الصديق يُشدد على الحوكمة الرشيدة في ليبيا المستقبل
من أبرز التحديات التي تواجه بناء المؤسسات في ليبيا، خصوصاً في المرحلة الإنتقالية، موضوع الحوكمة مع التركيز على المؤسسات الرسمية التي تعتبر من الهياكل الرسمية للدولة، والمتمثلة بالسلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والمؤسسة العسكرية، والمؤسسات الأمنية، إضافة إلى المؤسسات غير الرسمية،أي الموازية لمؤسسات الدولة، وهي القبائل والمجتمع المدني، والمجموعات المسلحة .
لقد أظهر التقييم من خلال الدراسات التي أجرتها مؤسسات الأمم المتحدة ومراكز الأبحاث المعنية، تدني مؤشرات الحوكمة وعدم فاعليتها، وعجز السلطة المركزية عن التحكم في الحيز الجغرافي، وتفشي الفساد المالي والإداري في معظم القطاعات العامة والخاصة.
كذلك فإن الإنقسام المؤسسي يعتبرمن أبرز التحديات التي تواجه ليبيا، حيث ُ أدت الأزمة إلى خلق مؤسسات وإدارات جديدة تتنازع الإختصاصات والصلاحيات، إضافة إلى التنازع على الشرعية، ما ساهم في توسيع دائرة الصراع.
وتعتبر اللامركزية من المشاكل المعقدة التي تعكس علاقة المركز بالأطراف، وعلى الرغم من صدور القانون رقم 59 لسنة 2012 بشأن الحكم المحلي، وصدور لائحته التنفيذية عام 2013، إلا أنه لم يطبق بشكل موضوعي، وواجه تحديات عديدة، منها الإنقسام السياسي والمؤسسي، وبروز ظاهرة تشكيل البلديات والوحدات المحلية من دون خضوعها لمعايير موضوعية، سواء كانت إقتصادية أو جغرافية أو سكانية، أو إدارية.
وتشكل معظم هذه البلديات والوحدات المحلية تلبية لرغبات قبلية ومناطقية وجهوية، بينما يتطلب تعزيز اللامركزية منظومة قانونية متكاملة، ووعي شعبي لترسيخ فكرة الديمقراطية والمشاركة المحلية كأساس للتنمية المستدامة، وربط اللامركزية بالتنمية المكانية.
وقد بين التقييم للرؤية التي وُضعت لأعوام 2025 -2030 -2040 عدم وضوح المؤشرات التي تتعلق بالحوكمة وبناء المؤسسات، إذ يبرزالتركيزعلى الجوانب الإقتصادية والثقافية، وغياب منظور النوع الإجتماعي.
ويمكن القول إن آثار الحرب والإنقسامات السياسية والنزاعات المسلحة بعد عام ،2014 ظاهرة بوضوح على المؤسسات وبنية الحكم في ليبيا، التي واجهت ّجراء ذلك تحديات عديدة، منها الفراغ السياسي، وإرتفاع وتيرة العنف، وغياب الأمن والإستقرار، وتفتيت النسيج الإجتماعي، وتزايد حالات النزوح والتهجير، وإنهيار الإقتصاد.
لذلك،يرى الدكتور الصديق حفتر أن المطلوب لمعالجة مشكلة الحوكمة في ليبيا، هو بناء مؤسسات تتصدى للتحديات الإقتصادية والإجتماعية والأمنية، ومن خلال رؤية واضحة تُساهم في تحقيق السلم الإجتماعي وتحافظ على إستقرار ليبيا.
ويُشدد الصديق على أن كل ذلك يتطلب العمل على إيجاد حل سياسي شامل يخرج البلاد من الإنقسام السياسي والمؤسسي،ويُطلق حوارمجتمعي للإتفاق على الأسس التي تتعلق بشكل الدولة،وهوية الإقتصاد، وبناء المؤسسات، وتحقيق الإستقرار، وإعادة تفعيل العملية الدستورية، وهذا ما يجري العمل عليه من خلال تحقيق وإنجاز المصالحة التي تكفل الإستقرار الذي غاب نتيجة الصراع على السلطة والثروة.
ويُنوه الدكتور حفتر إلى أهمية الدراسات والأبحاث والتقارير المتعلقة بموضوع الحوكمة والمؤسسات، والتي أعدتها مؤسسات دولية ومحلية، وأجرت مقابلات مع عينة مختارة من الخبراء، وأصحاب المصلحة، وأعضاء في المجتمع المدني.
وتم التركيز على عدد من القضايا المتعلقة بالحوكمة،بهدف تقييم المؤسسات القائمة المعنية بقضايا الحكم في ليبيا، وجرى تحليل الوثائق المتاحة من الإستراتيجيات والرؤى، التي أعدتها أحزاب وكيانات سياسية،ومنظمات مجتمع مدني، وبعض الشخصيات العامة، وبعض المبادرات من أفراد ومؤسسات المجتمع المدني، من أجل رصد الجوانب المتعلقة بالحوكمة والمؤسسات والمصالحة الوطنية.
وخلصت الدراسات التي أعدت حول الحوكمة إلى وجود أربعة أسس رئيسية، وهي البنى، والعملية، والآليات، والإستراتيجيات.
وعُرفت الحوكمة بأنها تشكيل وإدارة وإشراف القواعد الرسمية وغيرالرسمية التي تنظم المجال العام، والساحة التي تتفاعل فيها الدولة والفاعلون إجتماعيا وإقتصاديا ً لإتخاذ القرارات.
ويشير هذا التعريف إلى بعض المؤشرات، لا سيما منها طريقة تشكيل الحكومات وإستبدالها، وقدرة الحكومة على صياغة سياسات فعالة وتنفيذها، وإحترام المواطنين ومسؤولي الدولة للمؤسسات التي تحكم والتفاعل الإقتصادي والإجتماعي.
ويؤكد الدكتور الصديق أن مستقبل ليبيا السلام والإستقرار بحاجة لتثبيت قواعد الحوكمة الرشيدة وإعتماد أساليب حديثة ومتطورة في الإدارة من شأنها تأمين الرخاء والإستدامة في الإستقرار.