقر مطران على المدرسة الرومانسية والتي تأثر بثقافته الفرنسية، فكما عني “شوقي” بالموسيقى و”حافظ” باللفظ الرنان، عنى “مطران” بالخيال، وأثرت مدرسته الرومانسية الجديدة على العديد من الشعراء في عصره مثل إبراهيم ناجي وأبو شادي وشعراء المهجر وغيرهم.
أطلق عليه لقب “شاعر القطرين” ويقصد بهما مصر ولبنان، وبعد وفاة حافظ وشوقي أطلقوا عليه لقب “شاعر الأقطار العربية”.
من قصائده: المساء، موت عزيز، الأسد الباكي، وفاء، الجنين الشهيد، المنتحر، الطفل الظاهر، نيرون، فتاة الجبل الأسود، شيخ أثينة، بين القلب والدمع، الزنبقة وغيرها الكثير من القصائد المميزة لمطران. قدم مطران للمكتبة العربية كتب من ينابيع الحكمة والأمثال، ديوان الخليل، إلى الشباب والعديد من المترجمات لكل من شكسبير، وفيكتور هوغو.
توفي خليل مطران بالقاهرة عام 1949م، بعد أن اشتد عليه المرض.
ميخائيل ألوف:
دليل سياحي ولد ميخائيل ألوف في بعلبك. عمل كأمين لآثارها وخدم كدليل سياحي للإمبراطور فيلهلم الثاني لدى زيارته للمدينة.
حصل عام 1905م على وسام النسر البروسي، الدرجة الرابعة. عام 1934م أرسل الإمبراطور المنفي آنذاك صورته لألوف عربون تقدير لخدماته أثناء الزيارة التي قام بها إلى المدينة.
إشترى ألوف من بيريكلي ميميكاكي فندق بالميرا وأداره حتى عام 1988م.
استقبل العديد من مشاهير العالم وعرف بحسن ضيافته وإلمامه بتاريخ المدينة وآثارها. كتب ميخائيل ألوف عام 1890م “تاريخ بعلبك”، أحد أقدم الدلائل السياحية للمدينة. توفي عام 1946م.
باع إبن ألوف الفندق عام 1988م لعائلة الحسيني بعدما اشتد عليه الضيق المالي بسبب الحرب اللبنانية التي كانت قد اندلعت عام 1975م.
عبد الحليم كركلا:
مصمم رقص ولد في بعلبك عام 1940م، والد الشاعر الكبير عباس كركلا. درس علوم المسرح الراقص وتاريخه في لندن تحت إدارة مصممة الرقص العالمية مارثا غراهام. كما درس في باريس أيضا علم الفولكلور العالمي.
سطع نجمه في عالم الرياضة، إذ حاز على بطولة لبنان في لعبة القفز على الزانة مرات عدة، كما برز في الألعاب الرياضية الأخرى كسباق ال100 وال400متر، وأيضا في القفز العالي والطويل.
أسس فرقة كركلا عام 1968م، والتي ضمت حينها نحو 14 عضوا، وبدأ إبداعها الفني المتميز والمتكامل، يلوح في أفق لبنان والعالم العربي. استوحى عبد الحليم كركلا أعماله المسرحية الراقصة من مسيرة بدوي في الصحراء، حيث الموسيقى الفطرية تنبعث من أقدام جمل أو فرس على رملاء الصحراء.
الإنطلاقة الأولى للفرقة كانت في بعلبك، أما في العالم فقد شاركت الفرقة في مهرجانات أوساكا في اليابان سنة 1972م، بدأت الفرقة بجولاتها العالمية فأبرزت وجه لبنان المشرق في مسيرة المعرفة.
تطورت الفرقة بين العام 1972م والعام 2002م وتحولت من فرقة شعبية إلى مسرح راقص يضم نحو 50 راقصا وراقصة وممثل وممثلة وأصبحت مؤسسة مسرح كركلا التي تضم:”مركز كركلا للأبحاث التراثية” و”مدرسة كركلا للرقص”، والمدرسة تدرب مجانا 300 طالب من محبي الفرقة كما أضحى للمؤسسة مسرحا خاصا بها هو مسرح الإيفوار، أسوة بالفرق العالمية كأوبرا هاوس وغيرها، لتكون بذلك أول فرقة عربية تملك مسرحا.
أبرز أعمال “فرقة كركلا”:
اليوم وبكرا ومبارح(1972م)، غرائب عجائب وعجائب غرائب (1974م)، الخيم السود (1974م)، طلقة النور (1980م)، ترويض الشرسة (1982م)، أصداء (1985م)، حلم ليلة شرق (1990م)، اليسار ملكة قرطاج (1996م)، الأندلس المجد الضائع (1997م)، ليلة قمر (1999م)، ألف ليلة وليلة (2003م)، أوبرا الضيعة (2006م)، زايد والحلم (2010م).
العيش المشترك في بعلبك:
كانت بعلبك ولا تزال القلب الحاضن لجميع أبنائها وسكانها، لم تفرق بينهم ولو للحظة، حيث ولد وعاش فيها العديد من الوجوه الدينية والثقافية التي تنتمي إلى كافة أطياف المجتمع اللبناني، والذين بدورهم بادلوها الحب والوفاء قولا وعملا، وبعض هذه الوجوه لا يزال حي يرزق في ذاكرة ووجدان البعلبكيون حتى يومنا هذا.
القديسة بربارة:
هي إبنة الوجيه الروماني ديوسكوروس في المدينة. ولدت زمن حكم الإمبراطور ماكسيميانوس (285-305 م)، إعتنقت بربارة المسيحية بالرغم من رفض والدها الذي قام بسجنها. قرر أبوها أن يقتلها بعدما قامت بحفر فتحة ثالثة في البرج التي كانت مسجونة فيه تكريما للثالوث الأقدس.
عزم أصدقاؤها على حملها على الفرار فألبسوها ثياب الفقراء وأخرجوها من البرج. لكن خلال هربها في حقول سهل البقاع، تعرف عليها مزارع وقبض عليها. استشهدت بربارة ولا تزال ذكراها التي يحتفل بها كل عام في الرابع من كانون الأول حدثا شعبيا في لبنان وسوريا وفلسطين. يتذكر الناس في عيد القديسة بربارة مراحل حياتها وفرارها واستشهادها.
يطوف الأولاد الأحياء السكنية، يقرعون الأبواب طالبين الحلوة أو المال متنكرين ويقومون بغناء عيدية خاصة بالعيد. ولعيد البرباة حلوى خاصة هي القطايف المحشية بالقشدة والجوز إلى جانب القمح المسلوق الذي يقدم مع القلوبات والسكر.
الشيخ عبدالله اليونيني:
ولد في بلدة يونين عام 1140م، كان زاهدا يرابط في جبال لبنان وغوطة دمشق. شيد زاوية صغيرة في رأس العين حيث كانت تتوافد الجموع لرؤيته.
خدمته امرأة مسيحية من منطقة جبة المنيطرة وعندما توفيت أشرف على مراسم دفنها بحسب الطقوس الدينية المسيحية.
بعد وفاته عام 1220م، وري الثرى على تلة ما لبثت أن أخذت اسمه. تحول قبره إلى مقام ومحجة عند بناء قبة الأمجد فوقه.
لهذه الأسماء دور عظيم في صناعة تاريخ أثيل لبعلبك، ستبقى تتناقلها الأجيال مهما تبدل الزمان. والاطلاع على مثل هذه الأحداث يساهم في شحن طاقة الإنسان وفي ارتقائه المعرفي والفكري، فلكل امرئ دور عليه باتمامه في هذه الحياة ولكن إن تمكن من استثمار قدراته ووقته بوعي ومسؤولية. وبالتالي فإن تقدم الأمم مرتبط بتقدم الإنسان نفسه بنفسه.