السودان وقُصتها من الألف إلى الياء
* السودان : غنيّةٌ فقيرةٌ، وها هي الآن على شفير الهاوية …..
-“بلاد النوبة” هكذا كانت تُعرَف السودان قديماً، في دلالةٍ على أنّها بلاد الذهب ، والنوبة مفردة هيروغليفية تعني المعدن الأصفر ،وهو المعدن الذي أصبح عبر تاريخ البلاد سببًا في الصراعات والتي لم تنتهِ حتّى اليوم .
دخلها الأتراك في عهد محمد علي باشا بحثاً عن الذهب والرجال كما تقول المصادر التاريخيّة ، ولكن باءت المحاولات التركية بالفشل حينها،وما لبثت الأساطير حول غنى السودان بالمعدن الأصفر أن أصبحت حقيقية عندما إكتشف المٌنقِّبون ثروة هذا البلد ليصبح السودان اليوم على رأس قائمة أكبر مُنتجي الذهب في العالم ، مُحتلًّا المرتبة الثالثة عشرة عالميًّا والثالثة إفريقيًّا .
– لقد شهدت المنطقة العربية في الآونة الأخيرة العديد من الإضطرابات الإقتصادية بسبب الأزمات العالمية التي حدثت منذ جائحة كورونا, وأزمة الطاقة العالمية, والحرب الروسية الأوكرانية, مما أدى إلى إنهيار إقتصاديات أغلب الدول العربية, التي لم تفق بعد من مشكلات اللجوء بسبب الأزمة السورية واليمنية, حتى يستمرُ المشهد في التعقُد بإندلاع النزاع المُسلّح في السودان.
– فقد شهدت السودان في منتصف إبريل / نيسان من العام 2023 هجوماً من قوات الدعم السريع على قواعد ومواقع الجيش السوداني؛ بسبب رفض قائد قوات الدعم السريع حميدتي صيغة الإتفاقية التي تنصّ على عودة الجيش وقوات الدعم السريع إلى ثكناتهم, مِما أحدث خلافاً سياسيًّا على مقعد السلطة العليا للقوات المُسلّحة العسكرية بين قائد قوّات الدعم السريع وقائد الجيش السوداني.
– كما أدّى النزاع بين القوّتين إلى تدمير الحياة في السودان وإنهيار القطاع الطبي وإنتشار الهلع والخوف في شوارع الخرطوم جرّاء النزاع الطاحن بين الطرفين, دون مُراعاة القوانين الدولية التي تسمح بمرور الإغاثات وإجلاء الرعايا والأجانب.
-إنّ ما تشهده السودان الآن هو حصيلة مجموعة من السياسات الداخلية وإنعكاس لِفشل السلطة المدنيّة في مسيرة التحوّل الديمقراطي, بالإضافة إلى تدخّل القوى الإقليميّة والدوليّة للإستفادة من ثروات الشعب السوداني سواء النفط أو الذهب ،رغم أنّ هذا الشعب الغني يقع نصفه تحت خط الفقر والمرض!
– من هنا يُطرَح سؤالٌ جامع :
ما هي الأسباب والتداعيات للحرب السودانيّة في العام 2023؟
أولاً: أسباب إندلاع الحرب في السودان:
– يشهد السودان مواجهات عنيفة بين القوّات المُسلّحة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوّات الدعم السريع بقيادة الفريق أوّل محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وذلك منذ صباح يوم السبت 15 إبريل / نيسان من العام 2023 ؛ بسبب هجوم قوّات الدعم السريع على الجيش السوداني على خلفية الأزمات الداخلية الطاحنة التي تعيشها الخرطوم في الفترة الأخيرة، وعدم الإستقرار الأمني والسياسي وتدهور الوضع الإقتصادي، وتعثّر الوصول إلى إتفاق سياسي بين الأطراف المُتنازعة لحل الأزمات الداخلية, حيثُ ترجع الأزمة في السودان إلى عدد من الأسباب هي كالتالي:
أ – النزاع حول شخصية قيادة القوات المُسلّحة بين قائد قوّات الدعم السريع وقائد الجيش السوداني.
ب- تعثّر المسار الديمقراطي في السودان.
ج- الرغبة في الإستيلاء على موارد السودان.
د- وجود قوى إقليميّة ودوليّة خلف الحرب في السودان.
أ – النزاع حول شخصية قيادة القوات المُسلّحة بين قائد قوات الدعم السريع وقائد الجيش السوداني:
-لقد جمعت الصداقة والتعاون بين قائد الجيش “البرهان” وقائد قوّات الدعم السريع “حميدتي” لمدّة عقدين كاملين, فقد تعارف الرجلان خلال أزمة دارفور في العام 2003 , حيث ساعد حميدتي الجيش في التغلّب على الميليشيات في دارفور, فقد تعزّزت العلاقات بينهما في أبريل/ نيسان من العام 2019، حين إتفقا على أن مصلحة السودان العليا تقتضي، بإسقاط نظام البشير، وتشكيل مجلس عسكري لحكم البلاد، ترأّسه البرهان وقتها, كما عُيِّن دقلو في منصب نائب رئيس المجلس العسكري, لكن الخلاف بدأ بين الجانبين نتيجة التنازُع على رأس السلطة, فلم يستطع الرجلان الوصول إلى إتفاق يدمج قوّات الدعم السريع البالغ عددها حوالي 100 ألف جندي في الجيش السوداني, بالإضافة إلى الخلاف على الشخصيّة التي ستتقلّد منصب القائد الأعلى للقوّات المُسلّحة.
– فمن هو حميدتي وما علاقته بالسلطة في السودان ؟
– لم يتلقّ تعليماً أكاديميًّا، ولم ينخرط في الجيش أصلاً ، شقّ طريقه إلى القوّة والنفوذ بنفسه.
وُلِد محمد حمدان دقلو المُلقّب ب”حميدتي” في ولاية دارفور في العام ١٩٧٥، نشط في شبابه في تجارة الإبل وحماية القوافل ، فأصبح معروفاً في الممرّات والطرق التجاريّة ، حيث كان يقود مجموعة صغيرة لتأمين القوافل وردع اللصوص ، فكوَّن ثروة كبيرة وشكّل ميليشيا خاصة به .
مع إندلاع الصراع في العام 2003 ، إستقطبت ميليشيا حميدتي عناصر من الجنجويد. وقد منحه الرئيس المخلوع عمر البشير إمتيازات كبيرة ، وأطلق إسم قوّات الدعم السريع على الميليشيا التابعة له . إلّا أنّ حميدتي خيّب أمل البشير وتخلّى عنه حين إستنجد به لقمع التظاهرات . وهكذا تحوّل حميدتي – بعد خلع البشير – من تاجر إبلٍ وحارسٍ للقوافل، إلى نائبٍ لرئيس السلطة في قصر الرئاسة .
ب- تعثُّرُ المسار الديمقراطي في السودان:
– إنّ التوتّر في العلاقة بين الجيش السوداني وقوّات الدعم السريع جاءت عقب الإطاحة بالحكومة المدنيّة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2022, فقد كانت السودان تستعدّ للإنتقال لمرحلة سياسيّة جديدة تُدمج فيها قوات الدعم السريع مع الجيش تحت سلطة مدنيّة, لكن الخلاف حول السلطة العُليا في الجيش أدّى إلى تدهور الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة في ظل الحرب بين قوّات الدعم السريع والجيش السوداني.
– حيث إشتعلت النار في السودان منذ الأسبوع الأخير من شهر رمضان وحتّى الآن لم يُرَ لها رماد ، فكلّما حاول الوسطاء إخمادها تأجّجت أكثر فأكثر ، حيث يحاول وزير خارجيّة أمريكا مع المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات الضغط على طرفيْ النزاع لإنهاء القتال ، والوساطة بين حميدتي والبرهان . وقبل عيد الفطر صرّح أمين عام جامعة الدول العربيّة قائلاً: ” أستحلفكم بإسم العروبة والإسلام والإنسانيّة أن تُعلنوا وقف إطلاق النار في أيّام العيد “. إلّا أنّ دويّ الإنفجارات وتساقط قذائف الطائرات لم تتوقّف في كلٍّ من الخرطوم وأماكن أخرى خارجها . إذ يدعو المُتشدِّدون في الجيش السوداني لمُواصلة القتال دون توقّف لتحقيق نصرٍ ساحقٍ على ما يُسمَّى بقوّات الدعم السريع.
– فقد كان السودان ينتظر إستحقاقه الإنتخابي، فقد رأى البرهان أنّ الإنتقال الديمقراطي في البلاد زاح عن مساره الصحيح, وقرّر حلّ جميع مؤسّسات الفترة الإنتقاليّة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2021, دعم دقلو البرهان حينها في التحرّك الغير ديمقراطي, لكنّه عارض عودة بعض رموز نظام البشير إلى السلطة, من هنا بدأ الخلاف يتّخذ موقفًا واضحًا, ثمّ توالت الأزمات في البلاد حتّى توصّلت الأطراف المدنيّة والعسكريّة في ديسمبر / كانون الأول من العام 2022 إلى حلٍّ يقضي بتسليم السلطة للمدنيين وعودة العسكريين إلى ثكناتهم لكن الإتفاق تعثّر؛ بسبب الخلاف حول كيفيّة توزيع السلطة داخل القوّات المُسلّحة السودانيّة و شخصيّة القائد الأعلى للقوّات المُسلّحة.
– وفي عيد الفطر إختفت الأصوات المُهلِّلة بالتكبير وإرتفعت أصوات الأطفال المرعوبة من مناظر الجُثث وصدى طلقات الرصاص. فعدد الجرحى والقتلى في تزايدٍ مستمرٍّ ، وقوّات الدعم السريع تتّهم الجيش السوداني بتنفيذ غارات جويّة على أحياء سكنيّة مُختلفة في الخرطوم .
بينما ردّ الجيش قائلاً : إنّ قوّات الدعم السريع تختبئ وسط المدنيين وتستخدمهم كدروع بشريّة .
– وقد وصفت منظّمة الصحّة العالميّة ما يجري في السودان بالوضع الكارثي مع نقص الغذاء والدواء والوقود . ومنظّمة الصليب الأحمر الدولي تكرِّر نداءها وإستغاثتها حيث أنّها عاجزة عن توصيل المساعدات والدعم الطبي للجرحى بسبب شدّة الحرب . فالطرفان المُتصارعان لم يتركا فرصة للمدنيين لإلتقاط الأنفاس ، لذا يفرّ السودانيون إلى دول الجوار هرباً من مصيرهم المجهول . ودول كثيرة ترسل طائراتها لإجلاء رعاياها وبعثاتها الدبلوماسيّة ، وعلى رأسها أمريكا التي سحبت مئات المُوظَّفين وأبقت رئيس البعثة فقط لمُتابعة التطوّرات.
ج – الرغبة في الإستيلاء على موارد السودان:
– لقد كان النفط هو أحد الأسباب الرئيسيّة التي أدّت إلى إنقسام السودان إلى شمال وجنوب, ولازالت الموارد الطبيعيّة مثل: خامات الحديد والنحاس والفضة والمايكا والمنغنيز والكروم والبلاتين والتالك والرمال السوداء والرخام وغيرها من الموارد, التي تزخر بها السودان هي أحد أسباب الصراع، وربّما تفتح الباب واسعاً لتغذية صراعات أهليّة أُخرى, خصوصاً مع تساهل الدولة في مسألة التعدين الأهلي والإستنزاف المستمرّ الناتج من الإستغلال المُفرط, وفي ظل حكومات هشّة لا تستطيع إستثمار الموارد الطبيعيّة لصالح الشعب السوداني.
– إذ يُعَدّ الذهب في الحرب الحاليّة بين قوّات الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الذي يضع يده على مواقع مهمّة من مناجم الذهب، أحد الدوافع الرئيسيّة التي يسعى إليها حميدتي للحفاظ على سلطته ونفوذه,حيث يحتلّ السودان المركز الـثالث عشر عالميّاً، والثالث أفريقياً في إنتاج الذهب، حيث ينتج نحو 80 طناً سنوياً، ويُمثِّل المعدن الأصفر نصف صادرات السودان ويُهرَّب حوالى 80 % من الإنتاج، بينما تُقدَّر الإحتياطات غير المُستغلّة بنحو 1550 طناً.
– ويُعتبَر ملفّ الذهب أحد الملفّات الشائكة والرئيسيّة بين كلٍّ من البرهان وحميدتي, فنتيجة العلاقة بين حميدتي وقوّات فاغنر الروسيّة التي تسبّبت في الخلاف بينهما, حيثُ تقرّب حميدتي من روسيا وقدّم لها الدعم للتنقيب عن الذهب عبر شركة فاغنر الروسيّة، وإتّفق حميدتي مع روسيا على صفقة لبناء قاعدة عسكريّة روسيّة على البحر الأحمر, لكن لم يستطع تمريرها بسبب رفض البرهان نتيجة حسابات إقليميّة ودوليّة أخرى.
د- وجود قوى إقليمية ودوليّة خلف الحرب في السودان:
لقد جذبت الثروات الطبيعيّة خاصّةً الذهب الأطراف الإقليميّة والدوليّة, التي تدعم مصالحها ومكاسبها الإقتصادية بعيداً عن إستقرار وأمن السودان, إذ تستحوذ الإمارات على أكبر نسبة من الذهب السوداني، بل إنّ الفارق بين بيانات السودان الرسمية وبيانات الإمارات الرسمية -الكميّات التي يتم تهريبها إلى الإمارات- يتراوح بين 25 % (عام 2018) و 60% (عام 2021) أو 80% (وِفقاً لتقديرات خبراء سودانيين)، نسبة إلى حجم الصادرات السودانيّة الرسميّة، بل تُباع هذه الكميّات -وكذلك مُعظم الكميّات الرسميّة- غالباً بأسعار أقل من مُتوسِّط السعر العالمي، ويُوضِّح تقرير مجلس الأمن الدولي عن السودان :أنّ نحو 48 طناً من ذهب دارفور هُرِّب إلى الإمارات خلال الفترة المُمتدّة بين عامي 2010-2014.
حيثُ تتعامل الإمارات مع قائد قوات الدعم السريع حميدتي وذراعه الإستثماري شركة الجنيد ،فتُعتبَر تكتّلاً واسعاً تتعدّد مجالاته من التعدين والحديد والصلب إلى الإستثمار والنقل, حيث كانت تبيع الذهب لشركة روسيلا الإماراتيّة، و المعاملات الماليّة كانت تجري عبر مصرف “أبو ظبي الأوّل ” ،بالتالي سوف تسعى الإمارات للإحتفاظ بعلاقاتها مع قائد قوّات الدعم السريع.
-كما تسعى الدول الغربيّة لإرساء الديمقراطية في السودان بالمساعدة في إقامة نظام حكم مدني يُقصي قوّات الدعم السريع من المشهد السياسي في السودان، هذه المحاولات من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي بغية الحدّ من دور روسيا في أفريقيا الذي تُعيده مُعظم الأدبيّات السياسيّة لعهد الحرب الباردة التي تحوّلت خلالها أفريقيا إلى ساحة معركة بين القُوى العُظمى، ومنها نشأ إعتبار بوتين الصراعات في أفريقيا طريقاً للإختراق الروسي لدول القارة.
– فما هي التداعيات الداخليّة للحرب في السودان؟
– على الرغم من أنّ أزمة الحرب في السودان إندلعت منذ فترة قريبة إلّا أنّها قضت على آمال التعافي والتحوّل نحو نظام حكم ديمقراطي مدني, بالإضافة إلى تدهور الوضع الإقتصادي وزيادة مُعدّلات التضخّم والبطالة, وتراجع أسعار صرف العملات الوطنية. فإذا لم ينتهِ الصراع المُسلّح في السودان في أقرب وقت، فسيكون له نتائج شديدة السلبيّة على مستوى المؤشرات الإقتصاديّة الكليّة، وكذلك على صعيد مستوى المعيشة للأفراد والأسر.
– كما أنّ السودان تُعاني من نقص شديد في الغذاء على الرغم من أنّها بلد زراعي,فثلث مساحة السودان عبارة عن أراضٍ قابلة للزراعة. فقد تأثّر قطاع الزراعة نتيجة الأوضاع الأمنيّة السيّئة حيث تحتاج الزراعة إلى الإستقرار الأمني, بالإضافة إلى ذلك تعتمد السودان على تصدير اللحوم والمواشي إلى الخارج لتوفير النقد الأجنبي, لكن في ظلّ النزاع المُسلَّح تتعثّر جميع صادرات وواردات السودان, مما يؤدّي إلى مزيد من التدهور في الأوضاع الإقتصاديّة.
– كما أثّر النزاع المُسلَّح على الخدمات الطبيّة ممّا أدّى إلى إنهيار القطاع الطبي بسبب القصف المستمر للأبنية الطبيّة .حيثُ تأثّرت جراء الإشتباكات مؤخّراً 125 مستشفى في الخرطوم، وتضرّرت أنظمة الكهرباء والماء فيها، بالإضافة إلى نقصٍ كبير ٍفي المُعدّات اللازمة لمستشفيات الأورام, كما أصدرت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانيين بياناً عاجلاً دعت فيه إلى: حماية المُنشآت الصحيّة في السودان بعد تضرّر مُستشفياتٍ عِدّة خلال الإشتباكات بين القُوّات المُسلّحة وقوّات الدعم السريع. ودعت مُنظّمة الصحة العالميةإلى إبتعاد الأطراف المُتحارِبة عن المُستشفيات وحذّرت من إنهيار المنظومة الطبيّة في السودان.
– كما أنّ الاوضاع الأمنية والعسكرية والإقتصادية المُتدهوِرة أدّت إلى زيادة أعداد الفارين من دوّامة العنف إلى الدول المجاورة حيث تجاوز العدد 100 ألف شخص. ونبّهت المُفوّضيّة السامية للّاجئين إمكانيّة فرار 800 ألف شخص في حال إستمرار المعارك, بالإضافة إلى غموض في أعداد القتلى والجرحى بسبب إنهيار النظام السياسي في السودان.
– فهل للحرب في السودان تداعيات على دول الجوار المباشر؟
– لا يمكن حصر تداعيات الأزمة في السودان على المواطنين بالداخل فحسب, فقد بدأت بوادر الأزمة في الإمتداد نحو دُول الجِوار السبع، مصر وليبيا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا وإريتريا. ولكلٍّ منها أزمة داخلية مُختلفة، وتُعاني عدم إستقرار سياسي أو إقتصادي أو تشابك قضايا إقليمية مثل سد النهضة، حيثُ تختلف الآثار السلبية جرّاء الصراع في السودان. إضافةً إلى الأثر الأهم على أمن البحر الأحمر ،ومدى إنعكاساته على التجارة الدوليّة عبر ممرّاته خاصّةً حركة الملاحة في قناة السويس.
– إذ يُطلّ السودان على وجهةٍ بحريّة مُمتدّة على البحر الأحمر بين كلٍّ من مصر وأرتيريا ، وعلى طول هذه المساحة تتمركز موانئ رئيسيّة ذات دور حيوي ،منها بورت سودان ، وهو واحد من الموانئ المهمّة جدًّا وأشهرها . يقع على بعد 680 كيلو متر من شمال شرق الخرطوم ، يضمّ موانئ مُتخصِّصة ، ويحظى بأهميّة كبيرة لدى بعض دول شرق أفريقيا غير الساحليّة مثل أثيوبيا وجنوب السودان . إذ يُصدِّر السودان عبر هذا الميناء : القطن ، الجلود ، المعادن ، كما يستقبل أيضاً سلعاً أساسيّة ومواد خام .
– إضافةً إلى ميناء السواكن ، وهو يقع في مدينة السواكن والذي يبعد 72 كيلو متراً عن جنوب بورت سودان ، إذ يتميّز بموقعه الجغرافي الإستراتيجي ، وقدرته على إستيعاب السفن الكبيرة ، كما يُعَدّ ممرًّا رئيسيًّا بين السودان ودول شرق أفريقيا .
– ميناءٌ ثالثٌ ، هو ميناء الخير والذي يقع على بُعد 2700 متر جنوب شرق ميناء بورت سودان ، حيث يُفترَضُ بأنّه ميناء نفطي يختصّ بتصدير وإستيراد المُشتقّات النفطيّة ، ويمتلك مساحة وطاقة تخزينيّة تُقدّر بأكثر من مليونين ونصف المليون سنويًّا.
– أمّا بالنسبة للميناء الرابع ، وهو هيدوب الذي إكتمل بناؤه في العام 2017 والذي يُستخدَم لتصدير الثروة الحيوانيّة والسمكيّة والخضار والفواكه .
– فكان توقُّف هذه الموانئ من أهمّ التداعيات على دول الجوار ، فضلاً عن تداعيات أخرى تختصّ بكلّ دولة على حِدى .
١- مصر:
– تنعكس الحرب في السودان على مصر بآثار سلبيّة حيثُ تُعَدُّ السودان مَورِداً رئيسيًّا للمواشي واللحوم الحيّة، وهي إحدى السلع الإستراتيجيّة لمصر، حيث تمدّ السودان مصر بنحو 10% من إحتياجاتها من هذه السلع، وهو ما يزيد الضغط على أسعار اللحوم محليًّا،حيث إرتفعت بالفعل. كما تؤدّي إلى مزيد من التضخّم في الأسواق المصريّة, إذ تحتلّ السودان المرتبة الثانية بقائمة أكبر 5 أسواق مُستقبِلة للصادرات المصريّة بقيمة 226 مليون دولار. كما تُعَدُّ السودان بوّابةً لنفاذ الصادرات المصريّة إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع إستمرار الحرب وإنعدام الأمن، سيتأثّر حجم التبادل التجاري بين البلدين. كما تتخوّف مصر من إمتداد الحرب نحو البحر الأحمر والتأثير على حركة الملاحة في قناة السويس, وهو ما ينعكس سلباً على الأقتصاد المصري الذي يُعاني بعض الأزمات في الوقت الراهن.
– كما تخشى مصر على تدفّق مياه النيل والتأثير علي حصّتها المائيّة في ظلّ أزمة نقص المياه بسبب سدّ النهضة، وزيادة عدد اللاجئين الفارين من ويلات الحرب مما يُكبِّد الإقتصاد المصري مزيداً من الضغوط الإقتصاديّة.
٢- ليبيا:
– تُعاني ليبيا من أزمات داخليّةٍ عديدة، وتُحاول توحيد المؤسسة العسكرية حيثُ تتخوّف ليبيا من تأثير الحرب في السودان على ملف ترحيل المُرتزقة إلى بلادهم, كما تتخوّف من اللاجئين في ظل عدم الإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي في ليبيا. وقد حذّر وزير الدفاع الليبي السابق محمد محمود البرغثي من : “أنّ ما يحدث في السودان – بغضّ النظر عن نتائجه النهائية – سينعكس على الأوضاع في ليبيا، نظراً لوجود حدود مشتركة هشّة أمنيًّا”. يُشير بذلك إلى أنّ عناصر الفريق الخاسر بهذا الصراع قد يجدون في هذه الثغرة ملاذاً آمناً وينطلقون منها نحو الأراضي الليبية”.
٣- تشاد:
– صرّحت الفِرق التابعة لمُفوّضيّة الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين الموجودة على الحدود بأنّه فرّ ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف شخص من المعارك الجارية في السودان بحثاً عن ملاذ في تشاد المُجاوِرة، لكن تشاد تتخوّف من تسلّل فئاتٍ مُسلّحةٍ إلى البلاد لذلك أغلقت الحدود بينها وبين السودان.
٤- أفريقيا الوُسطى:
– تُعاني أفريقيا الوُسطى من العديد من الأزمات الداخليّة, وقد تأثّرت بالصراع المُسلّح في السودان بسبب الإضطرابات الأمنيّة على طول الحدود بين البلديْنِ، فقد تضرّرت حركة المرور بينهما، ممّا أدّى إلى زيادةٍ كبيرةٍ في أسعار السلع الأساسيّة, حيث يُزوِّد السودان العديد من البلدات في إفريقيا الوسطى بالسلع الأساسيّة مثل مناطق في مُحافظتيْ : فاكاجا وبامينغوي بانغوران, كما تضاعف سعر العديد من السلع بمقدار الضعفين ممّا أدّى إلى مزيدٍ من التضخّم بالنسبة إلى بعض السلع، فمثلاً سعر كيس السكر الذي كان يزن 50 كيلو غراماً كان يُباع قبل إندلاع الحرب في السودان مُقابل 40 ألف فرنك محلي (70 دولاراً) ،صار يُباع مُقابل 80 ألفاً (140 دولاراً) بعدها, ممّا سيؤدّي إلى مزيدٍ من التدهور الإقتصادي والضغوط على معيشة المُواطنين.
٥- جنوب السودان:
– تُعَدّ دولة جنوب السودان إحدى الدول المُتضرِّرة من الصراع المُسلَّح في السودان, حيثُ تعتمد خمس من أصل عشر ولايات بجنوب السودان على سلع وبضائع مُنتجَة في السودان، وأيّة تداعيات أمنية ستؤثِّر مُباشرةً على مُجمَل الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للمواطن في جنوب السودان. تٌشارك دولة جنوب السودان جمهورية السودان في أشياء كثيرة على رأسها الشريط الحدودي الطويل الذي يربط بين البلدين, كما يتواجد بطول هذا الشريط الحدودي نسبة مُقدَّرة من سكان هذين البلدين، ويُشكِّل هذا الشريط خط الإمداد الإقتصادي للبلدين, حيث توجد فيه حقول البترول ومزارع الصمغ العربي، وأكبر مشاريع لإنتاج المحاصيل الزراعيّة والثروة الحيوانيّة خاصّةً الماشية, وسوف تتأثّر في حال إمتداد الحرب إليها, كما أُغلِق المجال الجوي الأعلى لجنوب السودان، نتيجةً لإغلاق الأجواء السودانية لأن السودان يدير المجال الجوي الأعلى لجنوب السودان، ممّا يُسبِّب المُعاناة لمُواطني جنوب السودان الذين يعتمدون على الطيران لتسهيل حركتهم من وإلى البلاد.
٦- إثيوبيا:
– أدّت الحرب الحاليّة إلى فرار عشرات الآلاف من السودانيين إلى بلدان مجاورة مثل إثيوبيا، التي لا يزال مئات الآلاف من سكانها يعيشون في السودان هرباً من الحروب هناك أيضاً, وعلى الرغم من توقيع إتفاق سلام في نوفمبر / تشرين الثاني من العام 2022 لوقف الحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي، إلّا أنّ أكثر من مليون إثيوبي لا يزالون يعيشون في السودان، ويُواجِهون تداعيات القتال الحالي في الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى, مع تعسّف السلطات الأثيوبيّة في إستقبال اللاجئين تخوّفًا من إشتعال الحرب مرّة أُخرى في إقليم تيغراي الأثيوبي.
٧- إريتريا:
– تتخوّف إريتريا كغيرها من البلدان المجاورة من إستقبال مجموعات مُسلَّحة وتَوغّلها داخل إريتريا.
– إستناداً إلى ما تمّ ذكره، ما هي ردود الأفعال الدوليّة والإقليميّة على الأزمة في السودان؟
– تباينت ردود الأفعال الإقليميّة والدوليّة وفق مصالح مُعيّنة سواء أكانت مكاسب إقتصادية أو تأثيرات سلبية للصراع في السودان كالتالي:
– أ- ردود الأفعال الإقليميّة:
– تُعَدّ دول الجوار المُباشِر الأكثر تضرّراً من الصراع المُسلّح في السودان, لذلك دعت مصر وليبيا وجنوب السودان إلى ضرورة التوصّل إلى إتفاق سلام يُساهِم في دعم عمليّة الإستقرار في السودان وتأمين أرواح المدنيين, فقد شاركت مصر وبنشاط في الوساطة بين الجيش السوداني وقوّات الدعم السريع، عبر مُخاطبة الطرفين لإحتواء الأزمة والتوصّل إلى إتفاقٍ لوقف إطلاق النار, الدافع الأساسي لمصر هو منع إندلاع حربٍ أهليّة واسعة النطاق في السودان، ممّا قد يؤدّي إلى تدفُّق اللاجئين ، وإنتشار الجماعات المُسلّحة ويؤثِّر سلبًا على الأمن المائي في مصر.
– بينما لعبت الإمارات العربية المُتّحدة وبعض الدول الخليجية دورًا مُهمًّا في الشأن السوداني، لا سيّما في دعمهما لقوّات الدعم السريع, وقد قدّما مُساعدات ماليّة وعسكريّة لهذه القوّات، لاسيّما وأنّها جزء من ضمن قوّات التحالف في حرب اليمن ،حيث شارك جنود سودانيون كان معظمهم من الدعم السريع إلى جانب التحالف في القتال ضد حركة أنصار الله الحوثيّة، الأمر الذي عزّز قُدرات الدعم السريع ماليًّا وعسكريًّا.
-ب – ردود الأفعال الدوليّة:
– تتغلغل المصالح الروسيّة في السودان بسبب تواجد قوّات فاغنر الروسية التي تؤمّن مناجم الذهب، كما تمتدّ إلى شرق السودان المُطلّ على البحر الأحمر؛ حيث تسعى روسيا منذ سنوات إلى تدشين قاعدة عسكريّة في بورت سودان، بحيث ترسو السفن الروسيّة الحربيّة وتُسيطر على واحد من أكثر الممرات البحريّة كثافة وأهميّة في العالم, حيثُ تدعم روسيا قائد قوات الدعم السريع حميدتي.
– بينما ترفض الولايات المُتّحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي التواجد الروسي في السودان, كما أنُها تدعم الجيش بقيادة البرهاني لمواجهة التوغّل الروسي في السودان, بينما دعت الصين إلى ضرورة تغليب مصلحة الوطن فوق المصالح والأهواء الشخصيّة.
– ففي حرب السودان… أمريكا تستعد للتدخل والعرب يريدون وقف الحرب وروسيا تريد إشعالها !
– السعودية تقول: أرجوكم هذا ليس وقت الحرب، ومصر كل ما تُريده الآن ألَّا يشتعل السودان، وأمريكا ستفعل كل ما بوسعها لمنع السقوط.
وحدها روسيا فرحت بما يجري، والأسباب وفيرة ……
– رُبّما يعتقد البعض أنّه هنالك مصلحةً في خراب الدول وسقوطها وإشتعال الأزمات فيها، وربما هذا قد يكون صحيحًا إلا في حالة السودان ، فالكل خائف من السقوط والجميع يخشى إنفجار البركان وهنا سنُخبرك لماذا.
– لكن قبل ذلك سنستعرض سريعًا مواقف الأطراف المؤثّرة والدول الكُبرى الفاعِلة في العالم؛ ولأنّ الأقربون أولى بالمعروف، سنبدأ بالعرب وعلى رأس القائمة أكبر البلاد العربيّة، أي مصر:
– فبدايةً حدود المصريين تقريبًا مُلتهبة في كلّ الجهات، وآخر ما ينقصها إشتعال نار في الجنوب ستُفجِّر عديد الملفات التي ستزيد الضغط على المصريين، على رأسها ملف أزمة سدّ النهضة الأثيوبي التي تُعَدّ الخرطوم شريكة القاهرة فيه.
– ثمّ ملف اللاجئين السودانيين الذين بدأوا بالتدفُق إلى أراضي المصريين؛ وهذا حملٌ سيزيد أحمال القاهرة.
– وأيضًا ملفّ المسلحين والجماعات المتشدِّدة الَّذِي سيقوى في حالة الفوضى.
– ويُضافَ إلى ذلك كله لا يرغب المصريون بأن تتفتّت جارتهم الجنوبيّة وتصبح مرتعًا للاعبين كُثُر قد يكون من بينهم من لا يحبون الخير لمصر وأهلها؛ لذا من مصلحة المصريين ألَّا ينفجر البركان في الجنوب.
– وذات المصلحة تسعى لها المملكة العربية السعودية التي جعلت ملفّ السودان وإستقراره على أولويات ملفّات القمّة في جدّة ، والحديث هنا عن قمّة العرب التي إستضافتها المملكة، بل حَتَّى أنهم إستبقوا القمّة بإقناع طرفيْ النزاع بإجراء محادثاتٍ مباشرةٍ تستضيفها مدينة جدّة السعوديّة، فالسعوديون الآن يقودون إستراتيجيّةً جديدةً على رأس أولوياتها تصفير المشاكل في المنطقة، وقد وقّعوا مؤخّرًا إتفاقًا مع الإيرانيين يُنهي سنوات من العداء ويستعدّون لإخماد نار اليمن المُستعِرة، كما يقودون جهودًا عربيةً لإعادة سوريا للعرب وبدأوا يتفاوضون لإيجاد حلٍ في لبنان.
وآخر ما يريده السعوديون أن تشتعل حربٌ في السودان التي تبعد عنهم مسافة بحر، فهذا وإن حصل يعني أن يشتعل هذا البحر الَّذِي تعتاد عليه الرياض كممرٍ تجاري، وهو الطريق الَّذِي سيحمل مشروع المملكة الجديد وتحديدًا إلى نيوم ، المدينة الجديدة التي يبنيها السعوديون، وإشتعاله يعني إغلاق الطريق، وفي هذا الهاجس يحضر ما جرى قبالة شواطئ الصومال حين إنهار البلد ونشطت حركة شباب المُجاهدين كقراصنة في البحر كادوا يُعطِّلون حركة التجارة في المضيق، وسقوط السودان أو إنفجاره يعني سيناريو مماثلًا قد يُحبِط عمل السعوديين نحو رسم ملامح منطقةٍ جديدة أبرز إهتماماتها : الإقتصاد.
– ومثل السعودية ومصر كذلك الإمارات وإن طاب للبعض تصويرها على أنها تميلُ لطرفٍ على حساب آخر، إلَّا أن الحقيقة هي وقوفها هي الأخرى على الحياد، بل هي أحد أعضاء اللجنة المُكلّفة بإيجاد حلٍّ لما يجري في السودان، وهذا تحديدًا ما تريده أبوظبي؛ تريد حلًّا وليس مزيدًا من التعقيد.
– ولهذه النوايا أسبابها بالتأكيد، على رأسها العلاقة الإستراتيجية التي تجمع أبوظبي بالقاهرة ومصالح الطرفين المشتركة، كما للإمارات مصلحةٌ ببقاء البحر الأحمر هادئًا لكونه معبرًا تجاريًا يُؤدي إليها، بالإضافة لما تمتلكه الإمارات ودول الخليج الأخرى من إستثماراتٍ في بلاد السودانيين، بالتأكيد إندلاع حربٍ سيوقفها ويُضيع جهود الخليجيين والسودانيين في التنمية.
– وبعيدًا عن المحيط دول من وراء أعالي المحيطات هي الأخرى لا ترغب بالوصول إلى السيناريو الأسوأ على رأسها أمريكا التي وإن تُعَدّ البلد الَّذِي يفرح بمصائِب الآخرين ولطالما تسبّبت بها وتغلّبت عليها، إلا أنها حاليًّا لا تُريد سقوط بلاد السودانيين.
وهي التي كان السودان خارج نفوذها وسيطرتها لعقود في زمن البشير، وقد بدا أنه عاد ليدور في فلكها بعد سقوطه، لكنها لم تفرح كثيرًا؛ حيث سريعًا إنزلقت الأوضاع لما هو أسوأ، وهذا الأسوأ قد يتسبّب بخسارة لواشنطن التي كانت قد أغلقت ملف السودان وأطمأنّت لكونه بات حلقةً في سلسلةٍ بيد الأميركيين، حَتَّى أنها قادت السودان لإنجاز إتفاق سلام مع إسرائيل، والآن مع التهديد بسقوط السودان يعني خروجه عن السيطرة، وقد يتحوّل إلى مرتعٍ وحضنٍ لجماعات تكره واشنطن كما حصل في العراق وقبل ذلك في أفغانستان، وهذا أمرٌ لا يريده الأميركيون حاليًا.
– أما السبب الأبرز فيتعلّق بروسيا، فأمريكا تُدرِك أن ما يجري حاليًّا في السودان من صراع هو بمصلحة عدوّتها موسكو، لذا الأميركيون لا يريدون أن يسقط السودان، لذا هم أيضًا يقودون جهوداً مع العرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
– ووحدها روسيا التي تقف وتتفرّج وربّما في قلبها تتمنّى إشتعال مزيدٍ من النيران ليس كرهاً بالسودانيين بقدر ما هو تحقيقٌ لمصالح الروس.
– فعلى رأس مصالحهم أن تندلع أزمات في العالم تُخفِّف الضغط عن أزمة حربهم على أوكرانيا، أما الأولويّة التالية للروس فهي قوات فاغنر التي بات من المعلوم أنها تتغذى وتنشط في مناطق الصراعات والأزمات، وتحديدًا في إفريقيا، أصبح لهذه القوات صولات وجولات ودول لها بها مناطق نفوذ، وبفعل الصراعات الداخلية لبعض دول القارة السمراء تمدّدت فاغنر في القارة كما حصل في أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا، وربما في ساحل العاج، وربما القافلة تمتد للمزيد، هذا من ناحية.
– ومن ناحيةٍ أخرى تمدُّد فاغنر لا يعني فقط مناطق نفوذٍ جديدة للروس، وإنما مصادر رزقٍ أيضًا؛ حيثُ تتمدّد هذه القوّات وتضع أيديها على مناجم لمعادن نفيسة وثمينة وتُغذي خزائنها، ما يعني أن مصائب الآخرين هي فوائد للروس.
– وتحقيق فوائد لروسيا حاليًا هذا أمر لا يُحبِّذه الغرب ولا يريدون حصوله. لذا تَوافَقَ الجميع تقريبًا عربًا وغربًا على أن لا مصلحة لأحدٍ بإنفجار الأوضاع في السودان، ولا يوجد أحد يريد مزيدًا من تأزّم الصراع والأوضاع بإستثناء الروس.
– فما هي السيناريوهات المُستقبليّة المُحتملة للحرب في السودان؟
– لقد وصلت الأزمة في السودان إلى مُنعطف خطير في ظل تباين المصالح الدوليّة والإقليميّة في السودان, وإختيار أطراف النزاع خيار القوّة العسكرية, من هنا يُتوقَّع سيناريوهات عديدة في ظل الصراع المُسلَّح الدائر لكن حتماً “السودان الخاسر الأول في كل الحالات” كالتالي:
السيناريو الأوّل: إنتصار قوّات الجيش السوداني بقيادة البُرهان. إذ
يُتوقَّع زيادة الدعم لقوّات الجيش السوداني خاصة من الولايات المتّحدة والقُوى الغربية التي ترغب في تحجيم التوغّل الروسي, حيث ترغب العديد من الجهات سيطرة الجيش على مقاليد السلطة وإعادة الإستقرار للسودان.
– السيناريو الثاني: إنتصار قوات الدعم السريع.فعلى الرغم من أنّ الجيش السوداني يتفوّق من ناحية الموارد بما في ذلك القوّة الجويّة ولديه قوّات يُقدَّر قوامها بنحو 300 ألف جندي، فقد تطوّرت قُوّات الدعم السريع في السنوات الماضية, فقد شاركت في حرب دارفور واليمن لمُقاتلة قوات الحوثي, وأصبحت قوّة مُجهّزة جيّداً قوامها 100 ألف تقريباً مُنتشرة في البلاد .فمنذ أن بدأ القتال تنتشر في أحياء وأنحاء العاصمة, بالتالي من المُرجَّح إنتصار قوّات الدعم السريع في حال تعزيز قدراتها العسكرية واللوجستية من قبل أطرافٍ لها مصالح مع حميدتي.
– السيناريو الثالث: حلّ تقاسم السلطة في السودان.إذ تدعو الصين ومصر وليبيا وبعض الدول الأخرى إلى ضرورة التفاوض وتقاسُم السلطة من أجل نزع فتيل الحرب في السودان حتى لا تتفاقم الأمور إلى حدٍّ يصعب السيطرة عليه.
– السيناريو الرابع: تصاعُد حِدّة النزاع المُسلَّح بين قوّات البرهان وحميدتي.إنّ الأمور تشير إلى إتجاه السودان نحو نفق مُظلِم تحت وطأة الحرب بين الجيش بقيادة البرهان وحميدتي, فليس من المُرجّح الوصول إلى حلٍّ يُرضي الطرفين فقد غابت مصلحة البلاد وأضحى كلّ طرفٍ يُفكِّر في إنتصاره الشخصي, مع إستمرار إنهيار السودان إقتصاديًّا وصحيًّا ،وأصبح التعافي درباً من دروب الخيال في المرحلة الحاليّة.
– هناك إحتماليّة تحقُّق السيناريو الأوّل والثاني والرابع ويبقى السيناريو الثالث “الوساطة” بعيد المنال في ظلّ الأوضاع الحاليّة, نتيجة تشابُك المصالح سواءً على المُستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدُوَلي.
– إنّ النزاع المُسلّح في السودان يكمن في التنازع حول السلطة السياسية, نتيجة فشل القُوى المدنيّة في إبعاد العسكريين عن السُلطة السياسيّة في البلاد, كما يُوضِح النزاع مدى تهاوي العقيدة العسكرية في السودان, فتَكَوُّنُ فِرَقٍ ومليشياتٍ غير مُدمَجة في الجيش السوداني كان أحد أسباب تنامي قوّة وقُدُرات قُوّات الدعم السريع, إنّ ما يحدث في السودان هو إنعكاسٌ لحالة الفساد السياسي, والإقتصادي, حيثُ تذهب موارد الدولة لتعزيز قوّة عسكريّة وقوّة عسكريّة مُضادة, في ظلّ معيشة الشعب السوداني تحت خط الفقر والمرض بالرغم من الثروات الإقتصادية المُتعدِّدة التي يمتلكها الشعب السوداني.
– كما أنّ الحسابات الخارجيّة لعبت دورًا سلبيًّا في وصول السودان إلى حدّ النزاع المُسلَّح, حيث تسعى روسيا والإمارات ودولٍ أخرى إلى السيطرة على أكبر كميّاتٍ من الذهب وتدعم قوّات الدعم السريع من أجل الحفاظ على إمتدادات الذهب التي تُسيطر عليها قوّات الدعم السريع, على حساب الجيش السوداني.
– في حين تدعم الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي الجيش السوداني بُغية إقصاء روسيا عن المشهد السياسي في السودان حيثُ تسعى روسيا إلى إقامة قاعدة عسكريّة على البحر الأحمر, هو ما رفضه الجيش السوداني بقيادة البُرهان, من هنا سيبقى السودان في نزاعه المٌسلَّح في ظلّ غياب قوّة سياسيّة مدنيّة حكيمة تقود البلاد نحو الأمن والإستقرار, ولن تلتقي مصالح حميدتي والبُرهان سواء على المُستوى الداخلي أو الخارجي, وسيظلُّ السودان يُعاني لفترات عواقب دخول البلاد في النزاع المُسلَّح مرّة أُخرى, مع إحتماليّة تفاقم الوضع إلى حرب أهليّة شاملة تجوب أرجاء البلاد, في ظلّ المُعطيات الحاليّة.
فهل كل ما ذكرناه من تسلسل للأحداث وتضارب للمصالح سيكون درساً للشعوب للإنقلاب على العسكر والميليشيات لصالح بناء دول مدنية حضارية مستقرة ؟
وهل ما حصل في روسيا من قبل فاغنر والسودان من قبل الدعم السريع سيكون أيضاً درساً للعالم بأن الوكيل سينقلب يوماً على السلطة العسكرية النظامية والمدنية والقضائية وفقاً لمصالح شخصية ومالية ؟
خالد زين الدين.
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل .
عضو نقابة الصحافة البولندية.