تجليّات الشّاعرة جاهدة نظير مشيك
تجليّات الشّاعرة جاهدة نظير مشيك
في كتابها “ديوان الأميرة”
بقلم: الدّكتور حسين أحمد سليم
نائب رئيس مجلس الإدارة، رئيس تحرير القسم العربي
الكاتبة الشّاعرة جاهدة نظير مشيك، في نصوص كتابها “أميرة الدّيوان”، تتجسّد ومضات من الإشعاع الأدبي و الشّعري بتجلّيات إنسانيّة، كشفت بعض مكنونات دفينة، حركة إنعكاس جوهر إكتراث و أصالة، تكتنز نثرًا فنّيّا و شعرًا مرسلاً، و قصائد متحرّرة من القيود و الضوابط الخليليّة… تعتلي و تمتطي صهوة خيالاتها، ترتحل قدرا ماورائيّا في هدأة من السّكون الزّمنيّ, تلك المنفلتة إفتراضيّا من قيود ربقات المكان, المتفاعلة مع فعل حركة أثيريّات الزّمان, حيث تولد عندها لحظة الخلق و الإبداع، في حزم من نبضات قلب مُعقلن و عقل مُقلبن…
و البارز في مسيرة و مسار الشّاعرة جاهدة نظير مشيك، حركة فعل البحث عن الحقيقة في طوايا أعماق ذاتيّتها، المتفاعلة مع حقبات ظروف حياتها في مجتمعها و بيئتها و جيلها… و نتاجاتها الإبداعيّة المتناهية لخيالاتها، كما الرّذاذ المنساب فوق ثرى الأرض العطشى، إنبثق من شعشعانيّة فلسفة صوفيّتها، خدمة للحياة الأدبيّة و الشّعريّة، تتجلّى من خلال مرآتها المفضّضة و المصقولة بجودة عالية، لتعكس ترائيّاتها الإبداعيّة و تبرزها في الطّليعة… و الكتابة عند الشّاعرة جاهدة نظير مشيك، هي محاولة متواضعة، تتجسّد في مكنوناتها مقاييس نجاحها، بحيث للمتلقّي القاريء المثقّف الواعي وحده و بلا منازع… و من هذا المنطلق، فبمقدار ما يتفاعل هذا المتلقّي مع العمل، تكون نسبة و مستوى النّجاح و القبول، و تبرز نسبة التّرقّي في حركة الفنون الكتابيّة، التي ترتفع بالعمل صعدًا في معراج درجات الإبداع، مُرسّخة أسس و ركائز و قواعد الكاتب في صرح الأفكار التي جسّدها في حركة فعل إجادته الكتابيّة…
نصوص “ديوان الأميرة” للشّاعرة جاهدة نظير مشيك، لها القدرة المحفّزة على الدّفع بالقاريء، للخوض في غمار نثائر و خواطر و قصائد الكتاب، التي أتقنت صياغتها الشّاعرة مشيك، بأسلوب جميل و لافت، تستميل المتلقّي ذهنًا و قلبًا و عقلاً و تفكيرًا، و تُحرّضه ليستكمل إبحاره بين الكلمات و الجمل و الفقرات حتّى النّهاية…
الرّكيزة الأساسيّة لمسيرة و مسار الشّاعرة جاهدة نظير مشيك، في الفنون الأدبيّة و صياغة و نظم النّثر الفنّي و الخواطر الشّاعريّة، هي ما حباها الله و أنعم عليها مودّة و رحمة، بالموهبة و قبسات من سعة المعرفة و الوعي و خبرة في معتركات الحياة… و الأهمّ هو الإستمرار المدروس و الهادف، في التّدرّج بتنمية مستدامة، لصقل ثقافة المرء بحركة تبحّره في أعماق التّراثيّات الإبداعيّة لأعلام كبار تتلألأ موروثاتهم شعشعانيّة في آفاق الإشراقات الإبداعيّة… و الهبات الإلهيّة للإنسان المخلوق العاقل، هي مُنح سماويّة مُحبّبة و غالية، و على من باركه و يباركه أو سيباركه بها الله، أن يحتضنها و يتمسّك بها و يُحافظ عليها، لتبقى خزينة شغاف القلب، تتموسق في سكرة دندناته و تنعم بحرارة دفئه، و تطمئنّ بذكر الله، بعيدًا من مزاجيّات النّفس الأمّارة بكلّ الأشياء من قلق و إضطّراب، لتتماهى سعادة و نشوة و لذّة و هناءة في مستقرّ رقادها، حيث ينسى الكاتب تعب يقظته في ضجعة رؤاه و هجعة سهاده، و هو يُبحر شوقًا في إمتدادات بحور الفنون الأدبيّة…
و أنا أمارس نشوة الإبحار تماوجًا إنسيابيّا، على وقع ما يتناهى لأسماع وعيي الباطنيّ و خزائن عرفاني الذّاتيّ، و أنا أقرأ و أتعمّق و أُحلّل و أعود على بدء ما أقرأ، من نماذج نثر فنّي و خواطر شاعريّة، عرفت الشّاعرة جاهدة نظير مشيك كيف تُصيغها و تنسج خيوط سيّلاتها و تُدبّج و تُزيّن و تُفهرس موضوعاتها و نصوصها… و هي من وجهة نظري، و على تنوّعاتها و ما عكسته من تجارب الشّاعرة، تبقى في أبعاد مكنوناتها مرصودة في إطار لغة الحبّ الأشفّ، تلك التي تُداعب أثيريّات المشاعر و شفافيّات الأحاسيس عند المتلقّي القاريء…
في تلك الفضاءات الخياليّة, عند الشّاعرة جاهدة نظير مشيك، تلك الموغلة في الإتّساع, هناك, على ذمّة القدر, كانت تبتدئ معها اللحظة اللامحدودة, التي تحمل السّر الدّفين في مطاوي أعماقها, سمة الإستمرار الفاعل في كنه الحياة… و أنا أستقريء ما تنطوي عليه الكلمات الحانيات، في “ديوان الأميرة” أستخلص أنّ الشّاعرة مشيك مسكونة بفنون الكتابة منذ فتوّتها، و أتحسّس لطافة و نعومة إنسياب كلماتها و خواطرها على صفحات كتابها، كما الأنسام الصّباحيّة مع حركة إشراقة الشّمس في بلاد بعلبك، و تتراءى لي ألوان خواطرها المتنوّعة، كما مشهديّات لوحات الشّفق عند شروق و غروب الشّمس في بقاع لبنان الشّماليّ… و هنا يكمن بيت القصيد، حيث لحركة المناخ النّفسي و قعها و ضروراتها في حياة الكاتبة الشّاعرة جاهدة نظير مشيك، و هذه الحركة السّيّاليّة لحزم الأشعّة الطّيفيّة دورها الأساسي في عمليّة تفجّر فعل الخلق و الإبداع عند الشّاعرة مشيك، بما يُسبغ عليها الإطمئنان النّفسي و الذّاتي إلى رؤى الغد الآت، لتحقيق المأمول و المرتجى…
من ذلك السّرّ المغمور في أعماق الشّاعرة جاهدة نظير مشيك, تنطلق الخيوط الفنّيّة الفضّية لكتاباتها, بعوامل إهتزازات أثيريّة, لتتولّد الأحاسيس الكتابيّة التّشكيليّة لديها, و تتكاثر المشاعر الفنّيّة, و تقترن ببعضها, فعل مودّة و رحمة, فتنهمر من السّحب الفكريّة اللامتناهية, معالم البوح الشّعري الفنّي, انهمار المطر فوق الأرض العطشى… فعل حبّ و عشق للإبداع عند الكاتبة الشّاعرة جاهدة نظير مشيك…
فالرّسم بالحروف و الكلمات و الخواطر و النّثائر و القصائد… الذي تمارسه الكاتبة الشّاعرة مشيك، هو مراس و تجارب عديدة أوصلتها إلى حركة فعل الإبداع الكتابي… ذلك هو السّرّ الذي أودعه الله في خيال و فكر و قلم الشّاعرة مشيك، هو أكبر من أن يعرّف بحروف أو كلمات أو أقوال أو قصائد أو خواطر أو نثائر, و أوسع من أن يحدّ بكتاب, أو إصدار أو مجموعة نصوص… أو حتّى بترجمة مادّية, أو يحصر بمشاعر شعريّة رقيقة… و نبقى عاجزين عن إيفاء هذا الفنّ الكتابي بمسحات جماله و نبضه العارم…
و لعلّ فعل حركة الإخلاص لنبضات العقل العاشق للكتابة الفنّيّة عند جاهدة نظير مشيك, يتجسّد في الدّخول إلى حنايا الأفكار الثّقافيّة التي تحملنا إلى الإبحار في شفافيّة الرّوح عندها, و التّحليق في طورها الشّعري و عذوبة سحرها النّقيّ, خارج حدود الزّمان, و أبعد من محدوديّة المكان, و من الصّعب إعطاء هذا الإبداع عند الشّاعرة مشيك حقّه من الجمال, و العذوبة, و التّسامي, و اللوعة, و الحقّ, و الخلق و الجنون الفنّي الشّعري… لأنّه هو الإبداع و هو الخلق و هو الجنون و هو الإبتكار المميّز… الذي أبدعته إبنة غربي بعلبك، المنطقة الآمنة المطمئنّة بناسها و سكّانها و أهلها و أرضها، المستقرّة حيث العنفوان سمة عظماء الأخلاق، هناك من وحي الكرم و العطاء و لطافة المناخ، جسّدت الشّاعرة مشيك، كلّ ما تشعر به من مشاعر و أحاسيس تلقائيّة شعريّة، تُصوّر حكايات و قصص عشقها و صبوتها، و ترسم الصّورة الإفتراضيّة للمعشوق الذي تُحاكيه، و كأنّي بها تتطلّع في البعد الآحر إلى فلسفة الحبّ الأقدس و العشق الأطهر عند شمس بعلبك، الطّغرائي جلال الدّين البعلبكي…
من هنا، من هذا المنطلق الفنّي الشّاعري الرّوحي، الإنساني… ينهمر الإبداع, و بانهماره تتجلّى لوحة الفن الكتابي في تشكيلات الكاتبة الشّاعرة جاهدة نظير مشيك واضحة المعالم, ترسم الوجه الآخر للحبّ و العشق, في حروفيات و كلمات و خواطر و نثائر و قصائد مميّزة, في منمنمات و مطرّزات, قطع و نصوص موسومة في تشكيلات و ألوان طيفيّة, تعكس حركة الإبداع عند الكاتبة الشّاعرة مشيك بكلّ شفافيّتها و عذوبتها و سحرها…
يرتسم البوح الشّعري عند الكاتبة الشّاعرة جاهدة نظير مشيك, فعل إنهمار الوحي من كنه البعد الآخر, مبتدئا من عمق الخيال, ماضيًا في تدفّقه, عبر موجات الأثير الفكري في حركة تأجّج, تشقّ طريقها في ثنايا الضّوء الفضّيّ للمعرفة, نحو حدود تلمّس الإشتياق من وحي الأحاسيس و المشاعر الإيمانيّة, وصولا حتّى مصبّ المشاعر في حنايا النّفس الملتزمة, لتحرّك خلجات الفؤاد, فإذا الحروف ومضات بارقة تتمازج لتؤلّف اللوحة الشّعريّة و النّثريّة, في رحلة تحوّل عبر مراحل الخلق و الإبداع, لتصنع العبارات الموسيقية بالرّؤى المتموّجة بين ذبذبات المحارف و الكلمات…
و هكذا حركة فعل الإبداع في نصوص الكاتبة الشّاعرة جاهدة نظير مشيك المتفاعلة في جوهر كتاباتها, تومض في أرجاء فضاءات الذّاكرة الإنسانيّة, تحرّض البوح الشّعري للجوهر المكنون في حروف و كلمات كلّ خاطرة و في تدفّق غزير, يندفع بقوّة السّحر, نحو ملامس الفراغ المطلق, عند حدود الإشتياق الأقصى, ليجتاح كلّ المظاهر المعلومة, حتّى تصل الوحدات الوامضة بالأسرار, إلى حنايا النّفس, و تذوب في شغاف القلب, فتحرّك الخلجات الهائمة, في مطاوي الفؤاد, لتولد القصيدة مميّزة, من رحم الأحاسيس الإبداعيّة, من رحم الحبّ عند الكاتبة مشيك…
فالفنّ التّشكيلي الشّعري عند الكاتبة الشّاعرة جاهدة نظير مشيك نبضات كونيّة, و خيوط فضيّة, و ذبذبات ماورائيّة موغلة في اللانهائي, مشدودة من نبض الفصول, مخضرّة الأوراق من تفتّح الزّهور, و تفتّق الورود, لترسم ماهية الحياة, سرّ الوجود في كتابات موشّاة باللينوفار المقدّس…