جريمة بحق ذوي الهمم: مراكز “شبه مرخصة” وكوادر بلا اختصاص… صرخة إلى فخامة الرئيس!


بقلم : الأستاذة #جويل_خالد_طبّو
الحائزة على ماجستير إدارة مؤسسات تربوية، وأخصائية في علم القيادة وهي كاتبة وناشطة في الشأن التربوي والاجتماعي.

جريمة بحق ذوي الهمم: مراكز “شبه مرخصة” وكوادر بلا اختصاص… صرخة إلى فخامة الرئيس! See

إلى فخامة رئيس الجمهورية، دولة رئيس الحكومة، ومعالي وزير التربية، ومعالي وزير الشؤون الاجتماعية، وهيئة التفتيش التربوي في لبنان

أطفالنا ليسوا حقل تجارب.. إنقاذ فوري لمستقبل ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان!
في غمرة الأزمات المتلاحقة التي تضرب لبنان، تتوارى خلف الستار مأساة حقيقية تهدّد فلذات أكبادنا من ذوي الاحتياجات الخاصة (ذوي الهمم). إنها فوضى مراكز الرعاية والتأهيل، التي تحوّل بعضها إلى كيانات تعمل في “المنطقة الرمادية” بين القانون والإهمال، مستغلةً حاجة الأهل الماسة للرعاية المتخصصة. إنّ ما يحدث هو جريمة موصوفة بحق هذه الفئة الأغلى على قلوبنا، ويتطلب تدخلاً رئاسياً وحكومياً عاجلاً وحاسماً.

فوضى التراخيص والمؤهلات: إهانة لكرامة الإنسان

إنّ قلب المشكلة يكمن في نقطتين مفصليتين تضربان عرض الحائط بأبسط معايير الجودة والرعاية، وتُهدّدان مستقبل آلاف الأطفال:

1. الكوادر غير المؤهلة: رعاية “بالخبرة” لا “بالاختصاص”

الكارثة الأكبر تتمثل في التوظيف العشوائي للكوادر التعليمية والعلاجية داخل هذه المراكز. فمن غير المقبول أخلاقياً ومهنياً أن يُعهد إلى أطفالنا ومستقبلهم لمن هم:

بلا شهادات جامعية معتمدة ومعترف بها في اختصاصات دقيقة مثل العلاج الفيزيائي، تقويم النطق، العلاج النفسي الحركي، أو التربية الخاصة.

يشغلون مناصب قيادية وإدارية (مدير، مسؤول قسم/صف) دون امتلاكهم لشهادة أو اختصاص موثق. إنّ منصب المدير أو المسؤول عن خطة علاجية لـ “ذوي الهمم” ليس مجرد وظيفة إدارية، بل هو مسؤولية علمية وأخلاقية تتطلب سنوات من الدراسة والخبرة المتخصصة.

يعتمدون على “شهادات مصغّرة” غير مرخصة أو معترف بها أكاديمياً كـ “شهادات تطوير اللغة” أو “تنمية المهارات” كبديل عن التأهيل الجامعي المتخصص. هذه الدورات قد تكون داعمة، لكنها لا تُغني أبداً عن الأسس العلمية اللازمة لرسم خطط علاج فردية متكاملة.

إنّ تعيين شخص بلا اختصاص للتعامل مع تحديات “ذوي الهمم” ليس مجرد خطأ إداري، بل هو اعتداء على حقوق الطفل في الحصول على أفضل رعاية ممكنة تُمكنه من الاندماج والنمو.

2. المراكز الشبه مرخصة: غياب الرقابة والمحاسبة

النقطة الثانية لا تقل خطورة، وهي تفلُّت بعض المراكز من الإطار القانوني الكامل. فكيف يُسمح لكيانات بتقديم خدمات حساسة مثل التأهيل والتربية الخاصة وهي:

تعمل بتراخيص جزئية أو بلا تراخيص رسمية من الجهات المختصة.

لا تخضع لمعايير التفتيش التربوي الصارمة التي تضمن جودة المناهج والمرافق وسلامة البيئة التعليمية والعلاجية.

إنّ عملية الترخيص يجب أن تكون بوابة عبور قاسية لا تسمح بالمرور إلا لمن استوفى شروط الأمان والبنية التحتية والكوادر المؤهلة. فهل تتم عملية منح التراخيص بناءً على معايير حقيقية، أم وفقاً لـ”تسهيلات” و”استثناءات” تفتح الباب أمام استغلال هذه الفئة الضعيفة؟

نداء عاجل إلى السلطة التنفيذية والرقابية:

إنّنا نناشدكم باسم كل طفل من ذوي الهمم، وباسم كل عائلة تكافح لتأمين مستقبل أفضل لابنها، لاتخاذ الإجراءات الحاسمة والفورية قبل فوات الأوان.

أولاً: حملة تفتيش شاملة وتجميد للمراكز المخالفة

نطالب بإطلاق حملة تفتيش وطنية عاجلة وشاملة تقودها لجان مشتركة من وزارتي الشؤون الاجتماعية والتربية والتفتيش المركزي:

التدقيق الفوري في تراخيص المراكز، وإصدار قرارات بـإغلاق فوري لأي مركز يعمل دون ترخيص كامل أو لا يستوفي الشروط الأساسية.

التدقيق في مؤهلات جميع العاملين، وخاصة المديرين ومسؤولي الأقسام والمعالجين. يجب إلزام المراكز بتصحيح أوضاعها خلال مهلة قصوى، واستبدال الكوادر غير المؤهلة بمتخصصين معتمدين.

ثانياً: تفعيل قانون حقوق ذوي الهمم

يجب تفعيل البنود المتعلقة بحق “ذوي الهمم” في التأهيل والتعليم النوعي، وجعلها أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل، مع تحديد واضح لـ”معايير الجودة” في الرعاية والتعليم لضمان عدم تلاعب المراكز بالحد الأدنى من المتطلبات.

ثالثاً: مساءلة صارمة

على الجهات الرقابية مساءلة كل من يتورط في إصدار تراخيص أو تسهيلات تخالف الشروط المهنية والأخلاقية، فـ”تضييع” مستقبل طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة هو جريمة وطنية لا يمكن التسامح معها.

إنّ الاستثمار في ذوي الهمم هو استثمار في مجتمع سليم وعادل. لا يمكن لدولة تدّعي الاهتمام بمواطنيها أن تسمح بـ”مجزرة” تعليمية وعلاجية تُرتكب بحق أضعف فئاتها.
ننتظر الإجراء… فـ”الانتظار” يعني تدمير جيل كامل!

الوجه المظلم للمساعدات: استغلال “أيادي الخير”

تتعاظم المأساة حين يضاف إليها عنصر الاستغلال المالي. فالعديد من هذه المراكز، سواء المرخّص منها أو العامل في الظل، تعتمد بشكل كبير على تبرعات سخية تصلها من رجال أعمال، مغتربين لبنانيين، وأيادٍ بيضاء تسعى للمساهمة في دعم “ذوي الهمم”.
الخطر الداهم يكمن هنا: لقد وصلتنا معلومات تؤكد أنّه بالرغم من أن هذه المساعدات تُخصص في الأساس لشراء المعدات والأدوات والأغراض اللازمة لعمل المركز وخدمة الطلاب، إلا أنّ الأموال النقدية التي تصل إلى هذه المراكز “تنضب” بسرعة غامضة، والأغراض المشتراة – إن اشتُريت – يتم تخزينها أو “ضبّها” بهدف بيعها لاحقاً بدلاً من استخدامها في الخطط العلاجية والتربوية للأطفال!
هذا فساد صريح يسرق حقوق الأطفال مرتين: يسرق الرعاية منهم، ويسرق نية الخير من المتبرعين.

نداء إلى كل متبرع (أفراداً ومؤسسات):
إذا كنتم تنوون المساهمة مالياً في دعم أي مركز، فإننا نرجوكم بضرورة تطبيق إجراءات الشفافية والحوكمة الصارمة قبل تسليم أي مبلغ:

أطلبوا ملفاً مالياً وإدارياً مفصّلاً يوضح أوجه صرف المبالغ السابقة والخطط المستقبلية.

إشتروا الأغراض والمعدات بأنفسكم وابقوا على إيصالات الشراء لضمان وصولها إلى المستفيدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *