الغذاء سِلاحنا

إذا ضربَ الجفافُ أرضنا فسنزرعُ في أرضِي غيرنا وإذا وصل إلينا التغيرُ المنَاخي ،فلدينا الكثيرُ من الأراضي حول العالم .

الصينُ تتحدى الجميع وتطلقُ العنانَ بمشاريعِها وهي ليست موانئَ أو إستثمارات تجارية ولا حتى ديونٌ تهددُ بها الدول بل هي مساحاتٌ شاسعةٌ وضعتها الصين لحالات الطوارئ ، إذا جاعَ العالم فسيجد الصينيون غذائهم منها .
أوكرانيا ، فرنسا، وفيتنام هي من المناطق المستهدفة .

وما هو تصورك إذا أخبرتُك بأن الصين تملك ُ ٥ % بالمئة من الأراضي الخِصبة الأوكرانية .
العالمُ يتغير والصينُ لا تُغفلُ شيئاً .

هيا لنخبرك ُ عن خطة بكين المجنونة .

وفقاً للترتيبات العالمية فإن أوكرانيا تُعتبرُ ٨ ، ثامنةٌ أكثر دولةٍ تملك أراضىٍ صالحةٍ للزراعة بمساحة تفوق ٣٢٥ ألف كيلو مترٍ مُربع ، مع العلمِ أنها واحدةٌ من أكثر الأراضي خصوبةً في العالم ، خصوصاً لزراعةِ القمحِ والشعير ِ والذي يُعدُ الأكثر إستهلاكاً من قبل البشرية والصينُ لم تُغفل. تلك النقطةَ أبداً ، فإتجهت سريعاً للأراضي الأكثرِ خصوبة لتستثمرَ فيها وتُثبتَ نفوذها أيضاً .

ما هي قصة الأمن الغذائي الذي يُهدد العالم اليوم ؟
ولماذا تتخوف منه الكثيرُ من الدول ؟
مع بداية الحربِ الروسية الأوكرانيّة نَبهَت العديدُ من الصُحفِ العالمية من جوعٍ عالمي ومن إرتفاعٍ هائلٍ بأسعار المواد الغذائية ِ وكما ذَكرتَ بأزمة فايروس كورونا التي ضربَت بقوةِ سلاسلَ التوريد وتسببت بإنقطاعٍ للمواد الغذائية والبضائعِ عن بعضِ الدول وذلك بسبب الطلبِ الكثيف الذي سُجلَ حينها .

أزماتٌ متتاليةٌ جعلَت جميعَ الدول تُفكرُ بالحلِ الأنسب ، فبعيداً عن المشاكل ِ والصراعات الحالية يُوجد في العالمِ أزمةُ التغير المناخي والتي تضرِبُ مختلفَ أنحاء الكوكبِ وتُسبب بشكلٍ مُتزايدٍ بمنعِ الزراعات في بعض المناطق ، بسبب الجفافُ الذي يضرِبُ تلك الأراضي ، كما يحدثُ في العراقِ وسوريا على سبيل المثال ، ما يعني أن بعض الدولِ ستُصبحُ قريباً مُجبرةً على إستيرادِ غذائِها من الخارج أو حتى إستئجارِ أراضىٍ خارجَ حدودها الجغرافية بهدفِ تأمين الغذاء وذلك ما تبحثُ عنه الصينُ اليوم .

الحربُ الأوكرانية كشَفت الكثيرَ من الخفايا وتحديداً حولَ بكين الطامحةِ بقيادةِ العالم ، فبعيداً عن موقِفها الداعمِ لروسيا في الحرب ونفوذِها الذي تتعاونُ فيه معَ موسكو لمواجهةِ واشنطن ، كُشفُ ما يُمكن وصفه بالأكثرِ غرابة.

الصينُ إشترت أراضٍ صالحةٍ للزراعة في أوكرانيا ، مقالٌ لصحيفة Wall Street Journal كشفَ عن خُطة الصين التي لم تَتحدث عَنها وسائِلُ الإعلامِ كثيراً والتي تستهدِفُ بشكل ٍ رئيسي ، إستحواذ بكين على عقودٍ طويلةِ الأمد لأراضىٍ زراعيةٍ حولَ العالم ، بهدفِ زراعتها لاحقاً والإستفادة منها في حالِ تضررت أراضيها.
ففي أوكرانيا لوحدِها إشترت بكين ١٠ % بالمئة من الأراضي الزراعية الخِصبة وذلك في عام ٢٠١٣ ، من خلالِ عقد إيجارٍ لمدة ٥٠ عاماً وتُشير الأرقامُ إلى أن بكينَ إشترت منذ العام ٢٠١١ ما يقرُب أل ٧ ملايين هيكتار من الأراضي الزراعية حول العالم .

فهل هذا كل شيءٍ بالنسبة للصين ؟

بالطبع لا والخطةُ أكبرُ من ذلك بكثير ، تُعتبر الصين دولة بكثافة سكانيةٍ عالية للغاية إذ يصلُ عدد سكانها إلى ١،٤١٤ مليار نسمة ، ٤٠٠ مليون نسمة منهم ينتمونَ للطبقة المتوسطة وبطبيعةِ الحال فإن ذلك العددَ الضخم يحتاجُ كمياتٍ هائلة من الطعام يومياً وفي ذات الوقت تُعاني أراضيها الصالحةُ للزراعة من العديد من المشاكل نتيجةً للتصحر والفيضانات بالإضافة للهجرة الشبابية من الريف نحو المدن ، ما يزيدُ من إحتمالات الأمن الغذائي لديها عاماً بعد عام ، لذلك إتجهت الصينُ خارجَ الحدود بحثاً عن الحل المنشود، خصوصاً أنها باتت تستوردُ كميات ضخمة من الذرة والحبوب في السنوات الأخيرة والتي تدفعُ ثمنها مبالغَ طائلةً للغاية ، لذلك وضعت بكين خطةً للإستثمارِ في الخارج ، تهدِفُ من خلالها للإستثمار في الزراعة ومُنتجاتها بالإضافة لقطاعات الطاقةِ والمعادن وخُصص لتلك الخطة مبلغٌ يصل إلى ترليوني دولار .
بياناتُ وزارة الزراعة الصينية تؤكد أن لدى الصين إستثماراتٌ زراعية في أكثر من ١٣٠٠ مشروعاً تنتشِرُ في ١٠٠ دولةٍ حول العالم وتُقدر قيمتها الإجمالية بما يقاربُ ٢٦ مليار دولار أمريكي، وتلك المشاريع تتنوع بين زراعة الحبوب .
والغاباتِ والإنتاج الحيواني ، أما عن المِساحة الإجماليةِ لتلكَ الأراضي ، فتصلُ إلى حوالي ٩٣٩ الفَ هيكتار في كلٍ من أوروبا وإفريقيا وأمريكيا ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية قامت شركاتٌ صينيةٌ بشراءِ أراضٍ زراعية وبعضٍ من شركات الإنتاج الزراعي .
من بين الشركات التي قامت الصينُ بشرائِها هي شركة سميس فيلد Smith Field الأمريكية وقُدرت قيمة الصفقة حوالي ٧،٤ مليار دولار أمريكي، كما إستحوذت مجموعة صينيةٌ شبه حكومية على شركة كوفكو إنتل ، Cofco Intel الأمريكية وهي شركةٌ متخصصةٌ بتصديرِ الحبوب إلى الصين ، كما تملك بكين أيضاً إستثماراتٍ في شركة لانسينغ Lansing Trade Group وهي الأخرى تُتاجر بالحبوبِ والمنتجات الزراعية وحسب تقارير وزارة الزراعة الأمريكية USDA فإن الصين باتت اليوم تملك ١ % واحداً بالمئة من إجمالي الأراضي الزراعية التي بِيعّت للأجانب في أمريكا وهو الأمر الذي يُسبِب قلقاً للكونغرس حالياً ، إذ يدرس حالياً تأثير تلك الإستثماراتِ الكبيرةِ على الأمن القومي الأمريكي وفي أوروبا فلا تقتَصِرُ يدُ الصين على أوكرانيا فقط والتي تستحوذُ فيها على ٥ % من إجمالي مساحتها.
ففي فرنسا إشترت شركاتٌ صينيةٌ كُبرى مئات الهيكتارات من الأراضي الزراعية والتي لم تستثمر في البعض منها حتى الآن ، كما أن خُطة الصين لم تقتصر على تِلك الدول ففي أسيا إتجهت بكين نحو فيتنام للإستثمار في مجال الزراعة هناك .
إذ حصلت على عقود إيجارٍ طويلة الأمدِ للعديد من الأراضي والتي بدأت بإستثمار بعضها في زراعة الحبوب مُستغلةً الأيدي العاملة الرخيصة هناك وفي القارةِ السمراء إفريقيا ، تملك الصين اليوم إستثمارات ٍ هائلة في شتىّ المجالاتِ والقطاعات وذلك من خلال مشروعِها الحزام والطريق الذي تحاولُ دفعَه بشكلٍ أكبر نحو القارة الإفريقية ولكن دون أن تَغفل عن وجودِ دولٍ عدةٍ هناك ، تملكُ أراضٍ زراعية خصبة للغاية ، ففي إفريقيا تدفع الصين بالشركات الخاصة حيث تستحوذ تلك الشركات على ٩٠ % بالمئة من إجمالي إستثماراتها في القارة ومُعظم تلك الإستثمارات تصُب في مجال الزراعة والطاقة والمعادن ولكن بِلُغَت الأرقام.

هل بدأ إنهيارُ الأمن الغذائي في الصين حقاً لتذهب إلى مئة دولة حول العالم بهدف الزراعة ؟ .

في الواقع وحتى اليوم تعدُ الصين أكبر منتج زراعي في العالم من حيثُ الكم وفي ذاتٍ الوقت هي ثاني أكبرَ مستوردٍ للمنتجات الزراعية من حيث القيمة وقطاع الزراعة لوحده يوظف ثلث سكان البلاد مما يشكل ١٠ % بالمئة من الناتج القومي الإجمالي السنوي.
كما تُعدُ بكين من أكبر المنتجين الأساسيين للعديد من المنتجات الغذائية كالأرز والسمك والقمح والشعير .
لكنها تخشى من إرتفاعٍ أكبرَ في عدد السكان ما يعني حاجتها بشكل أكبر لتلك المنتجات .
فمن ضمن خطة الصين الناجحة والتي تسعى للإستمرارِ بها ، هي إستراتيجية الإكتفاء الذاتي في إنتاج القمح والأرز والتي تعدُ من الأكثر إستهلاكاً في البلاد سنوياً وفي الواقع قامت الصين بزراعة العديد من الأراضي خارج الحدود بتلك الأنواع وذلك للبقاء تحت غِطاء إستراتيجيتها المستمرة ، كما زادت في السنوات الأخيرة من سِعت التخزين لديها عن طريق تدشين منشأت حديثة لتخزين الحبوب بالإضافة للقيام بعمليات تحديث للمنشآت القديمة وكل تلك الإحتياطات والمشاريع، تأتي من مخاوف تقول بأن مُعدلَ إستهلاك الحبوب سيرتفع بشكل كبيرٍ في السنوات القادمة في الصين ما قد يؤدي لمجاعة عنيفةٍ في البلاد وهو الأمر الذي لا تريده أن يحدث الصين أبداً لتبقى قادرة على إطعام شعبها وإطعام غيرها في اللحظة التي سيكون العالم بحاجة لها، وتعلن عن نفسها حينها بأنها الأقوى في العالم.

فهل فعلاً الصين ستُطعم العالم عند حصول المجاعة ؟

وهل لديها القدرة لإستعمار العالم زراعياً ؟

وهل ما تقوم به الصين هو لإطعام شَعبها أم أنه للتحكم بالأمن الغذائي العالمي وترهيب الدول على خطى أمريكا ؟

وهل سيصبح الأمن الغذائي سلاحاً فعالاً بيد الصين ، كما هو الدولار بيد أمريكا ؟
ولكن ما نحن على يقين منه أننا ذاهبون لأزمة غذائية عالمية سيدفع ثمنها الشعوب الفقيرة والدول ذات الحكم الديكتاتوري والإضطهادي .

خالد زين الدين.
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.
عضو نقابة الصحافة البولندية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *