السعودية وإيران إتفاقٌ أم هُدنة
– جمودٌ في العلاقات دام لسنواتٍ كُسِر بين ليلةٍ وضحاها، وها نحن أمام إتفاق ٍ أمني وسياسي يُتوِّج مرحلة جديدة في العلاقات بين الرياض وطهران.
– كُثُرٌ أشادوا ورحّبوا ،والبعض صُدِموا وأُصيبوا بالهلع ،لكن الجميع من دون إستثناء يترقّب التداعيات بعد إتفاق سياسي وأمني مُفاجئ وصادم توصّلت إليه السعودية وإيران يُعيد العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين بسرعة غير مسبوقة .
شهران فقط ويجب أن تكون السفارات قد تمّ إعادة فتحها، والعلاقات ستكون على ما يرام بعد أعوامٍ من الصراع والقطيعة ومحاولات إثبات الذات في بقاعٍ ودول عدّة بدأت من سوريا مروراً بلبنان والعراق واليمن وصولاً إلى البحرين .أعداء الأمريكيين ،وخاصّة الروس ذهبوا على الفور إلى أنّ الإتفاق في جوهره يُشكِّل ضربة مُوجِعة للسياسة الأمريكيّة ونهاية الوصاية وصايتها على المنطقة .
-فمن كان وراء إنجاز هكذا إتفاق ومن رعاه ؟
-إنّها الصين التي لم تُخْفِ أمريكا يوماً بأنها الخطر الأكبر عليها ، كما أنّ القراءة الأولى للإتفاق توحي بأن الكيان الإسرائيلي هو الخاسر الأكبر بعدما كان يلهث لعقد إتفاق سلام مع السعودية . ها هي الرياض تُفاجِئها بإتفاقٍ مع طهران التي يُفترَض أنها ألدّ أعداء الكيان وأيضاً تُعتبَر بنظر أمريكا عدوّة الرياض أيضاً .
-لكن هل بالفعل حقّق الإتفاق إختراقاً كبيراً للأوضاع الإقليميّة المُتدهوِرة الراهنة ،أم أنّه فقط سيُغيِّر من شكل الصراع وطبيعته؟
وما هي مواقف الدول المُشترِكة في هذا الصراع بشكلٍ أو بآخر؟
فلنتوقّف عند بيان مصر المُقتضَب ، إذ أنّ مصر، والتي يجب أن تكون في قلب الحدث، وجدت نفسها بعيدة عما يُطبَخ للمنطقة وبات عليها أن تُحدِّد بوضوح ودقّة وبسرعة موضع أقدامها في الفترة المُقبِلة بما يتّفق مع مصالحها وهو ما أكّده البيان المصري،
بأنّها تُراقِب الإتفاق بإهتمام، ورغم أنّها تنظر بإيجابيّة لمساعي السعوديّة التي تهدف لإزالة مواضع التوتّر في العلاقات على المستوى الإقليمي، ولكن لم يفُتها الإشارة إلى الشكوك المستمرّة حول سياسات إيران الإقليميّة والتي تشكّل الشغل الشاغل لدول المنطقة، ما يشير بأنّ مصر تخلّت أو إستُبعِدت عن أدوار وملفات إقليمية عديدة . فباتت القاهرة اليوم أمام مُفترق طرق ولا تمتلك ترف البقاء بعيداً أكثر ليشي بيانها بأنّها لا تريد أن تظهر بشكل رافض للإتفاق السعودي الإيراني، ولكنّها في الوقت نفسه ما زالت لا تراه إنجازاً سياسيّاً إقليميًّا ودوليًّا .
-بينما ذهبت دول عربية للترحيب بشدّة بالإتفاق خاصة تلك التي تدور في فلك إيران أو تُقيم علاقات معها .وقد وصل الأمر ليُشيد بالإتفاق حتّى من كان في الأمس يُهاجِم السعودية : كالحوثيين في اليمن ،وحماس في القطاع فيما نظرت بقيّة الدول العربيّة بإيجابيّة للإتفاق وتمنّت أن ترى آثاره المستقبليّة بما يضمن أمن وسلام المنطقة، خاصّة العراق وعُمان اللّتان شكرتهما السعودية وإيران على دورهما في الإتفاق بعد أن رأتا فيه مُقدّمة لوأد الصراعات والأزمات التي تفترس المنطقة وتُدمِّر أمنها وإستقرارُها .
أمّا في السعودية وإيران جاء الحديث الرسمي مُتوافِقاً ليُعبِّر البَلدان عن إستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، إنطلاقاً من رؤية تفضيل الحلول السياسية والحوار وإنتهاج سياسة حُسن الجوار . لكن الإعلام الغير الرسمي لإيران خرج على الفور ليؤكِّد أنّ الإتفاق يعني ببساطة نهاية حقبة السيطرة الأمريكيّة على المنطقة وللأبد .
بينما ظهر الروس بقوّة ليقولوا أنّ الإتفاق يتماشى مع المُبادرات الروسيّة الرامية إلى إنشاء منظومة للأمن في منطقة الخليج ذات الأهمية الإستثنائية على المستوى الإقتصادي العالمي.
أمّا الصين فمن الواضح أنّ فرحتها هي الأكبر بعد أن قدّمت نفسها دولة عُظمى ترعى السلام وتضرب الأمريكيين في عمق مناطق نفوذهم، حتّى أنّ “بكّين” خرجت لتُعلِم أنّها ستُواصِل لعب دور بنّاءٍ في تسوية القضايا العالميّة الصعبة.
لكن رغم كلُ هذا ما زالت أسئلة جدّيّة تدور :
كيف سيكون شكل العالم والمنطقة بعد هذا الإتفاق؟
وهل حقًّا إستسلم الأمريكيين أمام المدّ الصيني كقوّة كُبرى راعية للسلام مع إقتراب الحلم الروسي بتشكيل تحالف إقليمي شرق أوسطي مُوالٍ لموسكو ؟
حسابات الربح والخسارة كيف ستُوزّع؟
ومن المُنتصِر ؟
في وقتٍ يُجمِع مُحلِّلون أنّ الإتفاق جاء أكبر وأسرع ممّا توقّعه الأمريكيّون والكيان الإسرائيلي، إلّا أنّ لدى واشنطن الكثير من الأوراق التي ما زالت ستلعبها قبل أن يتحوّل الإتفاق بالفعل إلى ضربةً مُوجِعةً لواشنطن والكيان اللتين ظلّتا تُصوِّران إيران على أنّها مصدرٌ للتهديد والخطر لدول العرب وخاصّة في المنطقة الخليجيّة بينما الكيان الإسرائيلي هو الشريك الإقليمي الموثوق فيه .
ومع إرتباك حسابات الكيان الإسرائيلي وسعادة روسيا والصين، تظهر المصلحة المباشرة للمملكة العربية السعودية من وراء هذا الإتفاق، حيث ستستخدمه كورقة ضغط جديدة على أمريكا أكثر من كونه إتفاقاً نهائيًّا يُنهي عقوداً من الصراع بين السعوديّة وإيران ،خاصّةً وأنّ الرياض بدأت منذ أكثر من عام مساعيها للتحوّل من تحت الوصاية الأمريكيّة كحليفٍ وشريكٍ قوي وذلك بعد أن رأت السعوديّة بأمّ عينها كيف رفضت واشنطن دعمها في حربها في اليمن بالدرجة التي أرادتها الرياض ، بل وربّما فشلت في توفير الحماية التكنولوجيّة للأراضي السعوديّة من طائرات وصواريخ الحوثي المُوجّهة .
لكن أمريكا بالمقابل ،وحسب المحلّلين الغربيين ما زالت تُعتبَر الحليف الرئيس للسعودية وما زالت تمتلك أوراق ضغطٍ كثيرة ومؤثِّرة على السعودية وستواصل لعبها لعرقلة التقارب السعودي الإيراني والحيلولة دون إمكان تشكيل جبهة إقليميّة جديدة تميل لروسيا والصين وبالتالي تبتعد رُويداً رُويداً عن الإستراتيجيّة الأمريكيّة في المنطقة وعن المساعي الإسرائيليّة . فأكتفت أميركا بالتذكير أنّ السعودية تخبر واشنطن بكلّ شيء وأنّها على علمٍ بالإتفاق دون أن تلعب دوراً فيه .
يُشير هذا التعقيب إلى أن البيت الأبيض ما زال لا يرى في الإتفاق تمرّداً سعوديًّا على واشنطن ، بل يعتقد أنّه ورقة ضغط من أجل أن تعطي أمريكا الرياض ما تريده، سواء في حربها في اليمن أو إمكانات نووية وأسلحة ردع قبل أيّ اتفاق مع الكيان.
كما أنّ كثيراً من دوائر الغرب ترى في الإتفاق تصالحاً مرحليًّا بين المُتعبين في اليمن وسوريا ولبنان أساساً ، وفي عُموم الخليج ، وفي أوّل لحظة تستطيع أمريكا والكيان تحريك خلاف مذهبي سياسي سيتمّ به إجهاض الإتفاق من المهد .وخاصّةً أنّ ردود الفعل في الكيان الرسمية جاءت لتُشير إلى أنّه سيؤثِّر على إمكانيّة تطبيع العلاقات بين الرياض والكيان ،وفيما كان زعيم المعارضة في الكيان ” هي إيربيد” أشدّ وضوحاً عندما إعتبر “أنّ الإتفاق فشلٌ ذريعٌ وخطيرٌ للكيان ،وإنتصار سياسي بالنسبة لإيران” .ومع ردود الفعل هذه يبدو أنّ الكيان وأمريكا مُتخوِّفتان حقًّا من خطوة إعادة تبادل السفراء بين السعودية وإيران ، لكن الخوف الأكبر ليس من أنه تقدّم حقيقي في العلاقات ولا من نتائج الإتفاق على إعتباره أنّه خطوة محدودة في طريق شائك، بل يبدو أنّ رُعب واشنطن والكيان الحقيقي من الأجواء التي نضج بها الإتفاق من رعاية صينيّة وتهميش للدور الأمريكي، إضافة إلى أنّه جرى في وقت كان الحديث يدور عن قرب إتفاق بين الرياض والكيان الإسرائيلي.
وبالنّظر إلى أنّ السعوديّة قد قطعت العلاقات مع إيران في العام ٢٠١٦ بعد إقتحام سفارتها في طهران أثناء خلافٍ سياسيٍّ شديدٍ عصف بالبلدين ثمّ إشتدّ الخلاف بينهما بعد دعم إيران لهجماتٍ صاروخيّةٍ وبطائرات مُسيَّرةٍ على مُنشآت نفطيّة بالمملكة، وكذلك لهجمات على ناقلات نفط ، إضافةً لخلافٍ كبيرٍ في كلٍّ من لبنان وسوريا والعراق، وكثيرٍ من الملفّات
.في ظلّ كلّ هذا ،من الواضح أنّ البيان السعودي الإيراني الصيني لم يُقدِّم أيّة إشارة على القرب من التوصّل لتفاهماتٍ حول هذه القضايا. مقابل ما يحمله المستقبل من مسير في حقل ألغام إذ أنّ المؤشّرات واضحة على الطبيعة المحدودة للإتفاق الذي لم يترتّب على إيران من خلاله التزامات إقليميّة أو يفرض عليها أيّة تعهّدات.
فأولويّة السعوديّة من هكذا إتفاق هو إدارة هذا التنافس عبر أدوات غير عسكريّة إلى حين إقناع واشنطن أنّ تقديم الدعم اللامحدود للسعودية بوجه إيران هو الحلّ لخلق توازنٍ حقيقيٍّ بحسب التصوّر السعودي للشكل الذي تريده للمنطقة. بينما ما زالت واشنطن تخشى أن تتغلّب أيّة دولة في المنطقة على الكيان الإسرائيلي حتّى وإن كان عبر دعم السعوديّة ضدّ عدوّتها وعدوّ الكيان.
إستناداً لما سبق ، هل سيكون لهذا الإتفاق السعودي الإيراني دور في التطوّر السياسي على صعيد المنطقة ؟
أم أنّها مجرّد توقّعاتٍ مُبكرةٍ وآمالٍ واهيةٍ ؟
أوّلا: تطوّر جيد لإستقرار المنطقة ، ويُعيد الإعتبار لسياسة الحوار والبحث عن حلول سلميّة للمنافسات والصراعات الإقليميّة في منطقة الخليج والجزيرة العربيّة التي عرفت أربع حروب كبيرة ومؤذية للغاية منذ عام 1980: بين العراق وإيران ،نهايةً بحرب اليمن الراهنة، مروراً بغزو العراق للكويت ،وغزو أمريكا وبريطانيا للعراق.
. ويُعيد الاعتبار أيضاً لدور الأطراف الإقليميّة التي إتخذت من سياسة مدّ الجسور وتشجيع التفاوض وتقديم الحلول الوسط نهجاً راسخاً لها . وهذا ما إعترف به “علي شمخاني” في بكّين ،فهذا الإتفاق لم يكن مُمكِناً دون الجولات التفاوضيّة بين الطرفين والتي رعتها سلطنة عُمان والعراق في العامين الماضيين.
– كما سيضمن هذا الإتفاق قطع الطريق حاليًّا على أيّة محاولة إسرائيليّة قريبة لتوريط دول الخليج في تحالفّ عسكري يقوم بضربة ضدّ إيران .
-كما سيفتح هذا الإتفاق،
بما لإيران والسعودية من نفوذ على الأزمة اليمنيّة وأطرافها ، فُرصاً حقيقيّة لبدء التوصّل لحلٍّ سياسيٍّ تدريجي يضمن خروجاً مُشرّفاً للسعودية والتحالف العربي من اليمن، ويوقِف النزيف المالي والعصبي لهذه الحرب.
ويضمن من ناحية ثانية إمكانيّة جلوس المُكوّنات اليمنيّة مع بعضها البعض للتوصّل إلى حلٍّ لا يحاول إقصاء أي طرف في “يمن المستقبل”.
-كما يزيد الإتفاق من إحتمالات إستثمار الفرص الكبيرة التي تواجدت في السنوات الأخيرة ، وخصوصا بعد الزلزال الموجع في إعادة سوريا إلى العالم العربي والجامعة العربية ،ورفع أو تجاوز العقوبات بحقّها .
فكما هو معروف أنّ الأزمة السورية كانت ،في جزء ولو محدود منها، صراعاُ بالوكالة بين السعودية وإيران.
كذلك إمكانيّة حلحلة المأزق الوجودي للبنان والذي بات يُنذر بإنهياره كبلد صغير مع تحطّم إقتصاده جزئيًّا بسبب المُقاطعة الخليجية ،والتنافس الإيراني السعودي عبر حلفاء كلّ طرف من الفصائل اللبنانية.
أمامنا شهران حسب الإتفاق حتّى نرى ما إذا كانت السفارات ستفتح والسفراء سوف يُقدّمون إعتمادهم في الرياض وطهران أم لا!!
وحتّى نرى ما إذا كان الإتفاق سيصمد للتحدّيات المذهلة التي ستواجهه ،سواء من التآمر الإسرائيلي المُتوقّع ضدّه. وهل سيصمد أيضا لحجم التوقّعات الهائلة التي يتوخّاها السعوديون من الإيرانيين والعكس صحيح من أوّل اليمن وحتّى إزالة أسباب التوتّر المُتراكِمة حول البرنامج النووي والحضور الإيراني في الشؤون الخليجية والعربية.. إلخ.
– هذا كلّه يضعنا أمام الحجم الهائل الذي أُعطي لهذا الإتفاق ، فكلّ ماسبق ليس إلّا توقّعات ، والشرق الأوسط مازال أمريكيًّا حتى إشعار آخر: فتطوّر إعادة العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية غير مسبوقة هو من المرات القليلة التي يجد فيها التحليل السياسي نفسه مُتعاطِفاً مع العبارة المُكرّرة في عناوين الأخبار عن ردود الفعل الدوليّة إتجاه تطوّر سياسي مهم، وهو تعبير «ترحيب دولي حذر بنجاح الصين في إعادة العلاقات السعودية الإيرانية» فالحذر ضروري جداً بالفعل في عدم الإندفاع نحو توقّع نتائج دراماتيكيّة من تصافح الأيدي الحار بين” العيبان” السعودي و”شمخاني” الإيراني “وونج يي” الصيني؛ فعندما ننظر بتمعّن للتاريخ المُتوتِّر والمُتعرِّج بين الصراع والتنافس والتحالف في العلاقات بين إيران والسعودية، أو النمط المُتكرِّر لقطع العلاقات ثمّ إعادتها.
وفيما يخصّ الطرف الثالث في قصّة الأمس، ألا وهو الوسيط الصيني،فهو أيضا يُجبر التحليل السياسي على الحذر في التفاؤل بإتفاق إعادة العلاقات بين أكبر قوّتين إقليميتين في الخليج.
فممّا لا شكّ فيه، أنّ إلقاء الصين بثقلها العالمي المُتنامي وراء هذه الوساطة وإختيار إعلان الإتفاق في يوم تنصيب الرئيس شي بينج لفترة رئاسة جديدة في «رمزية سياسية» مقصودة للداخل والخارج هو تطوّر نوعي ومهم ، ويمثّل مُزاحمة صريحة في المنطقة الأكثر حساسيّة لمفهوم الأمن القومي الأميركي العالمي ،وهي الشرق الأوسط.
لهذا لابد أن يجد التحليل المُتّزِن أسباباً عديدة للإحتياط والتريُّث قبل أن يُوافق على الإستنتاجات الخطيرة التي خرجت بصورة أو بأخرى ومن أماكن مختلفة في أركان العالم الأربعة.
-الإستنتاج الأول الذي لابُدّ من التريّث في الإندفاع نحو تعميمه، هو إستنتاج يُلخِّصه تعليق باحث سويدي: “أنّ الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط إنتهت رسميًّا بعد هذا الإتفاق الذي رعته الصين”. وتعليق آخر لباحث أمريكي مُحافِظ يقول: “لقد أزاحت الصين الولايات المتّحدة من عرشها بإعتبارها القوّة الإستراتيجية الوحيدة في الخليج”.
ولكن ،عندما نُقارن التواجد العسكري والإتفاقيات والقواعد العسكرية لأمريكا المُنتشرة في كامل الشرق الأوسط ،والعلاقات الإقتصادية والماليّة المُرتبِطة بالبترو- دولار، وإرتباط العملات الخليجيّة بالدولار الأمريكي وفوائض الخليج الماليّة في الغرب، والتسليح الغربي السائد لجيوش دول المنطقة ،عندما نُقارن كلّ هذا مع العلاقات ذات الطابع الإقتصادي للصين مع المنطقة لابُدّ أن نتعامل مع هذا التقييم على أنه مبالغة شديدة في التفاؤل.
ولكن هل من الممكن- يوماً ما- الوصول إلى هذا التقدير بإزاحة أمريكا من عرشها الشرق أوسطي الذي لم يجلب للعرب سوى التبعيّة وقليل من التقدّم ،وجلب لإسرائيل التفوّق والتقدّم؟
وهل من الممكن أن تتطلّع الصين إلى موازنته وربّما التفوق عليه؟
الجواب نعم.. ولكن يحتاج ذلك إلى إرادة سياسيّة من فولاذ للطرفين الصيني والسعودي للتقدّم في هذا الطريق رغم كلفته السياسيّة والإقتصاديّة المرتفعة المتوقّعة على كليهما من ردود الفعل الإنتقاميّة الأمريكيّة – الغربيّة إذا مضى في طريقه صاعداً إلى خطوات أبعد.
تحتاج بكين والرياض إلى وقت حتّى يُثبتا كلّ فيما يخصّه أنّهما على إستعداد لمواجهة العواقب.
كما أنّ الإتفاق لن يُوقف مسيرة التطبيع الإبراهيمي:
الإستنتاج الثالث الذي يجب الحذر والتحوّط منه ومعه هو أنّ إتفاق إيران السعودية سيُوقِف التطبيع العربي مع إسرائيل. فإذا تركنا المُكايدة السياسيّة، والحرب الأهليّة السياسيّة الدائرة بين حكومة نتانياهو وأحزاب وصحف المعارضة والتي أقامت فيها الأخيرة جنازة «حارة» للنيل منه ومن حكومته، زاعمين بأنّ
الإتفاق السعودي الإيراني قد «دفن» مسيرة التطبيع العربي التي تُعرَف بإتفاقات إبراهام. نجد أن الحقيقة تقول إنّ واشنطن ، بالتعاون مع إسرائيل ودول عربيّة ،قد خلقت خصوصاً في الأعوام الستّة الأخيرة بُنية تحتيّة لهذا التطبيع يشمل مؤسّسات سياسيّة وأمنيّة وإقتصادية ّ حيث يُمثِّل: مُنتدى النقب ووثيقته وهياكله التنظيميّة والتشارك العسكري العربي الإسرائيلي تحت القيادة المركزيّة الأمريكيّة ،نموذجاً لها ولكن يتعدّاه ثنائياً وجماعيًّا إلى صور عديدة علنيّة وغير علنيّة.
وكان لافتاً للنظر في هذا السياق أنّ التعليق الوحيد المُثير للدهشة من الرئيس بايدن على الإتفاق السعودي – الإيراني بإعادة العلاقات هو ربطه بمزيد من التطبيع العربي – الإسرائيلي في إشارة واضحةإلى أنّ الاتفاق لن يُعطِّل المسيرة التطبيعيّة.
والأخطر من ذلك كان إصرار نتانياهو – الذي لا يستطيع حتّى الساذج سياسيًّا أن يفترض أنّه لم يكن على عِلمٍ بمفاوضاتٍ إستمرّت نحو أسبوع في بكين لإعادة علاقات طهران والرياض – إصراره في نفس يوم إعلان الإتفاق صباحاً، أن يؤكِّد قائلاً: «هدفي هو تحقيق التطبيع والسلام مع السعودية، والإمكانيّات الإقتصادية واضحة.. ربْط سكك حديد المملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية عبر الأردن، بميناء حيفا.. فالأمر يتطلّب فقط إضافة 200 كيلومتر من السكك الحديديّة لربط خط أنابيب نفط مباشر من شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأبيض المتوسط عبر إسرائيل.. وهذا يعني أنّه يُمكننا تقصير إمدادات الطاقة التي تحتاجها أوروبا بشكل كبير وتجاوز قناة السويس.. أعتقد أن هذه إحتمالات حقيقيّة».
من هنا ، الأيّام القادمة ومُجريات الأحداث المُرتبطة بالإتفاق السعودي الإيراني وحدها ستُجيب عن تساؤلاتنا :أنحن أمام تغيّرٍ في خارطة الهيمنة على المنطقة العربيّة ؟
أم أنّها مُجرّد إستباقات ؟
وهل سيصمد الإتفاق بالرعاية الصينية ، أم سيُفشله الراعي الأمريكي ليعيد صياغته وفق مصالحه ؟
وهل الإتفاق برعاية الصين سيكون المؤشر والبداية لنهاية البترو_ دولار والبدء بالتعامل بالعملات الأخرى؟
وهل سقوط بنك SVB في واشنطن هو رسالة أمريكية للمودعين الخليجيين في البنك ورداً على الإتفاق ،أم أنه مجرد إنهيار دون فعل فاعل ؟
خالد زين الدين.
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.
عضو نقابة الصحافة البولندية .