سمات عصرنة الحبّ فشل في بناء العلاقات الدّائمة بقلم:المهندس الدّكتور حسين أحمد سليم

سمات عصرنة الحبّ
فشل في بناء العلاقات الدّائمة

بقلم: المهندس الدّكتور حسين أحمد سليم

رئيس مجلس الإدارة و رئيس تحرير القسم العربي في الجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة

إذا تسلّط شيطان النّفس البشريّة, بسوء أخلاقه و شرور مناقبه, على رجل أو إمرأة, في رحاب متاهات, هذا العصر القاهر الفاجر العاهر الزّنيم… و تمثّل لهما هاديا للسّبيل الأقوم بالإعوجاج, و داعية لهما و واعظا, للإلتحاق بركب الإيمان عن طريق ممارسة الكفر و الإلحاد, و مرشدا لهما و موجّها, للإلتحاق بطوابير الحداثة و العصرنة, بمعزل لهما عن الإلتزام بتقوى النّفس في تنفيذ الأعمال…

و إذا زيّن شيطان النّفس الأمّارة بالسّوء, موسوسا للرّجل و المرأة, بما لم و لن و لا أنزل الله من سلطان, و جعل السّراب يتراءى لهما ماء زلالا في عبادة الأنا, بمعزل عن الإيمان و تقوى عبادة الله, و وصّف لهما, فعل الغرور بالإستكبار و التّعجرف, و حركة فعل المظالم, و إختلق لهما تسهيلا في إرتكاب المعاصي, ولوج المتاهات ضياعا في تعرّجاتها و إنكساراتها, و تسهيلا لهما بالشّعور الفارغ, بمتعة النّفس في الضّياع و الإنحراف عن الجادة الوسطى, و ترك الشّرور بلباس السّلام, تتربّص بهما عند كلّ أكمة و منعطف في المسارات, عندها يولد ما يُسمّى جزافا, متعة العيش في حياة, لم و لن و لا تطول بصاحبها…

فإذا إمتزج الدّهاء شيطنة بالإفتتان, و إذا إختلط الكيد وسوسة بالإغواء, و إذا النّفس طغت في أناها و إستكبارها, و إنحرفت في عبادتها و تقواها, شرعنت لها ما لا يتوافق و لا يتطابق و نواميس الله في الأرض… و هنا يُجيز المرء لنفسه, ذكرا كان أو أنثى, فعل كلّ ما يراها من زاويته, فيه مكسبا له, و إن كان على حساب حقوق الآخرين, لا فرق عنده, فالقاعدة الذّهبيّة في جمهوريّة مفاهيمه, تحقيق الغاية, تبرير لحركة فعل الوسيلة, و إن كان الأداء التّنفيذيّ, ليس بما شرّع الله, لبني الأرض في أديان السّماء, عبر الأنبياء و المرسلين, و الذين حملوا قوانين الحياة في كتب مقدّسة…

فالحبّ الذي أساء الكثير فهمه و وعيه و عرفانه و قداسته و طهارته, غدا في حضارة هذا العصر, حبّا من نوع آخر, و تعصرن أكثر من عصرنة هذا العصر, و تعولم أكثر من عولمة هذه العولمة, و سبق هذا الحبّ الذي نسعى في ركابه, هذا الزّمن بأزمان, و تجاوز حدود المفاهيم و مشاعر النّبالة الإنسانيّة, ليرود مساحات أخرى, منفلشة و ممتدّة لا حدود لها, يمكن وصفها و توصيفها, بكلّ ما تحمل عولمة حضارة العصر, من سمات الدّهاء و الكيد و الإغواء و الإفتتان… بحيث غدت القاعدة الذّهبيّة, المعمول بها, سمة الكثير من البشر في هذا القرن, فمن له, يُعطى و يُزاد, و من ليس له, الذي له, يُؤخذ منه…

هذا الحبّ, الذي نجتهد في ترجمته, بعيدا عن قداسته و طهارته, كلّ حسب منافعه الخاصّة, و ما تقتضي و تتطلّب مصالحه الشّخصيّة, و نسعى مستقتلين بأنفسنا, و نسقط شهداء الموقف المتزمّت, في الدّفاع عن مفهومنا للحبّ, و عن حركة إجتهادنا المميّزة و تفسيرنا للحبّ, و إن خطأ, فالغاية التي نروم تحقيقها من خلال الحُبِّ, تُجيز لنا تبرير فعل كلّ الوسائل في تحقيق ذلك الحبّ الذي نحاكيه و لا يُحاكينا… فكم يُظلمُ الحبُّ عنوة بنا, و كم نظلم أنفسنا عنوة كاذبة, على ذِمّة الحبِّ الذي يتراءى لنا أنّه فعلا, ذاك الحُبُّ الطّاهر المقدّسُ؟!…
أتساءل و بقوّة وتركيز؟!… لو كان أمراء الحبّ القدماء, كقيس و ليلى, عنترة و عبلة, روميو و جولييت, جميل و بثينة, و آخرون… لو كانوا من أهل هذا العصر المعولم بحضارته و ثورته في الشّؤون التّواصليّة؟! فهل كانوا عانوا ما عانوا, و تعذّبوا ما تعذّبوا, و تحرّقوا ما تحرّقوا, و تشوّقوا ما تشوّقوا, و وفّوا ما وفّوا, و أخلصوا ما أخلصوا؟!… و ماتوا شهداء الحبّ كما ماتوا و قضوا؟!… و بمتناولهم كلّ الوسائل العصريّة التّواصليّة, من هواتف رقميّة مزوّدة ببرمجيات تواصليّة حديثة, يرى و يسمع و يكتب و يُرسل أصحابها ما يشاؤون للآخرين, و بين أيديهم كلّ أنواع الحواسيب الرّقميّة, الموصولة عبر شبكات التّواصل العالمي لشبكة المعلومات الدّوليّة, المسمّاة بالأنترنت أو الشّبكة العنكبوتيّة, و المزوّدة بسيل جارف من البرمجيات التّواصليّة صوتا و صورة و كتابة مباشرة… و الأمثلة على ذلك كثيرة و لا تُعدُّ و لا تُحصى…

و هل كان حافظ العاشق على وفائه و إخلاصه لمعشوقته, أو كانت حافظت العاشقة على وفائها و إخلاصها لمعشوقها, فيما لو كانا في هذا العصر الحضاري المعولم, و الذي يقوم على عبادة و تقديس المادّة و المال على حساب الرّوح و النّفس و الأخلاق الكريمة؟!… سيّما مع وفرة البرمجيات الكثيرة و المتنوّعة, و المستخدمة من خلال الكثير من الأدوات التّواصليّة الحديثة, كالحواسيب و الهواتف… فهل كان يقتنع عنترة مثلا بما عُومل به و تعرّض له من أجل حبّه و عشقه عبلة و يبقى على وفائه و إخلاصه؟! و في متناول يده هاتفا حديثا و أو حاسبا حديثا و عصريّا, مزوّدا بالكثير من البرامج التّواصليّة, و متاحا له التّواصل مع من يُريد من عبلاوات هذا العصر؟!… و هل كانت عبلة تخضع لمثل ما عُوملت به ممّن حولها, و تبقى على وفائها و إخلاصها لعنترة, فيما لو كان بمتناولها هاتفا و أو حاسوبا حديثا, و مزوّدا بالبرمجيات التي توفّر لها سهولة التّواصل مع الكثير من عناترة هذا العصر؟!… الجواب طبعا يتراءى للجميع و يتجلّى, فيما يحصل من علاقات تواصليّة, ناجحة بداية و فاشلة لاحقا, عبر برمجيات الحواسيب و الهواتف, تدفع بمن غرّرت بهم البرمجيات الرّقميّة, و سهّلت لهم التّعارف الوهمي و التّواصل الأوهم, لبناء علاقات حبّ على أسس ضعيفة, تنهار مع أوّل هزّة أو هبّة ريح…

الحداثة في الحبّ, و التي ولدت من خلال الحداثة في ثورة الوسائل التّواصليّة الرّقميّة, و تطوّرت أبعد من تطوّرات برمجيات و وسائل التّواصل, و سبقتها بأشواط و أشواط, و تجاوزت في تطوّرها و تناسلها من رحم ذاتها… تلك الحداثة التي قلبت موازين الفنون الأدبيّة, و الفنون التّشكيليّة, و الفنون الأدائيّة, و غيرها, و دفعت بها نحو الحضيض, بدل الإرتقاء بها سموّا للعلا, تحت عنوان و سمة, حركات فعل الإجتهادات في تشكيل, مدارس و مذاهب و مسارات, كانت قيصريّة الولادة من جهة, و تشكو من قصور و ضعف في الشّموليّة, و التّركيز على أسس صلبة من جهة أخرى… فإبتعد مريدوها و المصفّقون لها إمّعة, عن الأصول و الثّوابت و الجذور, و إنحرفوا و هبطوا بمستوى إبداعاتهم إلى السّوقيّة… و هو ما أصاب الحبّ في هذا العصر, عندما لجأ المنتفعون من تحديث الحبّ, إلى الإجتهاد في تحديثه, خدمة لنزواتهم و مصالحهم و ميولهم و شخصانيّاتهم…

فهل ما زال الحبّ في هذا العصر, هو ذلك الحبّ المقدّس المطهّر, الذي تحرّق في لهيبه الأحباب الخُلّص الأوائل؟! و إستشهد لأجله العشّاق الأطهار في حبّهم؟! و قضى نحبهم لأجلهم الأوفياء لبعضهم البعض؟! و هل هو ذاك الحُبّ الذي حكى عنه الأدباء في إبداعاتهم و نصوصهم و خواطرهم؟! و قرض به الشّعراء قصائدهم و أشعارهم و غزليّاتهم؟! و روى عنه القاصّون في رواياتهم و حكاياتهم؟! و شكّله الفّنانون القدماء في رسوماتهم و مشهديّاتهم و لوحاتهم؟! و غنّى له المطربون في أراجيزهم و وصلاتهم الطّربيّة و الغنائيّة؟! و كتب عنه كلّ من شعر به شفيفا نظيفا خالصا؟! و كرّسه الّتاريخ فوق أوراقه و خلّده؟!…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *