انسحاب تركيا من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا
وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الجمعة، على قرار انسحاب تركيا من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، والتي انضمت إليها قبل 32 عاماً، بعد انسحاب روسيا منها وتعليق حلف الشمال الأطلسي (الناتو) مشاركته بها، مما جعل الاتفاقية منتهية عملياً.
ونشرت الجريدة الرسمية في تركيا مرسوماً رئاسياً تنسحب بموجبه تركيا من “معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا” اعتباراً من 8 إبريل/ نيسان الجاري، حيث انضمت إليها في عام 1992، حيث أبرمت المعاهدة في باريس بتاريخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1990.
وقد أبرمت المعاهدة في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة بهدف وضع حدود شاملة على فئات رئيسية من المعدات العسكرية التقليدية في أوروبا، وألزمت بتدمير كميات الأسلحة الزائدة عن حدود المعاهدة. وقد وقع عليها معظم أعضاء دول الناتو بعد الحرب الباردة. وقررت موسكو بعد الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت قبل أكثر من عامين، الانسحاب من الاتفاقية العام الماضي.
وتبع ذلك تعليق الناتو المعاهدة بعد انسحاب روسيا، كما أعلن التحالف أن أعضاءه الموقعين عليها جمدوا مشاركتهم، وبهذا عملياً تنتهي الاتفاقية، مما يثير الجدل ويفتح الآفاق لمستقبل غير واضح في القارة الأوروبية.
ومع بدء الحرب الروسية في أوكرانيا في فبراير/ شباط من العام 2022، أعربت دول أوروبية عن خشيتها من خطط روسية لمواصلة التقدم في دول أوروبية أخرى. هذا الوضع دفع حلف شمال الأطلسي لتوسيع حدوده، بالإضافة إلى طلبات من السويد وفنلندا للانضمام إلى عضوية الناتو، والتي تم قبولها لاحقاً.
وكانت المعاهدة تهدف إلى القضاء على التفوق الساحق للاتحاد السوفييتي في الأسلحة التقليدية بالقارة الأوروبية، من خلال فرض حدود متساوية على عدد الدبابات والمركبات القتالية المدرعة وأنظمة المدفعية الثقيلة والطائرات الحربية والمروحيات الهجومية التي يمتلكها حلف الناتو وحلف وارسو.
وصممت المعاهدة لمنع أي من التحالفين من حشد القوات لشن هجوم خاطف ساحق، وإنشاء توازن عسكري بين أعضاء حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو على مستوى أسلحة أقل. وعلى الرغم من اختفاء التهديد بمثل هذا الهجوم مع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أن الدول الأعضاء مستمرة في الترويج للقيمة المتواصلة لنظام حدود الأسلحة وضوابطها في المعاهدة، مما يوفر درجة غير مسبوقة من الشفافية في القضايا العسكرية.
وتشمل المعاهدة تخفيضات في عدد إجمالي خمس فئات من الأسلحة التقليدية، وهي المركبات القتالية المدرعة، والدبابات القتالية، والطائرات الحربية، والمدفعية، والمروحيات الهجومية، كما تشمل تبادل المعلومات والقيود التي ستفرضها على الأطراف لكل فئة. وتغطي المعاهدة جغرافياً المنطقة الممتدة من الساحل الأطلسي لأوروبا إلى جبال الأورال في الاتحاد السوفييتي. وقد تعهدت الدول الأطراف في الاتفاقية بالعمل معاً وبذل قصارى جهدها لضمان الأمن والاستقرار بعد تنفيذ الاتفاقية وتحقيق أهدافها المحددة.
وتنص المادة الثانية من المعاهدة بوضوح على الأسلحة المقسمة إلى خمس فئات، بينما تعبر المواد الثالثة والرابعة والخامسة عن القيود التي ستفرضها على الطرفين بالأرقام. وتوضح البروتوكولات الإضافية للمعاهدة كيفية تنفيذ عمليات التدمير أو نزع السلاح والإجراءات التي ستتخذها الدول عند جرد الأسلحة التي ستخضع للتخفيض.
فيما يتعلق بإجمالي القيود العددية التي فرضتها معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا على الطرفين، فهي كالتالي: 40 ألف دبابة قتالية، و60 ألف مركبة قتالية مدرعة، و40 ألف مدفعية، و13 ألف و600 طائرة حربية، و4 آلاف مروحية هجومية. وتُستثنى جميع العناصر البحرية في البحر من نطاق هذه المعاهدة، وخلال عملية تخفيض القوات، حظر بيع المعدات العسكرية المعنية وتقرر تدميرها أو إتاحتها للأغراض السلمية.
من الواضح أن انسحاب الأطراف من هذه الاتفاقية قد يشجع على سباق تسلح غير مسبوق منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، مما يزيد من المخاطر والتوترات في المنطقة. وبالتأكيد، ستستفيد تركيا من ذلك في تعزيز إنتاجها العسكري وزيادة عدد آلياتها العسكرية التقليدية في المستقبل.
لكن لن تنحصر التبعات في المنطقة وحدها، بل ستشمل القارة الأوروبية بأسرها. بالإضافة إلى ذلك، قد تسعى روسيا، التي انسحبت من الاتفاقية وربما تملك خططًا في أوكرانيا وأوروبا، إلى زيادة الإنتاج العسكري. وهذا قد يكون دافعاً للدول الأوروبية لاتخاذ إجراءات مماثلة وزيادة التسلح.