الفكر الإقطاعي متجذر والحل “يبعت الله ” بقلم مازن مجوز
“الحكم الصالح يجعل العضلات في خدمة العقول … والحكم الفاسد يخضع العقول للبطون وما دون البطون ” وإذا كان من الصعب في عالم السياسة أن تعثر على سياسي يقول الحقيقة فكيف هو الحال مع سياسيي لبنان وقياداتهم في أعلى الهرم؟ ، ليس محاكاة للواقع الحالي وحسب بل محاكاة لسلوكهم الذي إشتهروا فيه منذ ما قبل الإستقلال عام 1943 ، آنذاك إتحد المسيحيون والمسلمين اللبنانيون معا في ما عرف بالميثاق الوطني اللبناني وأعلنوا استقلال لبنان تحت اسم الجمهورية اللبنانية.
ربما إتاد اللبنانيون على مر السنين أن يقوم غيرهم بوضع حل لمشاكلهم العالقة لا سيما السياسية منها، هذا الأمر ليس بجديد عليهم والتجارب التي تحدثنا عن ذلك كثيرة، عن العجز والوهن وقلة الحيلة عن إبتكار تلك الحلول، وربما لم يطلع الرئيس الفرنسي الشاب مانويل ماكرون، الواصل إلى رئاسة فرنسا من مؤسسة روتشيلد على تاريخ فرنسا بعمق. وعما إذا سأل مندوبيه الساميون عن ” ذهنية ” سياسيي لبنان في زمن الإستعمار الفرنسي الذي يُلطف من حدته بعبارة ” الإنتداب “، ولو فعل ذلك لكان أدرك أن هؤلاء السياسيين لم يتغيروا كثيرا.
والأمر لا يتوقف هنا، لأن الطبقة السياسية التي عايشناها منذ إتفاق الطائف عام 1989 ومنذ إنتهاء الحرب الأهلية 1992 لم تتغير، ولم تحمل ذهنية جديدة وإن كانت هذه الطبقة بحلة جديدة وبأسماء جديدة ، بل كانت إمتدادا أكثر وضوحا وشغفا بالفساد من الإطاع السياسي القديم،إنما بأساليب مستحدثة إنتهجها ملوك الطوائف تحت شعارات لعل أبرزها ” لبنان سيد حر مستقل “.
إن المقاربة التي أوصلتنا إلى أن هذا الشعار تؤكد أن التمسك به متجذر في الفكر الإقطاعي لسياسيي لبنان، بدليل ما يقوله الجنرال الفرنسي ( هنري فيرناند دينتز ) في مذكراته ، وهو آخر مفوض سامي فرنسي على لبنان في عام 1942 :
( لقد كنت امثّل حكومة فيشي في لبنان ، وكنت على تواصل مع المخابرات الألمانية، ولكنني في السرّ كنت أخدم تحت قيادة ديغول، من أجل ان أحرر فرنسا من الإحتلال الألماني ، ولكن ما كان يذهلني هو الطبقة السياسية في لبنان ، حيث كانوا يتوافدون الى مكتبي لإعلان الوفاء والتأييد لحكومة فيشي وللألمان، وكانت تقاريرهم تصل الى مكتبي، ومجملها يركز على اتهام بعضهم بالعمالة لبريطانيا وديغول، وبالمقابل عندما كان يأتيني البريد السري من ديغول، أتفاجأ أن نفس الأشخاص يراسلون ديغول لإعلان الولاء والوفاء لفرنسا الحرة ولديغول، ويتهمون بعضهم بالخيانة والتبعية لحكومة فيشي …!
لقد كانوا يستلمون المال من الجميع ، ويبيعون كل شيء ، وعندما نسألهم عن مطالبهم يكون جوابهم نريد لبنان سيداً حراً مستقلاً !
وهنا أسال نفسي : إذا رحلنا عنهم ، فلمن سوف يبيعون بضاعتهم لكي يقبضوا ..؟ )
ما يدعو للغرابة والتعجب هو تلك القدرة التي لا يزال يتمتع بها ملوك الطوائف في لبنان، حتى باتوا عابرون لكل الأنظمة والأزمنة والعهود، يتمتعون بقدرات فائقة على الفوز والإستمراية؛ لكن العيب – في الحقيقة – يكمن في النظام السياسي والإجتماعي الذي لا يزال قائما والذي يسمح لهم بالفوز، والبقاء في السلطات الثلاث وليس في واحدة دن دون الأخرى .
من لم يسمع مرارا وتكرارا هذا الوزير أو ذاك ، هذا النائب أو ذاك يصرح وينتقد الفساد وكأنه ملاك بأجنحة ؟ حلول عبقرية ومخارج عميقة للمشكلات فيما هو ” يتمركز ” في موقع المسؤولية من دون أي مبادرة فعلية، لا بل يقف مكتوف الأيدي، ليتبين أن الكثير من هؤلاء المسؤولين متورط في ما ينتقده أكان فسادا أو سرقة والرشوة والمحسوبية والوساطة بعد مغادرة منصبه، دون أن نشهد محاكمة عادلة وشفافة في ملف واحد من تلك الملفات تكشف خيوط هذا الملف أو ذاك أمام الرأي العام …
ومن هنا فإن كل حديث عن محاربة الفساد والملفات المرتبطة به من قبل أهل السلطة لا يخرج عن إطار الإستهلاك السياسي، لأن الحل في مكان آخر، هو في إقرار قوانين مكافحة الفساد والعمل بها وليس لمجرد التباهي بإنجازها أمام الشعب اللبناني وأمام الدول التي تطالبنا بذلك.
في النهاية الرادع الداخلي هو الأساس، وهو الأساس الذي تفتقده الطبقة السياسية لدينا إذ لا يمكنك أن تنهى عن خلق وتأتي بمثله، وحتى هذا ربما لا يكون كافيا للقضاء على حزب ” فسادو قراط “وصديقه ” نفاقو قراط ” لأن الفاسدين والمنافقين هم الأكثر قدرة أحيانا على انتقاد الفساد والدعوة للتطهير.
الدكتور مازن مجوّز اعلامي وباحث
الدكتور مازن مجوّز، لبناني، مدير تحرير الملف الاستراتيجي، باحث متخصص بشؤون الاقتصاد البيئي والادارة. يعمل في الإعلام المتلفز منذ ٢٠٠٥ ناشر ورئيس تحرير موقع بيروت يا بيروت. وكاتب في مجلة البيان وصحيفة نداء الوطن وفي العديد من المواقع التحليلية الالكترونية منها أسواق العرب، ملفات مصرفية والملف الاستراتيجي.
Last Update: Saturday, 30 January 2021 KSA 21:25 – GMT 18:25