أوكرانيا ما بين الجيوسياسية والأمن الغذائي

هناك ستة دول تتقاسم البحر الأسود لذا دعونا أن نستعرض معكم ما هي .

إنها أوكرانيا وجورجيا وروسيا ورومانيا وبلغاريا والجدير بالذكر أن الدولتين الأخيرتين رومانيا وبلغاريا هما عضوان في حلف الناتو وبالإضافة إلى تركيا والتي هي أيضاً عضواً في حلف الناتو التي تحده من الجنوب ومن المعروف تاريخياً أن الصراع بين روسيا وتركيا هو على ممران في البحر الاسود وعلى منافذه وبفضل الدعم الغربي ضد الإتحاد السوفياتي سيطرت تركيا وحدها على مضيقي البوسفور والدردنيل اللذان يُعتبران منفذي البحر الأسود بموجب إتفاقية مونتروا عام1936.
وبالعودة إلى روسيا والتي زادت رغبتها في تأكيد سيطرتها على البحر الذي يُشكل أساساً قوياً لأمنها القومي بعد إنضمام ثلاثة من أصل ستة دول مُشاطئة للبحر الأسود إلى حلف الناتو فدخلت حرباً مع جورجيا عام 2008 وانتهت بإعتراف موسكو بجمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الإنفصاليتين المواليتين لها، لكن لم تتوقف موسكو عند هذا الحد وبإعترافها الجمهوريتين الإنفصاليتين في جورجيا وربما لم يُشعرها بالآمان الكافي لضمان أمنها القومي وذلك في عام 2014 عندها ضمت موسكو شبه جزيرة القرم إليها وذلك بخطوة لم تحظى بإعتراف دولي إلا أن ذلك لا يُزعج موسكو كثيراً.
ترى… لماذا أوكرانيا لها الأهمية عند روسيا…؟
كان نفوذ موسكو السياسي يتضائل في أوكرانيا وعززت الدول الأوروبية وكييف التعاون الأمني مع خصوم موسكو من الأمريكيين والأوروبيين…
حيث حولت واشنطن مواردها وإهتمامها للمنافسة مع الصين وربما أقتنع بوتين بأن أوكرانيا أصبحت ذات أهمية هامشية بالنسبة لأمريكا.
هنا بدأ إرتفاع النفوذ الروسي بسبب إرتفاع أسعار النفط والغاز ونقص إمدادات الطاقة وخاصة أن ثروات أوكرانيا هائلة…
بتاريخ 21 فبراير إعترف الرئيس الروسي بإستقلال منطقتين في شرق أوكرانيا هم دونيتسك ولوهانسك وبعدها بيومين أصدر أوامره بإقتحام أوكرانيا .
لوهانسك ودونيسك المعروفتين بإقليم دونباس على مشارف دونباس يوجد لافتات مكتوب عليها دونباس قلب أوكرانيا وهذا التشبيه صحيح من الناحية الإقتصادية…
مثلاً: حقل الفحم الموجود هناك الذي يمتد عبر الشرق للحدود الروسية هو رابع أكبر حقل فحم في أوروبا ولديه إحتياطات مُقدرة بأكثر من 10 مليار طناً…
رغم أن المنطقة المحيطة في مدينة دونيتسك تُمثل خمسة بالمئة من الأراضي الأوكرانية ويسكنها 10 بالمئة من السكان فقط إلا أن إنتاجها يمثل 20 بالمئة من الناتج المحلي الأوكراني وحوالي ربع الصادرات الأوكرانية من منتجات التصدير التي يتم إنتاجها في مدن شرق أوكرانيا التي تُعتبر مصدر مهم جداً من الدخل للحكومة الأوكرانية…
أما بالنسبة لروسيا هذه المنطقة في شرق أوكرانيا مهمة جداً لأن معظم الشركات المتواجدة فيها توفر مواد خام ومنتجات مهمة للروس وبالأخص للصناعات الحيوية والحساسة جداً مثل صناعات الفضاء والدفاع…
وكما أن هناك 13 نوع من الصواريخ البالستية الروسية العابرة للقارات بالإضافة لقطع الغيار والصيانة الخاصة بها وكل تلك المواد تأتي من مصدرها في مدينة دنيبروا في شرق أوكرانيا
في إقليم دونباس ويتم إنتاج الفولاذ الخاص لصناعة دبابات الجيش الروسي الذي يمتلك أكبر عدد دبابات في العالم وأكثر من ضعف دبابات الجيش الأمريكي والصيني معاً…
وإن معظم طائرات الجيش الروسي من نوع هيليكوبتر المقاتلة الروسية تُحلق بمحركات تأتي من مدينة زاباروجيا الواقعة في جنوب شرق أوكرانيا…
وأوكرانيا بشكل عام هي دولة غنية جداً بالموارد والإمكانيات التي يحتاجها أي إقتصاد في العالم ورغم أن الصراع على أوكرانيا بين روسيا والغرب وأمريكا هو صراع إستراتيجي وجيوسياسي في المقام الأول لكنه أيضاً صراع إقتصادي وموارد ضخمة تتمتع بها أوكرانيا بوفرة هائلة…
ومنها…
موارد طبيعية في مجال الطاقة مثل النفط والغاز ولكنها موارد وإحتياطات غير مُكتشفة وغير مُستغلة إلى يومنا هذا…
وأوكرانيا تمتلك ثاني أكبر إحتياطات غاز معروف في أوروبا وذلك إعتباراً من أواخر عام 2019 حيث تخطت الإحتياطات الأوكرانية المُعلن عنها 1,09 ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي وهذا يمنحها المرتبة الثانية بعد الإحتياطات النرويجية التي وصلت إلى 1,53 ترليون متر مكعب وكما ذكرنا أن تلك الإحتياطات غير مُستغلة حتى يومنا هذا  لأسباب إقتصادية وسياسية والدليل على ذلك رغم الذي تملكه أوكرانيا إلا أنها تستورد الغاز لأسباب رئيسية تاريخية هو أن الإتحاد السوفياتي بدأ في إستخراج الغاز على نطاق واسع في سيبيريا في عام 1970 ونقل جزء كبير من عمليات التنقيب عن الغاز وإنتاجه إلى روسيا…
وتعتبر أوكرانيا اللاعب للرئيسي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا…
وروسيا تُصدر حوالي 40% من إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا وشبكة نقل الغاز الاوكرانية جي تي أس أو تنقل 50% من الغاز الروسي بالمقابل تحصل على رسوم العبور بما يُقارب 7 مليار دولار من غاز بروم الروسية ويُمثل هذا الرقم أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا والذي وصل العام الماضي إلى 65 مليار دولار أمريكي إضافة لذلك إن أوكرانيا تملك معادن مثل الحديد والذي يُعتبر من الصادرات الرئيسية لها وفقاً لإحصائيات الجمارك الأوكرانية في العام 2021 حيث صَدرت شركات الحديد الصلب أكثر من 44 مليون طن من خام الحديد بعائدات وصلت إلى 7 مليار دولار أمريكي وحوالي 5% من الناتج المحلي…
وأوكرانيا لديها كميات ضخمة من المعادن المهمة وهي من أثمن المعادن على كوكب الأرض هما الليثيوم والتيتانيوم…
بالنسبة إلى الليثيوم تتركز حقوله في كيروفوهراد ودونيسك وزاباروجيا….
الليثيوم يدخل بعدد كبير من الصناعات التقنية منها بطاريات الهواتف المحمولة الحديثة وصولاً إلى بطاريات السيارات الكهربائية والتي يحتل الليثيوم المكون الرئيسي لها…
ووفقاً للتقديرات هناك حوالي 20% من الاحتياطات العالمية المؤكدة من خامات التيتانيوم في أوكرانيا…
والعام الماضي كانت الصين هي المستورد الأكبر  لسبائك التيتانيوم الحديدية الأوكرانية بحوالي 25% وروسيا بالمرتبة الثانية بحوالي 15% ثم تركيا بحوالي 14%…
والتيتانيوم هو معدن خفيف وقوي جداً ومقاوم للتآكل في أشد الظروف البيئية ويمكن سبكه مع معادن أُخرى مثل الحديد والألمينيوم وغيرهم…
وسبائك التيتانيوم تدخل في الصناعات الحساسة مثل صناعات الطائرات والفضاء ولأجل ذلك صرحت شركة بوينغ العملاقة في صناعات الطائرات بأن التوترات في أوكرانيا ستخلق مناخ مُعادي لأعمالها مما يؤدي لإعاقة صناعة الطيران والطائرات بشكل عام…
أما بالنسبة لإمكانيات أوكرانيا في الأمن الغذائي العالمي ولماذا هي من أهم الدول المُصدرة الرئيسية للقمح والذرة…

إن أهم صادرات أوكرانيا وروسيا للعالم الكثير من المنتوجات التي يحتاجها الجميع…
وهنا يطرح السؤال ماذا سيحدث لو سيطرت روسيا على أوكرانيا…؟
وإذا أصبح جميع الموانئ الثلاثة عشرة على البحر الأسود والتي تقع على الساحل الجنوبي كانت نقطة عبور بين ال 150 إلى 200 مليون طن من البضائع في العام 2021 وفقاً لدراسة كييف الإقتصادية وهنا يمثل هذا الرقم 60% من الصادرات الأوكرانية و 50% من الواردات للخزينة الأوكرانية وهذا الأمر غير متوفر حالياً خلال فترة الحرب…
ووفقاً للبيانات الدولية تُصدر روسيا وأوكرانيا 29% من صادرات القمح إلى العالم وإن إجمالي صادرات القمح عالمياً سنة 2012 وصل إلى 244,4 مليون طن وأوكرانيا تُصدر 24,4 مليون طن وروسيا 35 مليون طن وباقي دول العالم تصدر 145,2 مليون طن…

وإن إرتفاع أسعار القمح قد تخطت سعر البوشل 11 دولار والبوشل هي وحدة قياس وزن السلع الأساسية الجافة ومعظمها منتجات زراعية مثل القمح والشعير والفول والصويا والذرة وغيرها من الحبوب…
مثلاً: بوشل القمح يساوي 27,2 كيلو غرام…
إن مناطق زراعة القمح في أوكرانيا تقع شرق أوكرانيا وجنوب أوكرانيا وهي قريبة من مناطق السيطرة الروسية أو مناطق الجبهات والمواجهة…
مثل خاركوف التي تحادي روسيا والمناطق الإنفصالية مثل لوهانسك ودونيسك وهي أكبر المناطق في إنتاج القمح الأوكراني وكونها مناطق غير مُستقرة حالياً لها تأثير كبير على تراجع معدلات إنتاج القمح الأوكراني…
وأوكرانيا تعتبر من الدول الرئيسية في تصدير الحبوب للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحوالي 40% من صادرات الحبوب سنوياً للشرق الأوسط…
وتعتبر دولة مصر العربية هي أكبر مستورد للحبوب حتى عام 2020 حيث  وصل إستيرادها إلى 13 مليون طن  مقابل 3,2 مليار دولار ما يعادل 30% من أوكرانيا و 50% من روسيا…
وعند إقفال الموانئ الأوكرانية والروسية عبر البحر الأسود والذي يُعتبر بوابة المرور للمستوردين عبر البحر مما يشكل من توفير في الشحن للقوافل في المسافات والكلفة لصادرات الحبوب والذي أدى إغلاقها لإرتفاع جنوني في أسعار الحبوب وهنا أصبح المستورد مضطراً لدفع تكاليف أعلى للشحن من أجل إستيرادها من أمريكا وأوستراليا…
إن دور أوكرانيا في الأمن الغذائي يمتد على المحاصيل الغذائية الأخرى مثال الذرة وفقاً لوزارة الزراعة الأوكرانية حيث تتوقع أن الصادرات الأوكرانية من الذرة تصل إلى 31 مليون طنا وما يمثل حوالي 16% من  صادرات الذرة عالمياً وأيضا تعتبر مصدر رئيسي للشعير حيث تُصدر حوالي 5,3 مليون طنا من الشعير مما يمثل 18% من صادرات الشعير للعالم…
وأوكرانيا تعتبر السلة الغذائية العالمية إضافة إلى ما ذكرناه من
البذور الزيتية وخاصة إنها دولة مهمة في أسواق الزيوت الزيتية…

وهناك دراسة مؤكدة تشير الى ان  صادرات اوكرانيا من زيت عباد الشمس للعالم تمثل ما يقارب ال 50% وتعتبر هي المُصدر رقم ثلاثة عالمياً لبذور اللفت وتستحوذ على 19% من صادراته وسوق الزيوت سيشهد عالمياً إرتفاعاً كبيراً في الأسعار وذلك بسبب الحرب…
وهناك شيء آخر سيتسبب بكوارث إقتصادية في الدول المستوردة لكل من النفط والغاز وهذا وضحته مذكرة هيلما كروفت رئيسة إستراتيجية السلع وهي عملاقة في الخدمات المالية لكندا تؤكد أنه لو توقفت الإمدادات الروسية من النفط والغاز وإن تم تطبيق العقوبات على روسيا سنتوقع حينها بإرتفاع أسعار النفط والتي ستتخطى 180 دولار للبرميل الواحد والغاز سيتخطى 260 دولاراً لكل ميغاوات بالساعة…
ترى…

هل ما ذكرناه سيغير شكل العالم في أسعار المنتجات والمشتقات النفطية والتي ستؤثر أيضاً على صناعات الأسمدة والغذاء…؟

وهل سنشهد نظاماً مالياً للصناعات الجديدة أو أننا سنشهد المزيد من التوتر والفقر والمجاعة…!!
كل هذا سيبقى مسؤولية الوعي السياسي في دول القرار حتى نرى كوكب الأرض يعيش الناس فيه بالمحبة والسلام.

عضو إتحاد الصحفيين الدوليين
عضو نقابة الصحافة البولندية
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية.
خالد زين الدين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *