ما بين صربيا وكرواتيا بلقان روسي

في حين أوروبا كُلها تقف على قلب رجلٍ واحد ضد ما تسميه بالغزو الروسي لأوكرانيا خرجت صربيا وغردت خارج السرب وخرجت منها مظاهرات دعم لموسكو، ونددت بالعقوبات الأحادية عليها ، أما الصدمة التي أتت على غرار صربيا ، هي بتصريح للرئيس الكرواتي الذي قال بصريح العبارة” إن كل ما أرسلتموه إلى أوكرانيا من دبابات ستحترق كما إحترقت في العراق وجزيرة القرم ” ، عند سماعك لهذا التصريح قد تعتقد أنه صادر عن مسؤول روسي أو ضابط روسي، ولكن ستتفاجئ عندما تعلم بأن هذا التصريح هو لرئيس بلد عضو في حلف الناتو، وأحد أعضاء الإتحاد الأوروبي، وهو نفسه الذي يُحب بالإضافة لروسيا كل من الصين وكوريا الشمالية ولربما كل أعداء أمريكا.
ومن هنا تبدأ قصة تصريحاته الصادمة للغربيين. .
عندما نتحدث عن أصدقاء روسيا وخاصة بعد الحرب الروسية الاوكرانية، فمن المنطقي أن تجد حولها وبالقرب منها دولاً ليست في المعسكر الغربي، وليست عضواً في حلف الناتو ودولاً تَكن تاريخياً العداء للأمريكيين ، ولكن الصدمة بأن تجد بلداً عضواً في الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو، تتغزل بروسيا والصين وتتحدى هيمنة الأمريكيين ، فهذا أمرٌ يستحق التوقف والتفكير .
إنها كرواتيا البلد الذي أنقذه الغربيين والناتو تحديداً، من براثم الصرب إبان حروب البلقان في مطلع تسعينات القرن الماضي ، البلد الذي كان جزءاً من يوغوسلافيا السابقة، والذي عانى الويلات من الحكم الشيوعي .
إن “زوران ميلانوفيتش” الرئيس الحالي لكرواتيا، والذي تم إنتخابه في العام ٢٠٢٢ والمُتهم الأول من قبل الغربيين بأنه الطابور الخامس في حلف الناتو والإتحاد الأوروبي والمتهم بعشقه لروسيا، وبالأخص للرئيس فلاديمير بوتين، والذي خرج بسلسلة من التصريحات مؤخراً إستغربها حتى أولئك القابعون في الكرملين ، حيث وصف الحرب الأوكرانية بأنها حرب بين روسيا وأمريكا، ولا شأن لأوروبا ولا حتى لأوكرانيا بها . وأضاف أن بلاده ترفض رفضاً قاطعاً إرسال الدبابات إلى كييف ، وذكر بأنّ مصيرها سيكون شبيه بمصير الدبابات الأمريكية إبان غزو العراق في العام ٢٠٠٣.
ولم يتوقف زوران عند ذلك بل ذَكرَ الأوكرانيين ومعهم الغربيين بأنه من المستحيل أن تتمكن كييف من إستعادة جزيرة القرم، وبأنها ستبقى جزيرة روسية، وأكد بأن النصر في النهاية سيكون حليف موسكو وأن كل ما يجري يُعتبر حرباً عبثية، متسائلاً عن النهاية التي يحلم ويتطلع إليها الغرب، طارحاً أكثر من إحتمالاً وسيناريو، منها تقسيم روسيا أو حتى هزيمتها واصفاً ذلك بالجنون والإختلال العقلي، مُذكراً إياهم بما يمتلك الروس من ترسانة نووية قادرة على تحويل كل أحلام الغرب إلى كوابيس وأهوال.
وأبعد من ذلك، إن تصريحات الرئيس الكرواتي طالت معركة واشنطن مع بكين، وذلك حين وجه إنتقاداً لأمين عام حلف الناتو ستوتلبيرغ على خلفية زيارته إلى كوريا الجنوبية متسائلاً عما يفعله رئيس حلف من المفترض أنه حلف غربي في شرق العالم، مشددا على أن ” لا معارك لنا كحلف هناك قرب الصين ، مؤكداً بأن الحرب الدائرة هناك هي بين الصين وأمريكا ولا علاقة لنا بها كأوروبيين.
مواقف وتصريحات الرئيس الكرواتي المثيرة للجدل وخاصة في هاذا الوقت لا تنتهي فهو أيضاً واحداً من أشد المعارضين لإنضمام كل من السويد وفنلندا للناتو ، بكون ذلك يؤدي إلى غضب وإستفزاز الروس أكثر ، كما أنه رفض بأن ترسل بلاده أو حتى حلف الناتو أي أسلحة أخرى للأوكرانيين، أو حتى بتلقي الجنود الأوكرانيين تدريبات على أرض بلاده، أو أي بقعة من بقاع الحلف، أو حتى إرسال جنود كروات إلى أي جبهة من جبهات الناتو المتقدمة، بالقرب من الحدود مع روسيا.
فالرجل على ما يبدو قد حسم موقفه مما يجري حالياً في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وبات المتهم الأول من قبل الغرب بأنه صديق بوتين.
والمفارقة، بأنه وعقب كل تلك التصريحات يرفض رفضاً قاطعاً تلك الإتهامات، ويعزي الأسباب لمواقفه هذه لأمر آخر ربما يمكن إستنتاجه من بين السطور، وحيث سبق له بالقول بأن أوروبا تُعامل بلاده على أنها بلد متخلف، وهنا كما يُقال مربط الفرسِ من خلال تصريحاته وللتعمق أكثر في المشكلة يجب علينا العودة قليلاً للتاريخ.
كرواتيا هي إحدى دول البلقان التي عانت ويلات حرب صربيا عليهم، والتي جَرت بها مجازر ومدابح كثيرة قبل تَدخل الغربيين عبر الناتو، وإجبار الصرب على الإنسحاب، وعقب ذلك بسنوات أصبحت كرواتيا عضواً في حلف الناتو، ثم في الإتحاد الأوروبي، ليكتشف الكروات بأن ذلك لم يكن حُباً وإخلاصاً لهم بقدر ما هو مهم لزيادة دول الإتحاد وتوسع رقعة الناتو .
فكرواتيا تعد قاعدة متقدمة لحلف الناتو في خطته لتطويق روسيا وحلفائها والمقصود بحلفاء روسيا أي الصرب، وعلى الرغم من أن ذلك قد أمّن الحماية لكرواتيا إلا أنه لم ينقذها، حتى الآن تعتبر كرواتيا أحد أفقر دول الإتحاد الأوروبي إن لم تكن أفقرها كما أنها تواجه أزمات عدة ومنها إقتصادية وسكانية تتمثل بهجرة في سكانها بإتجاه بلدان أوروبا الغربية ، مما يزيد من تعقيد مشكلاتها.
كل ذلك يجري وهم أعضاء في أقوى حلف عسكري على الأرض، وأغنى إتحاد في العالم ويضاف إلى ذلك مسألة أخرى مهمة يُدركها الكروات قبل غيرهم ، وهي صربيا جارتهم حليفة موسكو، والتي بدأت بالتحرك مؤخراً بإستفزاز كوسوفو وبتلميحها عن حرب بلقان جديدة قد تندلع في أية لحظة وهذه الحرب إذا ما وقعت فكرواتيا ومعها باقي دول البلقان قد يدفعون ثمنها وخاصة بأن الصرب سيتلقون هذه المرة دعماً كبيراً من موسكو.
وربما يسعى الرئيس الكرواتي لتجنيب بلاده مثل هذا السيناريو وأمرٌ آخر ربما يتعلق بتركيبة كرواتيا السكانية، والتي فيها جزءٌ ما زال متعلقاً بالحقبة الشيوعية الإشتراكية بالإضافة إلى ما يراه الرئيس من غطرسة أمريكية وغربية وزجها لدول أوروبا في حروب لا شان لهم بها، وهذا يتضح من خلال إنتقاده لوصول حلف الناتو إلى حدود الصين، وحتى من خلال إنخراط الغربيين في الصراع ما بين الكوريتين . وهذا ايضاً يُظهر بوضوح عداء الرجل لواشنطن وإيمانه وتيقنه بأنها سبب الصراعات في العالم ومن يعمل على تغزيتها، وهذه فكرة تَطرب لها روسيا والتي من جانبها إمتدحت تصريحات الرئيس الكرواتي ومواقفه .
فربما من حيث لا يعلم الروس فقد كسبوا صديقاً جديداً من قلب الناتو ومعقل الإتحاد الأوروبي، ما قد يجعل الأوروبيين يتدخلون بالإنتخابات القادمة في كرواتيا لمنع إعادة إنتخاب زوران ميلانوفيتش، الرئيس الذي بات يُعرف بصديق الروس وعدو الأمريكيين، وربما لا يكون الوحيد ولا الأخير .
وبالعودة إلى صربيا التي غردت خارج السرب في القارة العجوز والتي أخرجت مظاهرة تؤيد موسكو وترفض العقوبات الغربية على عليها ، وهي كما يقال بنتُ روسيا البارة وشبيهتها بكل شيء.
وللحديث عن أوجه الشبه بين صربيا وروسيا تتمة ، فكلاهما كانتا إتحادين إشتراكيين ومعاديين للغرب ورأسماليته، وكانا يؤمنان بالشيوعية .
فكما كان الإتحاد السوفياتي ومركزه موسكو وتدور في فلكه عدة دول، كذلك كانت يوغوسلافيا ومركزها صربيا وفي فلكها دارت عدة دول، وأكثر من ذلك ومن التاريخ أيضا، كانت صربيا سبب الحرب العالمية الأولى والتي جَرّت معها روسيا للدخول في تلك الحرب، ولم ينفك التحالف بين الطرفين بل ظل متماسكا ً حتى نالا ذات المصير في مطلع التسعينيات، حيث تفكك الإتحاد السوفياتي ولم يبق منه إلا روسيا، وكذلك تفككت يوغوسلافيا ولم يبق منها إلا صربيا، وربما الفارق الوحيد هو أن تفكك يوغوسلافيا كان أكثر عنفوية ودموية وقد رافقه حروب البلقان ذات السمعة السيئة بفعل إرتكاب مجازر من قبل الصرب في الوقت ذاته كانت روسيا تخوض حربها ضد الشيشان ولأن أوجه الشبه كانت في كل شيء.
في تسعينيات القرن الماضي حين فشلت صربيا بقمع الحالمين بالإستقلال نجحت روسيا بذلك ، كذلك نجحت روسيا بالعودة ومن الباب الكبير حين عادت قوة لا يستهان بها في حين عاد الصرب للتواري خلف الروس كما فعلت أيام إتحادها اليوغوسلافي.
وكأن عجلة الزمن دارت ليُعيد التاريخ كتابة نفسه بحاضر شبيه بذلك الذي مضى وفي الحاضر سمطت صربيا بعد ضربات الناتو على بلغراد لإنهاء مأساة البلقان أواخر القرن المنصرم وإفتتحت بلغراد الألفية الجديدة بثوبٍ بدا أنه يريد المضي قليلاً نحو عهد جديد كما فعلت موسكو وذلك قبل عشرة سنوات من تشكيل حكومات وإنفتاحٍ على العالم ولكن سرعان ما عادت العقلية ذاتها عقب إعلان كوسوفو إستقلالها النهائي كآخر دول يوغوسلافيا السابقة والتي كان سكانها يشكلون ٣٠ % بالمئة من سكان صربيا لتعتبر نقطة تحول للقوميين الصرب الذين رفضوا إنفصال كوسوفو ، ومع عودة القوميين المتعصبين أصحاب شعار صربيا للصرب وكوسوفو جزءاً منها .
بدا أن تحول تشهده بلغراد أعادها لمعسكرها القديم ، فكما فعلت موسكو بالحديث عن الأقليات الروسية خارج روسيا ، بدأت بلغراد بالحديث عن معاناة الصرب في كل من البوسنة وكوسوفو وكرواتيا حتى الأقليات الصربية في كرواتيا والبوسنة والهرسك بدأت في الأعوام الأخيرة بالمطالبات بالإنفصال تماماً كما حصل في جورجيا ما أعطى ذريعة للروس بالتدخل .
على ذات الخطى تسير بلغراد ولكن على إستحياء ، فالصرب إكتووا في نيران الناتو وقُدم رئيسهم للمحاكمة الدولية وهم أكثر حذر من الماضي ولكنهم يسيرون حتى لو ببطئ لتكرار سيناريو الصرب وهو أمر ينذر بتفجير البلقان في خاصرة القارة العجوز وهو ما لا ترغبه أوروبا ، بحربٍ جديدة والتي لم تُدمل حتى الآن جروح الحرب السابقة منها دولاً ليست في المعسكر الغربي، وليست عضواً في حلف الناتو ودولاً تَكن تاريخياً العداء للأمريكيين ، ولكن الصدمة بأن تجد بلداً عضواً في الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو، تتغزل بروسيا والصين وتتحدى هيمنة الأمريكيين ، فهذا أمرٌ يستحق التوقف والتفكير .
إنها كرواتيا البلد الذي أنقذه الغربيين والناتو تحديداً، من براثم الصرب إبان حروب البلقان في مطلع تسعينات القرن الماضي ، البلد الذي كان جزءاً من يوغوسلافيا السابقة، والذي عانى الويلات من الحكم الشيوعي .
إن “زوران ميلانوفيتش” الرئيس الحالي لكرواتيا، والذي تم إنتخابه في العام ٢٠٢٢ والمُتهم الأول من قبل الغربيين بأنه الطابور الخامس في حلف الناتو والإتحاد الأوروبي والمتهم بعشقه لروسيا، وبالأخص للرئيس فلاديمير بوتين، والذي خرج بسلسلة من التصريحات مؤخراً إستغربها حتى أولئك القابعون في الكرملين ، حيث وصف الحرب الأوكرانية بأنها حرب بين روسيا وأمريكا، ولا شأن لأوروبا ولا حتى لأوكرانيا بها . وأضاف أن بلاده ترفض رفضاً قاطعاً إرسال الدبابات إلى كييف ، وذكر بأنّ مصيرها سيكون شبيه بمصير الدبابات الأمريكية إبان غزو العراق في العام ٢٠٠٣.
ولم يتوقف زوران عند ذلك بل ذَكرَ الأوكرانيين ومعهم الغربيين بأنه من المستحيل أن تتمكن كييف من إستعادة جزيرة القرم، وبأنها ستبقى جزيرة روسية، وأكد بأن النصر في النهاية سيكون حليف موسكو وأن كل ما يجري يُعتبر حرباً عبثية، متسائلاً عن النهاية التي يحلم ويتطلع إليها الغرب، طارحاً أكثر من إحتمالاً وسيناريو، منها تقسيم روسيا أو حتى هزيمتها واصفاً ذلك بالجنون والإختلال العقلي، مُذكراً إياهم بما يمتلك الروس من ترسانة نووية قادرة على تحويل كل أحلام الغرب إلى كوابيس وأهوال.
وأبعد من ذلك، إن تصريحات الرئيس الكرواتي طالت معركة واشنطن مع بكين، وذلك حين وجه إنتقاداً لأمين عام حلف الناتو ستوتلبيرغ على خلفية زيارته إلى كوريا الجنوبية متسائلاً عما يفعله رئيس حلف من المفترض أنه حلف غربي في شرق العالم، مشدداً على أن ” لا معارك لنا كحلف هناك قرب الصين ، مؤكداً بأن الحرب الدائرة هناك هي بين الصين وأمريكا ولا علاقة لنا بها كأوروبيين.

مواقف وتصريحات الرئيس الكرواتي المثيرة للجدل وخاصة في هاذا الوقت لا تنتهي فهو أيضاً واحداً من أشد المعارضين لإنضمام كل من السويد وفنلندا للناتو ، بكون ذلك يؤدي إلى غضب وإستفزاز الروس أكثر ، كما أنه رفض بأن ترسل بلاده أو حتى حلف الناتو أي أسلحة أخرى للأوكرانيين، أو حتى تلقي الجنود الأوكرانيين تدريبات على أرض بلاده، أو أي بقعة من بقاع الحلف، أو حتى إرسال جنود كروات إلى أي جبهة من جبهات الناتو المتقدمة، بالقرب من الحدود مع روسيا.
فالرجل على ما يبدو قد حسم موقفه مما يجري حالياً في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وبات المتهم الأول من قبل الغرب بأنه صديق بوتين.
والمفارقة، بأنه وعقب كل تلك التصريحات يرفض رفضاً قاطعاً تلك الإتهامات، ويعزي الأسباب لمواقفه هذه لأمر آخر ربما يمكن إستنتاجه من بين السطور، وحيث سبق له بالقول بأن أوروبا تُعامل بلاده على أنها بلد متخلف، وهنا كما يُقال مربط الفرسِ من خلال تصريحاته وللتعمق أكثر في المشكلة يجب علينا العودة قليلاً للتاريخ.
كرواتيا هي إحدى دول البلقان التي عانت ويلات حرب صربيا عليهم، والتي جَرت بها مجازر ومدابح كثيرة قبل تَدخل الغربيين عبر الناتو، وإجبار الصرب على الإنسحاب، وعقب ذلك بسنوات أصبحت كرواتيا عضواً في حلف الناتو، ثم في الإتحاد الأوروبي، ليكتشف الكروات بأن ذلك لم يكن حُباً وإخلاصاً لهم بقدر ما هو مهم لزيادة دول الإتحاد وتوسع رقعة الناتو .
فكرواتيا تعد قاعدة متقدمة لحلف الناتو في خطته لتطويق روسيا وحلفائها والمقصود بحلفاء روسيا أي الصرب، وعلى الرغم من أن ذلك قد أمّن الحماية لكرواتيا إلا أنه لم ينقذها، حتى الآن تعتبر كرواتيا أحد أفقر دول الإتحاد الأوروبي إن لم تكن أفقرها كما أنها تواجه أزمات عدة ومنها إقتصادية وسكانية تتمثل بهجرة في سكانها بإتجاه بلدان أوروبا الغربية ، مما يزيد من تعقيد مشكلاتها.
كل ذلك يجري وهم أعضاء في أقوى حلف عسكري على الأرض، وأغنى إتحاد في العالم ويضاف إلى ذلك مسألة أخرى مهمة يُدركها الكروات قبل غيرهم ، وهي صربيا جارتهم حليفة موسكو، والتي بدأت بالتحرك مؤخراً بإستفزاز كوسوفو وبتلميحها عن حرب بلقان جديدة قد تندلع في أية لحظة وهذه الحرب إذا ما وقعت فكرواتيا ومعها باقي دول البلقان قد يدفعون ثمنها وخاصة بأن الصرب سيتلقون هذه المرة دعماً كبيراً من موسكو.
وربما يسعى الرئيس الكرواتي لتجنب بلاده مثل هذا السيناريو وأمرٌ آخر ربما يتعلق بتركيبة كرواتيا السكانية، والتي فيها جزءٌ ما زال متعلقاً بالحقبة الشيوعية الإشتراكية بالإضافة إلى ما يراه الرئيس من غطرسة أمريكية وغربية وزجها لدول أوروبا في حروب لا شان لهم بها، وهذا يتضح من خلال إنتقاده لوصول حلف الناتو إلى حدود الصين، وحتى من خلال إنخراط الغربيين في الصراع ما بين الكوريتين .
وهذا أيضاً ً يظهر بوضوح عداء الرجل لواشنطن وإيمانه وتيقنه بأنها سبب الصراعات في العالم ومن يعمل على تغزيتها، وهذه فكرة تَطرب لها روسيا والتي من جانبها إمتدحت تصريحات الرئيس الكرواتي ومواقفه .
فربما من حيث لا يعلم الروس فقد كسبوا صديقاً جديداً من قلب الناتو ومعقل الإتحاد الأوروبي، ما قد يجعل الأوروبيين يتدخلون بالإنتخابات القادمة في كرواتيا لمنع إعادة إنتخاب زوران ميلانوفيتش، الرئيس الذي بات يُعرف بصديق الروس وعدو الأمريكيين، وربما لا يكون الوحيد ولا الأخير .
وبالعودة إلى صربيا التي غردت خارج السرب في القارة العجوز والتي أخرجت مظاهرة تؤيد موسكو وترفض العقوبات الغربية عليها، وهي كما يقال بنتُ روسيا البارة وشبيهتها بكل شيء.
وللحديث عن أوجه الشبه بين صربيا وروسيا تتمة ، فكلاهما كانتا إتحادين إشتراكيين ومعاديين للغرب ورأسماليته، وكانا يؤمنان بالشيوعية .
فكما كان الإتحاد السوفياتي ومركزه موسكو وتدور في فلكه عدة دول، كذلك كانت يوغوسلافيا ومركزها صربيا وفي فلكها دارت عدة دول، وأكثر من ذلك ومن التاريخ أيضا، كانت صربيا سبب الحرب العالمية الأولى والتي جَرّت معها روسيا للدخول في تلك الحرب، ولم ينفك التحالف بين الطرفين بل ظل متماسكا ً حتى نالا ذات المصير في مطلع التسعينيات، حيث تفكك الإتحاد السوفياتي ولم يبق منه إلا روسيا، وكذلك تفككت يوغوسلافيا ولم يبق منها إلا صربيا، وربما الفارق الوحيد هو أن تفكك يوغوسلافيا كان أكثر عنفوية ودموية وقد رافقه حروب البلقان ذات السمعة السيئة بفعل إرتكاب مجازر من قبل الصرب في الوقت ذاته كانت روسيا تخوض حربها ضد الشيشان وكأن أوجه الشبه كانت في كل شيء.

في تسعينيات القرن الماضي حين فشلت صربيا بقمع الحالمين بالإستقلال نجحت روسيا بذلك ، كذلك نجحت روسيا بالعودة ومن الباب الكبير حين عادت قوة لا يستهان بها، في حين عاد الصرب للتواري خلف الروس كما فعلت أيام إتحادها اليوغوسلافي.
وكأن عجلة الزمن دارت ليُعيد التاريخ كتابة نفسه بحاضر شبيه بذلك الذي مضى وفي الحاضر سمطت صربيا بعد ضربات الناتو على بلغراد لإنهاء مأساة البلقان أواخر القرن المنصرم ، وإفتتحت بلغراد الألفية الجديدة بثوبٍ بدا أنه يريد المضي قليلاً نحو عهد جديد كما فعلت موسكو وذلك قبل عشرة سنوات من تشكيل حكومات وإنفتاحٍ على العالم ولكن سرعان ما عادت العقلية ذاتها عقب إعلان كوسوفو إستقلالها النهائي كآخر دول يوغوسلافيا السابقة والتي كان سكانها يشكلون ٣٠ % بالمئة من سكان صربيا لتعتبر نقطة تحول للقوميين الصرب الذين رفضوا إنفصال كوسوفو ، ومع عودة القوميين المتعصبين أصحاب شعار صربيا للصرب وكوسوفو جزءاً منها .
بدا أن تحول تشهده بلغراد أعادها لمعسكرها القديم ، فكما فعلت موسكو بالحديث عن الأقليات الروسية خارج روسيا ، بدأت بلغراد بالحديث عن معاناة الصرب في كل من البوسنة وكوسوفو وكرواتيا ، حتى الأقليات الصربية في كرواتيا والبوسنة والهرسك بدأت في الأعوام الأخيرة بالمطالبات بالإنفصال تماماً كما حصل في جورجيا ما أعطى ذريعة للروس بالتدخل .
على ذات الخطى تسير بلغراد ولكن على إستحياء ، فالصرب إكتووا في نيران الناتو وقُدم رئيسهم للمحاكمة الدولية وهم أكثر حذر من الماضي ولكنهم يسيرون حتى لو ببطئ لتكرار سيناريو الصرب وهو أمر ينذر بتفجير البلقان في خاصرة القارة العجوز وهو ما لا ترغبه أوروبا ، بحربٍ جديدة والتي لم تُدمل حتى الآن من جروح الحرب السابقة.

فهل تصريحات الرئيس الكرواتي أتت لتجنيب بلده حرباً لا ناقة لهم فيها ولا جمل ؟
وهل سيكون الرئيس الأخير من قلب الناتو وأوروبا الذي سيوجه إنتقاداته للغرب وأمريكا معهم ؟
وهل القومية الصربية سوف تُيقظ الحرب في البلقان من جديد وتأسس لإنفصال أقاليم جديدة ؟
وهل روسيا ستُشعل حرباً جديدة في أوروبا من بوابة صربيا ؟
كل ما نطرحه يبقى في تكهنات المستقبل ، ولكن المستقبل ليس بمأمن عن بلقان جديد إذا ما إشتعل سيكون بداية الحرب العالمية الدموية والتي سوف تقضي على المستقبل والحلم سوياً وستُغير وجه العالم الغربي .

خالد زين الدين .
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.
عضو نقابة الصحافة البولندية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *