التراث الفلسطيني بشتى أنواعه بقلم: الدّكتورة يسرى محمّد الرّفاعي
بداية لنقف على التعريف بالتراث أنه يتألف من مجموعة كبيرة وقيمة من الفنون القديمة والأثار العمرانية والثقافة الموروثة ومجموعة من التقاليد والعادات والسلوكيات التي يسلكها المجتمع ويؤمن بها .
التراث يشكل قاعدة أساسية صلبة وقوية للدولة والمجتمع القديم والمعاصر والحاضر ويحتل جزء كبير من غدنا ومستقبلنا المشرق الذي يصنعه جيل المستقبل فوجب أن يكون على أسس متينة وقوية ليدوم فترة طويلة ويخلده التاريخ على مر العصور..
فالتراث أصل للحضارة والرقي وهو ما خلفه أجدادنا وأسلافنا من أشياء محسوسة وملموسة وتركت أثرا ومعالم واضحة في الواقع والمكان الذي نعيش فيه، فكل دولة وجب أن يكون لها تاريخا وتراثا حافلا بالمعرفة والموروثات الثقافية والفنية التي تميزها عمن سواها من الشعوب والدول.. كما نعتبر العادات والتقاليد والثقافة الأدبية جزءا لا يتجزأ من التراث الخاص بتلك الدولة وحضارتها الممتدة عبر التاريخ ..فحضارة الدولة وتراثها كالشجرة المثمرة جذورها ممتدة في الأرض تعطيها الصلابة والقوة والثبوت في وجه كل حداثة تضر بها، أو تحاول إقتلاعها أو تغيير ملامحها وتفاصيلها الخاصة .
كما هو معروف عن تراثنا الفلسطيني وتاريخه الخالد والمتجذر في أرض الديانات ومهد الحضارات أنه وما زال منذ عصور يمثل المخزون التاريخي لشعبنا الفلسطيني الأبي فكان وما زال كبصمة الأصبع بالنسبة لشعبنا الفلسطيني ولا سيما المرأة الفلسطينية التي تهتم بهذا التراث الذي ورثته عن الأمهات والجدات بمعنى ورثته وتوارثته جيلا بعد جيل . فالتراث ضروري لآي شعب ودولة لآنه يحافظ على التنوع الثقافي ويمنع العولمة ويقف كالمصدات في وجه إنصهار هوية الشعوب ..
والتراث مهم جدا لآنه يعزز الحوار بين الثقافات المختلفة بين الشعوب في كل دولة والتراث بالذات تجده مليء ومتنوع بالمعرفة والمهارات مما يعزز الوحدة ويوقوي أواصر المواطنة ويشيع روح المشاركة والتعاون لوجود قواسم مشتركة كثيرة بين أبناء الشعب الواحد .. كما أن الحفاظ على التراث بشكل منطقي وعلمي يعمل على دفع الدولة والمجتمع إلى تطوير نفسه وبناء مجتمعات متعددة متكاملة الجوانب لتحقق الفائدة المرجوة فالثقافة الغنية والمستمدة من ثوابت قوية وراسخة من ماضي الأجداد وفكرالحاضر والمستقبل كفكر الأباء والأحفاد ..
تراثنا الفلسطيني يمثل هوية ثابتة لشعبنا الصلب القوي الإرادة والتي جذوره ضاربة في عمق التاريخ والحضارة راسخة ممتدة كجذر الزيتون في عيون بني صهيون المحتل والغاصب لكل شبر من أرض الديانات ومهد الحضارات ومسرى النبي الأمي .. إنه تراث عريق جميل له ألوانه وزخارفة التي تبهج العين والقلب فهذا اللون من التراث يزخر بالعديد من الأثواب المطرزة والمنسوجة بأنامل من حرير وممزوجة بشتى المأسي والأفراح وتحمل خصوصية كبيرة لكل قرية من القرى الفلسطينية والعادات والتقاليد والأمثال الشعبية المتداولة على مر السنين لدرجة أن الثوب الفلسطيني يميز صاحبته من أي الأسر والعوائل في القرية وهل هي من الأسر الميسورة الحال أم من الأسر الفقيرة والمتوسطة الحال وكله حسب ما تحيك به ثوبها هل هو من الخيوط الباهظة الثمن أو من الرخيصة الثمن وحسب ما تضعة من زخارف ونقوش وألوان على ثوبها وهل قماش الثوب من الأنواع الثقيلة الباهظة الثمن أم من الأقمشة الخفيفة الرخيصة . كما أن الثوب يميز المرأة إن كانت فاقدة لزوجها (أرملة ) أم ما زالت على ذمة زوجها أم عزباء في بيت أهلها .. وهناك أيضا تراث الحرف اليدوية المصنوعة بأيدي المهرة من رجالات وشباب فلسطين الحرة الآبية .
وما هو لافت للعيان أن أهمية التراث الفلسطيني والحرف اليدوية التقليدية لم تعد تقتصر على أهل فلسطين على أرضها المقدسة بل تعدت أهمية هذا التراث الحضاري القديم الحديث حدود قارات العالم. بات يطلب شراء وإقتناء هذا التراث الراقي من قبل بعض الشعوب العربية والأجنبية وذلك يعود لأسباب ليس للفلسطيني يدا فيها بسبب تهجيره عن أرضه قصرا وبعثرته في كل أنحاء العالم .. ولكن إصرار الفلسطيني على الآحتفاظ بهويته وتراثة فحمل في حقائبة ما يخصه من تراث شخصي ولو بسيط وأرتدائه في المناسبات الوطنية الخاصة بفلسطين في تلك الدول مما ساعد على التعريف بهويتنا وانتشار تراثنا الفلسطيني الخاص في شتى بقاع وأصقاع المعمورة ..
وكان من الصعب على كل فلسطيني هجر وطرد خارج وطنه فلسطين أن يحمل تراثه وعراقته كاملة في حقائب سفره إلى بلاد الغربة . على أمل العودة القريبة إلى وطنه ويتابع مسيرته في حفظ ونسج تراثه كما يحلوا له ..
فكان لا بد في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني المهجر من المحافظة على تراثه وهويته التي يعتز بها بين الشعوب العربية والأسلامية والغربية .. فحرصوا حرصا شديدا على حماية تراثهم من الضياع والسرقات والتهويد .. فحافظوا عليه بنشره على نطاق واسع في قارات العالم الغربي والوطن العربي وكل مكان حطت فيه رحال الفلسطيني .
حتى بات التراث الفلسطيني وخاصة الأثواب الفلسطينية التي تتزين بها المرأة الفلسطينية في معظم المناسبات الشعبية والأعراس والحفلات الوطنية وغيره باتت أشهر من نار على علم .. وما ينطبق على الأثواب ينطبق على المشغولات اليدوية التي تتقنها المرأة الفلسطينية وتستخدمها لتزين بها بيتها من شراشف ومخدات ومعلقات للجدار والصالونات بالإضافة لأستخدام القطع المطرزة بألوان جذابة لآدوات المطبخ المطرزة بفن وإتقان .
بالإضافة لما يتقنه الرجل الفلسطيني من حرف يدوية وخزف وفنون تشكيلية وإكسسوارات يعتز بها فيها لمسات فلسطينية خاصة تثبت الهوية الفلسطينية في كل مكان تجد فيه الأنفاس الفلسطينية حاضرة قديما وحديثا ..
ولا يخفى على أحد أن الأحتلال الصهيوني يحاول سرقة التراث الفلسطيني وتهويده كما هود معظم أرضي القدس حين طرد أهلها الأصليين منها ومنحها للهيود وهدم بعض المعالم التي تثبت الهوية الفلسطينية على مر التاريخ وطمس بعض المعالم وتغيير ملامحها الإسلامية العربية الفلسطينية ..
فبات الواجب الملقى على عاتق الشعب الفلسطيني ثقيل جدا وفي تحدي دائم مع جبروت وهمجية الأحتلال. ليثبت ويحافظ على هوية التراث الفلسطيني لمعرفته التامة أن التراث الفلسطيني تراث أجداده جزء مهم من تاريخه وكيانه وأرضه وحضارته مدون في سجلات الزمن أنه تاريخ عريق لشعب عريق على مدى عقود وعصور ..
فحماية هذا التراث العريق من الإندثار يعتبر إمتحانا صعبا وتحديا كبيرا عظيما يقع على عاتق الشعب الفلسطيني أمام الأحتلال الغاشم الذي حاول كثيرا ومرات عديدة طمس معالم هذا التراث وتزويير وجوده وتحريف تاريخه ونسبه للصهاينة اليهود.. فهذا ليس له تفسير سوى طمس ولو جزء بسيط من معالم القضية الفلسطينية الكبرى على أرض الواقع .. وهذه اللآعيب الخبيثة للصهاينة لا تخفى على الشعب الفلسطيني الواعي لآبعاد قضيته وما يفعله الصهاينة للقضاء على القضية الفسطينية برمتها وبترها من جذورها .. مرات كثيرة وعديدة أثبت الشعب الفلسطيني بوقوفه في وجه الهمجية الصهيونية أن هذا التغيير والتزوير والسرقات لتراثنا الذي تسعى إليه من خلف التراث الفلسطيني ونسبه لها ما زاد شعبنا إلا إصرارا على إثبات هويتنا وإرادتنا وصمودنا في وجه التتار والحفاظ على إحيائه قدر المستطاع وأظهاره في كل المحافل الفلسطينية .. وتعريف الأجيال الجديدة على قيمة تراثنا وأعتزازنا بهويتنا وحضارتنا وتراثنا الذي يسعى دائما اليهود إلى تغير ملامحه عبر تاريخهم المزور وما هي ألآ عملية فاشلة لن تقدرمن خلالها على تزوير تراث شعب عريق جذورة ضاربة في عمق التاريخ .. ..
كما هو واجب على شعبنا الصامد في الوطن وأرض الشتات المحافظة على العادات والتقاليد والأمثال الشعبية المتداولة وما هو معروف بالغذاء التقليدي والأكلات الشعبية منذ الآ ف السنين داخل الوطن وخارجة والمحافظة على كل مكونات تراثنا العريق ..
كما هو واجب الجميع تعريف العالم حولنا بهذا التراث ونشر ثقافته وكل ما يتعلق به من خلال إقامة منصات التثقيف والمهرجانات والمعارض الدولية في الوطن العربي والغربي والوقوف على كل تفاصيل وملامح تراثنا لحفظه من الإندثار والضياع ..
بات لا يخفى على أي من الشعوب العربية بعد التعريف به أن تراثنا هويتنا عميق الأثر وزاخر مليئ بالرقي والجمال الأخاذ مدعاة للفخر والإعتزاز. إنه شاهد قوي على مدى عراقة ورقي شعبنا الفلسطيني المعروف بالآرادة والإصرار والثبات على تحرير وطنه المغتصب المحتل من قبل بني صهيوني الهمجي .. وتمسكه بعاداته وقيمه وأخلاقه ومبادئه وتقاليده ولغته ودينه وأسلوب حياته وتعامله مع من حوله من الشعوب ..
ولكن في النهاية تقع مسؤولية وحماية التراث على كاهل الدولة والمواطن الفلسطيني معا وليس على واحد دون الأخر .. ولكن وجب على الدولة أن تتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية لآنها تملك أكثر من المواطن قدرات وامكانيات ، ومن الواجب أن تضع في عين الإعتبار خطة متكاملة وبرامج لحماية التراث بكل أنواعه ومواجهة كافة الأخطار بشكل علمي وفني حديث ومتطور .. ليفيدوا البشرية جمعاء بهذا التراث والتطور والتنوع من الفن والأبداع ..
الشاعرة و الأديبة و الفنانة التشكيلية
د. يسرى محمد الرفاعي
سوسنة بنت المهجر
…