الذهب الأسود

النفط والموت

التبعية-  الحلقة (3)

المهندس بسام غازي حرب

 

ويذكر الكاتب بالمر انه: (دخلت قوات السنتكوم  أول إختبار لها في الحرب عام 1987، عندما أمر الرئيس {ريغن}[1] السفن الحربية الأميركية  بمرافقة ناقلات النفط الكويتية  التي كانت تسارع إلى رفع العلم الأميركي عندما  تعبر  الخليج وحمايتها من هجوم  العراق وإيران اللذان كانا في المراحل النهائية من حرب دموية استمرت ثماني سنوات. وأعلن ريغن أن هذا التصرف ضروري لكي يؤكد إلتزام الولايات  المتحدة بتدفق النفط عبر الخليج)[2]. ويؤكد كلير على هذا القول ويضيف: (بعد ثلاث سنوات في شهر آب / أغسطس 1990، إستخدم الرئيس {جورج بوش الأب}[3] اللغة نفسها لتبرير  نشر قوات السنتكوم في المملكة العربية السعودية، لصد هجوم محتمل  من قبل القوات العراقية التي كانت آنذاك تعسكر في الكويت. فقال  في خطاب متلفز في 8 آب / أغسطس: تستورد أمتنا اليوم ما يقرب من نصف النفط الذي تستهلكه ويمكن أن تواجه تهديداً كبيراً لاستقلالها الاقتصادي، ولهذا فإن  إستقلال  المملكة العربية السعودية يعتبر مصلحة حيوية للولايات المتحدة)[4].

    وعملت حرب الخليج التي تلت كما يذكر بالمر: (على تعريف الصحافة العامة الأميركية والعالمية بقائد السنتكوم الأكثر شهرة  الجنرال نورمان شوارتسكوف المهندس الأول لعملية عاصفة الصحراء، والتي أدت بسرعة الى تطويق وهزيمة القوات العراقية في الكويت، وعند تلك النقطة قام شوارتسكوف، الذي  كان  يعمل  تحت قيادة الرئيس، بوقف العمليات  العسكرية وبدأ  بما عرف بــ احتواء العراق. وعلى مدى الإثنتي عشرة سنة التالية، قبل بدء العمليات الحربية على العراق في شهر آذار / مارس  عام 2003، انهمكت قوات السنتكوم بتطبيق استراتيجية الاحتواء بما  فيها حظر الطيران فوق جنوب  العراق  والحصار  الذي فرضته الأمم المتحدة في الخليج)[5].

    إن الدرجة التي دفعت اليها حرب 2003 مع العراق  بداعي القلق الأميركي على سلامة إمدادات نفط الخليج، تعتبر  مسألة  معقدة ومثيرة للجدل، ويكفي أن نقول هنا أن غزو العراق، من وجهة نظر الضباط ومجموع الهيئة المكلفة في القيادة المركزية الأميركية هي فقط الأحداث في سلسلة الالتزامات العسكرية في الخليج التي دعا إليها مبدأ كارتر. وهذا التاريخ يساعد على فهم الاسئلة :

لماذا كان الهدف العسكري الأول لعملية احتلال العراق هو تحقيق السيطرة على الحقول النفط ومصافيه في جنوب العراق؟

ولماذا وضعت القوات الأميركية يدها فور اجتياحها لبغداد، على وزارة النفط؟

في حين سمحت للنهابين باجتياح كل المباني الحكومية في الجوار.

    ويقول في هذا المجال الكاتب {اريك واتكينس}[6]: (بالرغم من أن صدام حسين لم يعد حاكماً للعراق، وقد تم إلى حد بعيد تدمير قواته العسكرية، فإن عمل السنتكوم لم ينتهي،  فالجنود  الأميركيون  يواصلون حراسة خطوط الأنابيب التي تنقل النفط الخام إلى {ميناء جيهان  التركي}[7] وحماية مرافق النفط  في أمكنة  أخرى  في البلد. وقد جرى  تحويل بعض  من هذا العمل  إلى حراس خصوصيين وإلى  وحدات  الشرطة العراقية ولكن القوات الأميركية ستواصل، لبعض الوقت، القيام بدور حاسم  في الدفاع عن  البنية التحتية  النفطية  المعرضة للخطر الى حد بعيد. وفي مكان آخر  في الخليج تواصل سفن السنتكوم  وطائراتها مراقبة حركة  المرور المستمرة لناقلات النفط  وحراسة  مضيق هرمز. وفي مكان أبعد الى الشمال ما تزال وحدات  أخرى للسنتكوم تعمل في القواعد العسكرية الأميركية في أفغانستان وقرغيزستان وليس هناك قيادة أخرى  تتحمل  مثل هذه المسؤوليات الكبيرة أو تواجه يومياً الكثير من المخاطر)[8].

    تشير كل الأدلة إلى أن المسؤوليات والمخاطر التي تلتزمها السنتكوم وغيرها من القيادات العسكرية الامريكية  سوف تزداد، ولن تنقص، خلال السنوات القادمة. حيث يذكر بالمر: (الولايات المتحدة تصبح أكثر اعتماداً على النفط من منطقة الخليج وآسيا المركزية، وتأمين الوصول إلى ذلك المصدر للطاقة  سيؤدي حتماً إلى توريط القوات الأميركية  في العديد من النزاعات  الإثنية، الدينية والسياسية  التي تقلق المنطقة. ومع أن الكثير من الجنود الأميركيين ينتشرون الآن في منطقة مسؤولية السنتكوم وربحوا الكثير من المعارك، إلا أنه من الأسلم أن نتوقع أن تخوض قواتها حرباً أخرى  في الخليج، وأن هذا التدخل  سيتكرر مراراً حتى يتم  استخراج آخر برميل من خزانات الخليج الغزيرة. علاوة على ذلك يتورط الجنود من قيادات أخرى إقليمية، على نحو متزايد بهذا النوع من العمليات العسكرية  المرتبطة بالنفط. فالجنود  من القيادة الجنوبية {ساوثكوم}[9] يساعدون الآن  على حماية خطوط أنابيب النفط في كولومبيا، وهو الرباط الحيوي  بين حقول  النفط في الداخل  والمصافي  على الشاطئ، الذي يتعرض لهجمات متكررة من قبل رجال حرب العصابات اليساريين. وكذلك أيضاً يقوم الجنود من القيادة الأوروبية {يوركوم}[10] بتدريب القوات المحلية على حماية خط أنابيب {باكو- تبيليسي- جيهان}[11] الذي أنشئ  مؤخراً في جورجيا. وقد بدأت قيادة  أفريقيا {أفريكوم}[12] التي تأسست حديثاً بالبحث عن قواعد تدعم منها العمليات العسكرية  المستقبلية لحماية مرافق النفط في المنطقة. وأخيراً تقوم السفن والطائرات التابعة للقيادة الأميركية في المحيط الهادئ بحراسة الطرق الحيوية لناقلات  النفط في المحيط الهندي، وبحر الصين الجنوبي، وغرب المحيط الهادئ)[13].

    إن هذه التطورات  مجتمعة تقود الى استنتاج لا مفر منه: أن القوات العسكرية  الأميركية أصبحت تُستخدم أكثر فأكثر لحماية حقول النفط وراء البحار وطرق الإمداد التي تربط تلك الحقول  بالولايات المتحدة وحلفائها وهذه المحاولات التي كانت يوماً محدودة في منطقة الخليج، تمتد  اليوم إلى مناطق  النفط المضطربة في أجزاء  أخرى  من العالم. وهكذا تتحول القوات العسكرية  الأميركية ببطئ، إلى الخدمة في حماية النفط العالمي.

[1]فترة رئاسته 1981-1989

[2]بالمر؛ مصدر سابق، ص123- 128-149

[3]فترة رئاسته 1989-1993

-[4]  كلير؛ مصدر سابق، ص24-25

[5]بالمر؛ مصدر سابق، ص 228-242

[6]دبلوماسي، صحافي واستاذ جامعي اميركي متخصص في شؤون النفط

[7] – Jihan  : ميناء بحري يعود للدولة التركية على البحر المتوسط

[8]واتكينس،اريك؛ نشر قناصة أميركيين لحماية أنابيب النفط العراقية:  جريدة الزيت والغاز، 13 تشرين الأول / أكتوبر 2003، ص 36

[9] – Southcom: القيادة العسكرية الجنوبية للولايات المتحدة الامريكية ومقرها مدينة ميامي الامريكية على المحيط الاطلسي

[10] –  Eurocom:القيادة العسكرية للولايات المتحدة الامريكية في اوروبا ومقرها مدينة شتوتغارت الالمانية

[11] – Baku-Tablisi-Jihan : خط انابيب نفط يربط مدينة باكو الاذربيجانية بمدينة جيهان التركية على البحر المتوسط ويمر عبر الاراضي التركية

[12] -Africom : القيادة العسكرية للولايات المتحدة الامريكية في افريقيا ومقرها في جيبوتي

[13]بالمر؛ مصدر سابق، صفحات 228-242

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *