طريق التلامذة المتعثّرون إلى بر الأمان ” الإبداع والإبتكار ممر إلزامي
مع الاقتراب من نهاية العام الدراسي الحالي، والشروع في خوض الامتحانات النهائية، تطفو على السطح مشاكل من نوع آخر، إذ تعيش العديد من الأسر حالات ضغط مع أبنائها لاجتياز هذه المرحلة بأمان.
واقع وضعني في مواجهة سلّة من الأسئلة والطروحات والأفكار، ودعاني لرصد إمكانية عبور أي تلميذ يتعثّر في دراسته أثناء المراحل التعليمية، بالاعتماد على مهارات ومستلزمات مناسبة وداعمة للعبور إلى بر الأمان.
منطلقات استوجبت التفكير مليًّا في الأسباب والمنطلقات والمسارات التي أحاطت وتحيط بهؤلاء الطلاّب المتعثّرين في مسيرتهم التعلّمية، ودفعتني للبحث في أسبابها ومؤدّاها. لا سيّما بعد أن قرأت تقريرًا لوقائع مؤتمر عن حال التعلّم في العالم، صدر عن منظّمات وهيئات دولية ومنها اليونيسف واليونيسكو والبنك الدولي، في 23 حزيران\ يونيو من العام الماضي 2022، وجاء فيه “إنّ عدد الطلاب الذين يفشلون في التعلّم يختلف اختلافًا كبيرًا حسب البلد، ومستوى التعليم”. ومع تأكيده على ضرورة تعريف “الفشل في التعلّم”، أضاف التقرير “أنّ بعض البلدان لديها معدلات أعلى من المتسربين أو الطلاب الذين لا يكملون تعليمهم (….) بالإضافة إلى ذلك، يشكّل اكتساب المهارات التقنية والمهارات عالية المستوى اللازمة للنجاح في أسواق العمل التي تزداد طلبًا (…) وهو ما يسهم في تنمية رأس المال البشري اللازم للنمو الاقتصادي المستدام والشامل”.
إذًا، النتائج ليست بالعابرة، وإنّما تستوجب البحث والتحرّي، من هنا بدأت الحكاية، حكاية البحث عن نماذج في العالم متميّزة في مجال التعليم تمكّنت من تحويل واقع التلامذة الذين واجهوا عثرات في حياتهم المدرسية إلى واقع مغاير تمامًا كالنموذج الذي خبرته وعايشته مع المربي المتميّز رضا شمس الدين الذي يدعو إلى تخصيص التعلّم، أي اعتبار كل طالب فريد من نوعه. وبالتالي يجب على المؤسّسات التعليمية تخصيص التعلّم بناءً على قدرات كل طالب واهتماماته واحتياجاته.
تعامل الخبير التربوي شمس الدين مع هذه الحالات ببراعة، فشعاره الذي آمن به وعمل له، تمحور حول ضرورة تعديل المناهج وطرق التدريس، لتمكّن من تلبية احتياجات التعلّم للطلاب. معتبرًا أنّه مع تخلّف الطلاب عن التعامل بمرونة وفهم للمناهج الدراسية، يزداد خطر انفصالهم عن المدرسة، ما يؤدّي إلى تسرّبهم في النهاية، وعندها نصبح أمام مشاكل من نوع آخر.
وتوالت طروحاته التي ترفض فكرة اعتبار أنّ المدارس كلّها مناسبة لجميع الطلاب، معتبرًا أنّ لكل طالب مدرسة خاصّة، أو نظام مدرسي يتناسب مع قدراته، ويتواءم مع الأنظمة التعليمية القائمة.
المفتاح وفق رؤيته، يرتكز على تحديد نقاط القوة والضعف لكل طالب، مع أهمية توفير بيئة تعليمية تزيد من إمكاناته، كما ترتكز على مشاركة الأهل بهذه العملية بحسب الضرورات والحاجات.
وفي واقع الأمر، لم تنبع رؤيته هذه من فراغ، وهو المختّص بكل ما يحتاجه التدريس الجامعي وما قبله، والمحاضر الجامعي في التدريس بناءً على أسس وبيانات علمية. ولطالما كان رضا شمس الدين مهتمًا بعلم التدريس، فمسيرته في هذا الميدان لا تقل عن العقود الثلاثة، التي عمل وسعى خلالها إلأى تطبيق المعرفة العلمية في الفصول الدراسية على الآلاف، فأسفرت نجاحات تجاوزت الـ 95%.
وبعد مرور كل هذه السنوات، إذا ما نظرنا إلى مسيرته ، نجد أنّه تمكّن من إيجاد بيئات تعليمية أفضل للتلامذة والطلاّب الذين تابع أوضاعهم التعليمية، واستطاع أن يحقّق أهدافه التي رسمها وصمّم من خلالها على جعل التعليم أفضل للجميع في محاولة جادة منه لإحداث فروقات إيجابية وملموسة في عالم التعليم والتربية .
مسار يحكمه الانفتاح على التعلّم وإطلاق العنان للابتكار لتحقيق اقصى استفادة ضمن بيئة مناسبة، تسهم في بناء القدرات، وتعزيز الكفايات والسلوكيات، بهدف ضمان الوصول إلى تعليم جيد وفعّال.
وربما يكون السير كين روبنسون، أحد أشهر المعلّمين في العالم، والذين كرّسوا أنفسهم لإصلاح المناهج التقليدية للتعليم، قد قدّم هو الآخر نهجًا تربويًا غير مألوف في طروحاته التعلّمية. إذ يرى بأنّ الإبداع ضروري للتعلّم، وأنّه يجب على المدارس أن تفعل المزيد لاستيعاب أساليب التعلّم المتنوّعة، وتعزيز التفكير التخيّلي.
يجادل روبنسون بأن نظامنا التعليمي الحالي قديم، ويحتاج إلى إعادة تصوّر من أجل تلبية احتياجات المتعلّمين. فيوضّح في كتابه “خارج أذهاننا: تعلّم أن تكون مبدعًا” كيفية وإمكانية وأهمية دور المدارس في تعزيز الإبداع والابتكار من خلال التعرّف على المواهب والاهتمامات الفردية ورعايتها، ومن خلال تعزيز التجريب والتعاون، وتوفير بيئة تعليمية ديناميكية تشجّع الفضول والاستكشاف.
نهج يشجّع الطلاب على تطوير نقاط القوة والمواهب الفردية الخاصة بهم. لذلك اقترح تطوير مناهج تدمج الفنون والموسيقى وغيرها من الموضوعات الإبداعية لتعزيز المشاركة وتعزيز ثقافة الابتكار والتجريب والتعاون كمحرّكات رئيسية لعملية التعلّم.
ما لفتني أيضًا، التجربة التي قدّمها رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، الدكتور عبد الله الكرم، الذي عمل على تقديم إطار سياسة التعليم الشامل في دبي، والتي هدفت إلى توفير فرص تعليمية متكافئة لجميع الطلاب. إن في عملية دمج الطلاب ذوي الإعاقة، أو في ما خصّ الشراكة مع القطاع الخاص، أو من خلال توفّر مصادر التعلّم الرقمية للطلاب، من خلال برنامج يهدف إلى توفير نظام تعليمي شامل يلبي احتياجات الطلاب ذوي القدرات التعليمية المختلفة. إضافة إلى التأكيد على أهمية مشاركة الوالدين في نظام التعليم الذي يشجّع الآباء على المشاركة بنشاط في تعليم أولادهم.
في الختام يتضح من الكثير من النقاط التي تطرقنا إليها أن عبور التلامذة إلى بر الأمان يتطلب مزيجًا من التدريب الصارم، والتدخّل وإعادة التأهيل من خلال أنظمة دعم وموارد إضافية، بهدف مساعدتهم على التغلب على صراعاتهم الأوّلية، وتطوير المهارات اللازمة توفير الدعم والموارد المناسبة لمساعدتهم. وبذلك سيكون متاحا لهؤلاء الطلاب المضي قدمًا لتحقيق نجاح كبير في دراساتهم وما بعدها.
1- كين روبنسون: أحد أبرز الخبراء العالميين في مجال الإبداع والابتكار في التعليم والأعمال
2- عبد الله الكرم، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي
3- رضا شمس الدين: خبير في مجال التربية والابتكار في التعليم والإدارة