الاقتصاد مفتاح الفوضى

يعيش العالم الآن في رعب ويقف على صفيح ساخن من أوروبا، لأمريكا، للصين، والسبب الظهور المفاجئ لأزمات الطاقة والتي أثرت في كل جوانب الحياة تقريبًا.
أوروبا زادت فيها أسعار الغاز إلى أن وصلت ألفين دولار لكل ألف متر
مكعب، ودخل الشتاء ولا يوجد حل، وتقارير إعلامية تقول: “أنَّهم يدخلون على
كارثة اقتصادية واجتماعية”.
أمريكا تعاني من ارتفاع الأسعار الخاصة بالكهرباء مثل أوروبا، الهند يوجد
فيها أزمة انقطاع كهرباء في مدن كثيرة.
مرت بريطانيا بأزمة وقود جعلت طوابير العربيات على محطات البنزين
بمئات الأمتار.
لبنان زادت فيها أسعار الوقود لدرجة أن بيروت عاشت في ظلام تام بعد
انقطاع الكهرباء بالكامل.
أمَّا الصين تمر بأزمة طاقة نتيجة زيادة استهلاك الكهرباء وارتفاع أسعار الفحم
والذي يُستخدم في توليد الكهرباء، فعندما ارتفعت أسعار الفحم؛ أصبحت المحطات
تُنتِج كهرباء أقل، ووجدنا أكثر من عشرين محافظة ومنطقة يُعلنوا عن انقطاعات
في التيار الكهربي، وثلثين السكان يُعانوا من الظلام والمصانع بدأت تغلق، وهذه
الصين يا صديقي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وما يؤثر فيها يؤثر في العالم كله؛
ولذلك العالم ركز مع ما يحدث في قلب الصين لكن أكثر قليلًا.
والدليل عندما حصلت أزمة الطاقة هناك وجدنا موجة من ارتفاع الأسعار
ضربت في الكوكب كله، من الألبان للدواجن للغسالات للثلاجات للحديد والإسمنت،

وفي نفس الوقت حدث الاضطرابات في معظم أسواق المال وتأثرت الاقتصاديات
الكبرى.
– ستقول لي: ماذا حدث لتصل الأمور لهذا في الصين?.
سأقول لك: “تعال يا صديقي نأخذ الموضوع من الأول لكي تسير معي على
نفس الخط:
ببساطة الصين من فترة أصبحت مهتمة بالبيئة –وهذا خارج عن إرادتها-، في
بداية الألفينيات كانت كل قوائم المدن الأكثر تلوثًا في العالم دائمًا تحتوي على تلات
مدن صينية على الأقل في العشرة الأوائل، ومنهم العاصمة بكين، فكان لزامًا على
الحكومة هناك أنَّ تجد حل؛ لأنَّ تلوث الهواء سيؤثر في الاقتصاد ككل.
-ستقول لي: كيف?
سأقول لك: لأنَّ هذا سيؤثر على صحة المواطنين وهؤلاء معظمهم عمال،
فبالتالي الإنتاجية ستقل في مصانعها، كما سيُسبب التلوث أمراض الرئة
والسرطانات، فبالتالي سيُكلف الدولة علاج وهكذا.
وعندما وصل الوضع لمرحلة خطيرة في 2013 أطلقت الحكومة الصينية
خطة وأخذت عدة قرارات لتقليل معدلات التلوث في الهواء، وكان على رأسهم
التقليل من استخدام الفحم كوقود؛ لأنَّ انبعاثات الكربون الناتجة من احتراق الفحم
مضرة بالبيئة وهذا بديهي، لكن المعضلة كانت أن الفحم هو المصدر الأساسي الذي
يُولَّد منه الكهرباء.
عندها أتى الرئيس الصيني [شي جين بينغ] وقال: “لا، هذا يكفي ولنُقلل
استهلاك الفحم ونُغلق المناجم ونسعى لمحاولة توليد الكهرباء من وسائل أخرى”.
وفعلًا هذا ما حدث، وبدأت المدن الصينية تخرج من قوائم المدن الأكثر تلوثًا
في العالم، وهذا ما رأيناه في 2018 عندما ظهرت العاصمة الصينية بكين في
المركز 122 في قائمة [آي كيو إير] I Q Air ، وذلك بعدما احتلت دائمًا القائمة في
العشرة الأوائل، ومن المتوقع أنَّها تخرج من القائمة في خلال السنوات الخمس
القادمة.

إلى أن جاءت اللحظة التي لم تكن في الحسبان؛ في النصف الأول من 2021
زاد احتياج واستهلاك الصين للكهرباء بنسبة 16% مرة واحدة.
– تقول لي: لماذا؟
سأقول لك: بسبب كورونا.
– سيبقى لديك سؤال عن كيفية ذلك.
سأوضح لك الأمر في التالي: انتبه:
عندما ظهرت كورونا وتفشت؛ توقفت عجلة الإنتاج في العالم، توقفت والمصانع
وأُغلقت، والناس بقيت في بيوتها، لكن في 2021 ومع ظهور اللقاحات المتتالية
وزيادة حملات التطعيم في معظم أنحاء العالم بدأت الحياة تعود من جديد، ووجد
البشر سبيلهم في الخروج من البيوت وتضاعفت حركة البيع والشراء في العالم كله؛
ليُعوضوا ما فاتهم؛ فزاد الطلب على البضائع بمعدلات قياسية أكبر حتى من
معدلات ما قبل كورونا.
ومن أكبر مصدر للبضائع في العالم ومصنع العالم؟ الصين يا صديقي؛ فكان
لزامًا على المصانع الصينية أنَّها تعمل بكامل طاقتها حتى تلبي الطلب العالمي
المتزايد، فبالتالي زاد احتياج الصين للكهرباء بنسبة 16% مرة واحدة.
لكن الصين أغفلت أنها لا زال تعتمد على الفحم في توليد ثلثي الطاقة
الكهربائية في الصين، يعني الوضع أصبح كالآتي:
استهلاك واحتياج للكهرباء عالي.
زائد إنتاج فحم كما قلنا من قبل.
فأصبحت الصين أمام خيارين:
الأول: إمَّا ترفع أسعار الكهرباء وتحاول ترشيد استهلاكها؛ مما
سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات التضخم.
أو تفتح المجال لزيادة إنتاج الفحم بشكل كبير، وستكون خطوة
محرجة للصين أمام قمة المناخ، وخصوصًا بعد تعهدات الصين
المتتالية، وآخرها كان في إبريل الماضي عندما تعهدت أنَّها بداية من

2030 ستقل انبعاثات الكربون الصادرة منها بنسبة 65% إلى أن
تصل لمرحلة انعدام انبعاث الكربون بمعنى أن انبعاثات الكربون
الخاصة بها ستصل للزيرو.
ذلك لأنَّ الصين هي الدولة رقم واحد في العالم من حيث إنتاج الملوثات
الكربونية والتي تؤثر على الغلاف الجوي للكوكب وتُسرع من وتيرة الاحتباس
الحراري، والصين ستُحقق هذا الهدف بأي ثمن من أجلها ومن أجل سلامة العالم،
ومما يؤكد ذلك تقارير صحفية صدرت من داخل الحزب الشيوعي الحاكم في
سبتمبر الماضي.
التقارير تقول: أن رؤساء الأقاليم والمحافظين قيل لهم: “أنَّهم سيُحاسبون إذا لم
يستطيعوا تنفيذ تعهدات الحكومة الخاصة بالبيئة”؛ ولذلك فإن الحكومة الصينية لم
يكن أمامها سوى الخيار الأول والذي يقتضي رفع أسعار الكهرباء وترشيد
استهلاكها، حتى هذا الخيار لا نعلم عواقبه بعد.
هل تتعجب من ذلك؟!
لن يتوقف عند ذلك الحد فقط؛ بل أكثر من ذلك يا صديقي، انتبه: لكي تواجه
الصين الأزمة بدأت ترشد في استهلاك الكهرباء في المحافظات والمدن والمصانع،
وعلى سبيل المثال طبقًا لصحيفة Global Times الصادرة عن الحزب الشيوعي
الحاكم في الصين، أحد مصانع الصين تلقى إخطار من الحكومة بانقطاع الكهرباء
بداية من 21 سبتمبر لحد 7 أكتوبر في إطار خطة ترشيد الكهرباء، وتوقف المصنع
بالفعل وتوقف إنتاجه، وليس هذا المصنع فحسب؛ مما أدى إلى انخفاض إنتاج السلع
بشكل حاد، وأنا هنا أتكلَّم عن سلع حيوية مثل الأسمدة والصلب والألومنيوم
والإسمنت.
وبعد ما استفحلت المشكلة وجدنا الصين عدلت عن خيارها الأول وبدأت تزود
في إنتاج الفحم بشكل كبير، لكن بعد فوات الأوان -وأول ورقة دومينو كانت وقعت
بالفعل وجرت من وراءها”.

الخلاصة: أن عملية الإنتاج نفسها في الصين تعطلت، ولن يستطيعوا تلبية كل
الطلبيات؛ فبالتالي حركة التصدير للعالم كله ستقل، وفي نفس الوقت محطات توليد
الكهرباء أصبحت تحتاج الفحم أكثر من أي فترة قبل ذلك؛ فارتفع سعره، فبالتالي
فاتورة الكهرباء على المصانع زادت هي الأخرى، مما اضطر أصحاب المصانع
لرفع أسعار البضائع والسلع التي يتم إنتاجها.
فوجدنا أنفسنا في وضع غريب وهو تقليل في كمية البضائع التي يتم إنتاجها
وتصديرها في الصين وفي نفس الوقت سعرها مرتفع، وعلى الناحية الثانية في
الأسواق التي تستورد من الصين الطلب ما زال عالي كما هو، فلما قلّ المعروض
زاد سعره أيضًا زيادة فوق الزيادة.
حينما تزيد الأسعار تنخفض القوة الشرائية للعملة، والعملة تضعف وتزيد معها
معدلات التضخم.
منتيه معي يا صديقي؟! الاقتصاد العالمي مرتبط ببعضه كأحجار الدومينو
المرصوصة وراء بعضها، عندما يقع واحد يأتي بما ورائه.
المهم نعود أدراجنا: أزمة الطاقة في الصين تسببت في ارتفاع معدلات التضخم
من 1 ل 2% في معظم الأسواق الناشئة تقريبًا مقارنةً بنفس الأوقات من السنة
الماضية، ومعظم المحللين الاقتصاديين يُحذروا من أن أزمة الطاقة الصينية ستؤخَّر
من استعادة الاقتصاد العالمي لعافيته بعد سنة الكورونا.
الاقتصاد العالمي كله يا صديقي، أنت متخيل؟!!
ما يحدث في الصين يعتبر مثال حي على تأثير أي اضطرابات في إمدادات
الطاقة على شكل الحياة التي نعرفها؛ ولذلك الطاقة دائِمًا ساحة كبيرة للصراع
والخناقات بين الدول، وتأمينها بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت.
عليك يا صديقي التركيز جيدًا حين سماع أخبار عن أي أزمة طاقة في مكان
معين؛ لأنَّ الأزمة ستؤثر عليك مهما بَعُدت والدليل على ذلك ما يحدث في الصين.
الطاقة الآن هي التي تحرك الاقتصاد والسياسة كما سنرى بعد قليل ومجرد أنباء
عن احتمال نقصها يُحدِث كارثة وحالة من الذعر، مثلًا لو انتشرت إشاعة تقول:

“أن البنزين سيقل في مكان معين”؛ ستجد آلاف من البشر على محطات البنزين
للحصول على حصة من المتبقي، وهذه ليست المرة الأولى، والعالم كله يعاني الآن؛
ليس فقط لأنَّ أهم موارد الطاقة في العالم ستقل، لا، بل هناك احتمالية لفنائها.
طبقًا لآخر إحصائيات الاستهلاك من الوكالة الدولية للطاقة العالم يعتمد على
الوقود الحفري التقليدي في توليد 80% تقريبًا من احتياجاته من الطاقة، الوقود
الحفري مثل البترول والغاز الطبيعي والفحم، لكن المشكلة أنّ هذهِ الموارد ليست
دائمة، وهذهِ هي موارد الطاقة التي تعرفنا عليها من قبل في كتب الدراسات باسم
[مصادر الطاقة غير المتجددة].
وعلى سبيل المثال: البترول أيامه معدودة على كوكب الأرض ومن المتوقع أن
ينتهي بعد حوالي ستين سنة تقريبًا إذ استمرينا بنفس معدل الاستهلاك، وطبعًا
ستزداد هذه المعدلات بزيادة أعداد البشر وستقل بالتالي هذه الفترة المتوقعة، انتهاء
البترول سيكون كارثة بكل المقاييس للعالم ككل ولاقتصاديات أكتر من خمسة
وعشرين دولة، لماذا؟ لأنَّهُم يعتمدون بشكل أساسي على البترول في دخلهم.
وحسب الإحصائيات الأولية من المتوقع أن آخر برميل نفط في العالم سيكون
في منطقة الشرق الأوسط، وبسبب ندرة الوقود الحفري عمومًا يعني -كما قلت لك-
سنجد صراعات كبيرة بين الدول وفي الأماكن التي سيُكتشف بها اكتشافات جديدة
أو بمعنى أصح التي لم تصل لها يد الإنسان مثل شرق المتوسط وبحر الصين
الجنوبي والقطب الشمالي، الله القطب الشمالي! كيف؟!
لقد خرجت الدول تبحث في الفضاء على موارد؛ فليس من الغريب أن تُفتش
كل أركان الكرة الأرضية بحثًا عنها، ولكي أكون دقيق معك هناك حوالي خمس
دول يتنافسون على أكثر من تسعين مليار برميل نفط وخمسين تريليون متر مكعب
من الغاز في القطب الشمالي، هذه المنطقة مليئة بالخيرات وأيضًا هي منطقة شبه
مهجورة ليست ملكًا لأحد؛ لذلك هي مطمع لكل الدول لذا تحاول كل الدولة السيطرة
على جزء منها قبل الأخرى بأي طريقة ممكنة.

في السنين الأخيرة بدأنا نسمع عن الاحتباس الحراري مما أدى إلى ذوبان الثلج
في المناطق القطبية وخصوصًا الشمالية، بعدها بدأت تظهر الثروات.
سنة 2000 خرج تقرير ورد فيه: “أن القطب الشمالي يوجد به حوالي 25%
من الاحتياطيات العالمية الغير مكتشفة من النفط والغاز، هذا بخلاف المعادن مثل
الألماس والذهب والبلاتينيوم والقصدير والمنجنيز والنيكل والرصاص” وطبعًا كل
هذه الموارد بلا مالك؛ وهذا كان سبب الخلاف بين الدول على تلك المناطق.
الصراع بشكل أساسي قائم بين أمريكا والصين وروسيا، وكل دولة منهم أقامت
قواعد عسكرية هناك لكي تحفظ جزء من الموارد لنفسها؛ وهذا مثال حي وبسيط
على شكل الصراعات الحالية على مصادر الطاقة.
أيضًا هناك شكل ثاني من الصراعات وهو استغلال مصادر الطاقة كورقة
ضغط ونفوذ على الغير، بمعنى أصح أنت أُتيح لك مصادر الطاقة التي تولد لك
كهرباء وتشغل مصانعك وتدفي بيوتك في الشتاء؛ وفي المقابل ترضخ لأوامري
وتنفذها.
وأكبر مثال على ذلك الضغط المستمر الذي تمارسه روسيا على أوروبا؛ بسبب
الغاز الطبيعي.
Timothy Ash كبير محللي الأسواق السيادية في Blue Bay Asset
Management] يقول: “لقد تركت أوروبا نفسها الآن رهينة لروسيا” وهذا بشأن
إمدادات الطاقة، ووصف الوضع بأنه لا يُصدق؛ لأن ببساطة الاتحاد الأوروبي
يستورد 77% من غازه الطبيعي وحوالي نصف ما يقوم باستيراده يأتي من
روسيا، ولذلك أوروبا تسعى بكل طاقتها أنَّها تبحث على بديل.
ليس فقط أوروبا، العالم كله بدأ ينتبه لمشكلة الوقود الحفري وخصوصًا أكبر
الدول المنتجة زي الإمارات والسعودية واللي اقتصادهم يعتمد بشكل كبير على
العائد الناتج من بيع البترول والغاز، فوجدنا هذه الدول تعمل من الآن على إيجاد
خطط مستقبلية لتقليل اعتمادهم على البترول، مثل الإمارات مثلًا والتي ركزت على

زيادة إيراداتها من السياحة والعقارات ووضعت نفسها كمركز لوجيستي لشحن
وتفريغ السفن.
وكذلك السعودية بدأت هي الأخرى في وضع خطط تنموية اقتصادية وصناعية
وتطوير السياحة الدينية كمان.
وأيضًا مصر التي توسعت في التنقيب على الغاز في شرق المتوسط؛ لسد
احتياجاتها وتأمين احتياطياتها في المستقبل من النفط والغاز، وتكللت جهودها
بالنجاح ومثال ذلك اكتشاف حقل ظهر الضخم في 2015، وفي نفس الوقت تتوسع
في إنتاج الطاقة النووية مثل محطة الضبعة ومن المتوقع الانتهاء منها في 2026.
هذه أمثلة صغيرة لعدد محدود من الدول، لكن ما زالت المشكلة بالنسبة للعالم
كله لم تُحل.
بعض الدول قالت: “الحل في مصادر الطاقة البديلة مثل الشمس والرياح والمد
والجزر والوقود النووي”.
ودول أخرى بدأت فعلًا تأخذ خطوات جدية مثل أمريكا: في 2021 أعلن
الرئيس الأمريكي [جو بايدن] خطته التي ستجعل أمريكا بحلول 2035 تستغنى عن
الوقود الحفري بشكل كبير، ويكون اعتمادها بنسبة 40% على الطاقة الشمسية،
وفعلًا تبنى الكونجرس الأمريكي سياسات مثل الإعفاءات الضريبية لمشاريع الطاقة
المتجددة ومصانع المكونات الخاصة بها.
وهناك دول كثيرة غير أمريكا أخذت نفس الاتجاه ببساطة؛ لأنَّ الطاقة المتجددة
ستقلل من مشكلة الاحتباس الحراري، وستصبح الشمس والرياح أو المد والجزر من
أكير أسباب الاكتفاء الذاتي لدى الدول وستجعلها من الدول المصدرة للطاقة.
هذا بخلاف الدول التي كانت تعتمد على دول أخرى لكي تزودها بالطاقة والتي
ستتكون قادرة على إنتاجها بنفسها، فبالتالي ستتخلص من الضغط الذي تمارسه هذه
الدول عليها.
-هل تتساءل عما إذا كانت ستنتهي هذه الصراعات؟
سأقول لك: لا؛ إطلاقًا يا صديقي لن تنتهي .

– وارد تقول لي: لماذا? الشمس والهوا متاحين للجميع.
سأقول لك: نعم هما كذلك، لكن المعادن التي تُستخدم في الخلايا التي تحولهم
لطاقة كثير منها نادر وحصري عند دول معينة، مثل الكوبالت والنحاس والليثيوم
والنيكل:
يعني مثلًا الكونغو فيها أكثر من 80% من الكوبالت في العالم.
والصين فيها حوالي 70% من العناصر الأرضية النادرة.
والليثيوم يتم إنتاجه في الأرجنتين وتشيلي اللذان يمثلا 80% من
الإمداد العالمي.
يعني يا صديقي، الآن قد يتكون هذه المعادن متوفرة، لكن مع اتجاه العالم
للطاقة المتجددة الطلب عليها سيزيد وستصبح أقل من الاحتياجات المتوقعة، ومن
المتوقع أنَّ هذا سيولد صراعات بين أكثر الدول المستهلكة للطاقة.
المهم، طالما تكلمنا عن مصادر الطاقة في المستقبل، يجب أن نتكلم عن
الهيدروجين الأخضر، ومعظم المحللين يرون أنه وقود المستقبل، الهيدروجين
الأخضر هو عبارة عن وقود يتكون من المياه عن طريق التحليل الكهربائي لذرات
المياه وفصل الأوكسجين عن الهيدروجين، ولا يوجد في العالم أكتر من المياه،
وحاليًا دول كثيرة في جميع أنحاء العالم تستثمر المليارات في تطوير التكنولوجيا
الخاصة به.
السعودية حاليًا تنشئ أكبر محطة عالمية لتوليد الهيدروجين الأخضر.
أوروبا في 2020 أعلنت عن خطة لتخصيص 430 مليار دولار في
الهيدروجين الأخضر بحلول 2030 تلاتين.
واليابان افتتحت محطة كاملة لإنتاجه في مدينة فكوشيما، وغيرهم كتير.
وليس هذا فقط بل اتجه العالم الآن لتطوير تكنولوجيا تستطيع توظيف
الهيدروجين الأخضر في معظم الأشياء التي تحتاج للطاقة، بدءً من إنارة البيوت إلى
بطاريات العربيات، مثل ما أعلنت تويوتا في 2021 عن شراكة مع شركة صينية
لتطوير عربيات تسير عن طريق محركات تعمل بخلايا الوقود الهيدروجيني،

الشركتين يستثمرون حوالي تمانين مليار دولار في هذا القطاع، وستبدأ عملية
الإنتاج سنة 2023.
وليس فقط هذا، هناك شركة صينية للطاقة بدعم من الحكومة أعلنت أنَّها ستبني
100 محطة وقود هيدروجيني في جميع أنحاء الصين مع نهاية .
معظم المحللين يقولوا: “لو تمكننا من تطويع الهيدروجين الأخضر ونستخرج
منه الطاقة بشكل مثالي؛ سنتمكن من توفير حاجة البشر المتزايدة للطاقة للأبد”
فبالتالي سننقذ الكوكب باستخدامنا طاقة الهيدروجين النظيفة، وليس هذا فحسب بل
سيمدنا بالطاقة التي ستتيح لنا الفرصة في يوم من الأيام العيش في كواكب تانية.
وستتحقق مقولة كاتب الخيال العلمي الفرنسي [جول فيرات] منذ أكثر من 125
سنة في روايته الجزيرة الغامضة، عندما كتب: “تُرى ماذا سيحرقون بدلًا من
الفحم?” فأجاب: “المياه، المياه ستُحلَّل إلى عناصرها الأولية، وذلك بفعل الكهرباء،
وفي المستقبل سيتم استخدامها، كوقود”.

رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية
د. خالد زين الدين

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *