الأسرة الرّقميّة
الأسرة الرقمية طوفان إلكتروني
حسين أحمد سليم آل الحاجّ يونس
باحث، مهندس محلّف لدى محكمة بداية بيروت، وفنّان تشكيلي دولي، عربي من لبنان
غالبيّة أنواع الأسر البشريّة الإنسانيّة… النّواتيّة، الممتدّة، الدّمويّة، المُتّصلة، التّوجيهيّة، الإنجابيّة، الزّوجيّة، الوصائيّة، المنزليّة، الذّرّيّة… حفاظًا على تفعيل النّظام الأسري الإنساني المجتمعي، وتحقيق دوام الوجود البشري الإجتماعي التّواصلي، وتعزيز وظائف الأسرة البشريّة، عاطفيّا ونفسيّا وتربويّا وثقافيّا وإبداعيّا، وتمتين خصائص الأسرة المتماسكة، تواصليّا وتعبيريّا وتقديريّا وروابطيّا، وتمتينًا لأهداف الأسرة، وتكافلاً وتكاملاً لأحكام الأسرة، مودّة ورحمة وتعاونًا، ومحاربةً واعية للتّفكّك الأسري…
أصبح إستخدام تطبيقات وسائل وبرمجيّات التّواصل الإجتماعي، واقعًا في التّجمّعات الأسريّة الإفتراضيّة الفيسبوكيّة، فرضته التّحوّلات الكبيرة في تطوّر تقنيّات الإتّصال الرّقمي الإلكتروني، كالواتس آب والمسنجر والأنستغرام والتّليغرام والفيس بوك المواقع العنكبوتيّة وغيرها… وفق تأطير إجتماعي إنساني، لأسلوب هذا التّواصل، تحقيقًا لأهداف وغايات إيجابيّة، تجمّعت وتآلفت في مجموعات ضمن منصّة تطبيق الواتس آب أو غيره، لتحقّق قيمة التّراحم والودّ والمحبّة والأخوّة والأنسنة، التي أمرنا بها الله تعالى، عبر مصداقيّة الإيمان بوحدة وجوهر الأديان، وآخرها ديننا الحنيف…
ولكن في بعض الأحيان قد تؤدّي هذه التّجمّعات إلى التّباعد بدلاً عن التّقارب، بسبب الإستخدام غير الموضوعي، وغير الهادف، وغير المبني على أسس أخلاقيّة كريمة… وهو ما يتطلّب الوقوف من الفرد على مسافة واحدة، من الجميع في مشاركاته وتعليقاته، ويولي اهتماماته بالجميع دون تفريق، حتّى لا يولّد إحساساً نفسيّاً لطرف ما…
فلتطبيق الواتس آب إيجابيّات كثيرة، وتوجد ثغرات بداخله تجعله عرضة للقرصنة، وتطبيق الواتس آب، هو أحد أشهر تطبيقات وبرمجيّات وسائل التّواصل الإجتماعي، لأنّه يمثّل حلقة الوصل في كلّ وقت، وكلّ مكان، على الصّعيدين الشّخصي والفردي والجماعي والعملي والوظائفي والخدماتي والتّربوي…
فهو تطبيق رقمي سلس، وسهل، وسريع للتّواصل بين الأهل والأصدقاء، القريبين منهم والبعيدين على حد سواء…
لكن عندما يُساء إستخدامه، يتحوّل غير نافع ومضرٍّ، وأثبتت الأبحاث والدّراسات، أنّه يؤثّر وبشكل قوي على العلاقات الإجتماعيّة بين الأهل والأصدقاء، حيث يقلّل بشكل كبير الإتصال الشّخصي المباشر بينهم، وقد يُصيب المسيء إستعماله بالإنعزال عن العالم الخارجي، والتّقوقع حول نفسه، وهذا شيء غير مرضٍ للجميع...
ومن سيّئاته التّطفّل على خصوصيّات الآخرين، ونشر محادثات غير مرغوبة، وصور أو عرض مقاطع فيديو، وإزعاج، علاوة على وجود قراصنة وهاكرز قد يتمكّنون من الدّخول إلى خصوصيّات الآخرين وإستغلال ما فيها من صور ومعلومات...
الواتس آب هو تطبيق مراسلة فوريّة، يُستخدم عبر أنواع عديدة من أجهزة الهواتف الذّكيّة وأجهزة الحواسيب… ويُعتبر الواتس آب أحد أكثر تطبيقات المراسلة الفوريّة إنتشاراً وشيوعاً في العالم؛ نظراً إلى كونه مجّاني، ويُمكن إستخدامه للتّواصل مع المُستخدِمين الآخرين، من خلال شبكة البيانات الخلوية الموجودة عبر هاتف المُستخدِم أو من خلال شبكة الواي فاي…
أُطلِق تطبيق الواتس آب في شهر شباط من العام 2009م، من قِبل كلّ من بريان أكتون وجان كوم، اللذين كانا موظّفين سابقين لدى شركة ياهو، وصدر التّطبيق أوّل مرّة في متجر تطبيقات هواتف آيفون في شهر آب لعام 2010م، واعتمد التّطبيق على عرض حالات للمُستخدِمين، بجوار الأسماء الموجودة عبر هاتف المُستخدِم؛ كوسيلة تواصل بين الأشخاص عوضاً عن الرّسائل النّصّيّة العاديّة، ونجح تطبيق الواتس آب في الحصول على إعجاب المُستخدِمين… وتوالت التّطويرات والتّحسينات وإضافة المزايا إلى هذا التّطبيق، كإطلاق خدمة الدّردشة الجماعيّة، وخدمة إرسال الرّسائل الصّوتيّة عبر التطبيق. وإمكانية معرفة حالة وصول الرّسائل وقراءتها من قِبل المستخدمين الآخرين؛ وذلك من خلال العلامات التي تظهر بمحاذاة الرّسالة المُرسلة عبر التّطبيق…
ويُوجد العديد من الخدمات التي يُوفرها تطبيق الواتس آب لمُستخدِميه، ومن هذه الخدمات: المكالمات الصّوتيّة والمرئيّة الفرديّة والجماعيّة. الدّردشات النّصّيّة. الدّردشات الصّوتيّة. مُشاركة الوسائط المُتعددة كالصّور ومقاطع الفيديو، وإرسالها للمُستخدِمين الآخرين عبر الرّسائل، ومُشاركة وإرسال المُستندات المُختلفة؛ كملفات (PDF) على سبيل المثال. الوصول إلى سطح المكتب لمُستخدِمي أجهزة الكمبيوتر…
ويتضمّن الواتس آب العديد من ميّزات الأمان والخصوصيّة، التي من شأنها حماية حساب المُستخدِم، وتأمين كلّ الرّسائل الواردة والصّادرة إلى حساب المُستخدِم على الواتس آب، ولا يُمكن لأيّ جهة أخرى حتّى الواتس آب نفسه قراءة تلك الرّسائل والإطّلاع عليها، وإمكانية جعل الحساب خاصّاً ليظهر لجهات اتّصال مُعيّنة فقط دون غيرها، ويُوفر الواتس آب إمكانيّة تفعيل بصمة الوجه والإصبع لفتح التّطبيق…
ويُعتبر تطبيق الواتس آب أحد أكثر تطبيقات المراسلة الفوريّة انتشاراً وشيوعاً في العالم، حيث يُستخدم هذا التطبيق بشكلٍ فعال من قِبل ما يزيد عن 2 مليار مُستخدم في الشهر الوحد…
ويًقدّم الواتس آب خدمة تُعرف بواتس آب الأعمال، ويُوفّر لمُستخدِميه من أصحاب الأعمال إمكانيّة التّفاعل مع العملاء بشكل سهل ومُيسّر، بإنشاء الرسائل والرّد على رسائل أخرى بشكل تلقائي وسريع. وإنشاء ملف تجاري خاصّ بالشّركة أو الجهة المالكة للحساب، حيث يظهر خلاله عنوان الشّركة، وموقعها، وأيّ معلومات أخرى هامّة عنها، ويتميز بإمكانية تسمية المُحادثات والرسائل لتنظيمها؛ بحيث يكون العثور على أيٍّ منها أمراً سهلاً، وإمكانية استخدام تطبيق واتس آب الأعمال كحساب واتس آب عادي؛ بإنشاء المُحادثات، وإرسال الصّور، وغيرها من الخدمات التي يُوفّرها تطبيق الواتس آب العادي…
وللواتس آب بعض الإيجابيات التي يُمكن للمُستخدِم الحصول عليها عند استخدام تطبيق الواتس آب: كالإستخدام التّشفيري الآمن. ودعم الفلاتر والتّعديل على الصّور واستخدام الفلاتر قبل إرسالها عبر التّطبيق. سهولة الاستخدام. إضافة رسائل للمفضّلة لتمييزها عن غيرها، وتسهيل العودة لقراءتها لاحقاً. إمكانيّة التّراجع عن الإرسال بعد إرسالها لمُستخدِم آخر؛ وذلك من خلال خيار الحذف. عدم ظهور الإعلانات. أشكال التّواصل المُختلفة، كالرّسائل النّصّيّة والصّوتيّة، والمكالمات الصّوتيّة، ومكالمات الفيديو...
وللواتس آب بعض السّلبيّات التي تنطوي على استخدام تطبيق الواتس آب: كعدم الرّقابة على المحتوى، وهو ما يتسبّب أحياناً بوصول محتوى غير مرغوب به للمُستخدِم. الإضافة التلقائيّة إلى المجموعات، وهو ما يُعدّ مُزعجاً لبعض المُستخدِمين. تحديد حجم الملفّات، التي يُمكن مُشاركتها وإرسالها خلاله…
فالواتس آب، هو تطبيق برمجي رقمي إلكتروني، وسيلة تواصل إيجابيّة، وليس سيلة هدم ودمار للعلاقات الإجتماعية بين الأفراد…
ومع إختراق التّكنولوجيا للبيوت، وإنتشار الإنترنت بالمنازل، أصبح هناك تبدّل كبير في سلوكيّات النّاس على مستوى المجتمع، وفي نطاق الأسرة الضّيقة والواسعة والعائلة وسكّان المبنى الواحد، والحيّ والقرية والبلدة والمدينة… الأمر الذي ألقى بظلاله على العلاقات داخل أفراد العائلة، بسبب الإستخدام الخاطيء لتلك التّكنولوجيا، ما خلق حالة من الفتور والبرود داخل الأسرة النّواة أو الممتدّة…
فالتّواصل الرّقمي، والإنترنت أصبحا جزءًا أساسيّا من الحياة الإجتماعيّة والعائليّة، ينبغي قبولها ولا مجال لرفضها، أو حجبها عن أفراد الأسرة وخاصّة جيل الشّباب من كلا الجنسين… والتّكنولوجيا الرّقميّة، وبعض وسائل التّواصل الإجتماعي مثل الواتس آب، أصبحت طريقة للتّواصل ما بين الآباء وأولادهم بمرحلة المراهقة، والعلاقات الأسريّة السّليمة والتّواصل بين أفراد الأسرة، يتطلّب إعطاء الوقت الكافي والحقيقي لها… غير أنّ واقع الحال، يشير إلى فوضى وهدرًا للوقت، في إستخدام التّواصل الرّقمي، عبر الإنترنت من قبل جميع أفراد الأسرة وأهمّهم الأبّ والامّ… وغرق أفراد الأسرة في الطّوفان الرّقمي، يشكّل مخاطرة كبيرة، ومجازفة تؤدّي لفقد الأطفال قدرتهم على التّواصل الإجتماعي، واستعمال لغة الجسد والتّعاطف خارج الأسرة الرّقميّة…
وقد نتج عن فوضى التّواصل الرّقمي عبر الإنترنت، فقدان لخصوصيّة مفهوم الأسرة التّقليدي؛ المكوّن من الوالدين والأطفال الأبناء، الذين يسكنون منزلاً وتربطهم علاقات تربويّة وإنمائيّة جسديّة ونفسيّة سليمة… والإدمان على الإنترنت هو مشكلة نفسيّة تستدعي العلاج، ويتمثّل بظهور الأعراض الانسحابيّة، كالتّوتّر والقلق والخوف والأنويّة والحدّيّة والنّرجسيّة وجنون العظمة والعدائيّة، لدى محاولة الإبتعاد عن الأجهزة الموصولة بالإنترنت…
والإستخدام الخاطيء للإنترنت، وغير المنضبط والمبرمج بدقّة، يؤثّر على جميع الأفراد الأسريّة، فالتّفاعل الإجتماعي الحقيقي يحمي العلاقات الفعليّة، على عكس العلاقات الإفتراضيّة…
والتّكنولوجيا جعلت التّواصل يفقد روحه، كذلك الإنطوائيّة والإكتئاب، وهو ما أحدث شرخًا في البيئة الأساسيّة في الأسرة وعمّقها، رغم أنّ الأساس بأن تكون مبنيّة على الحبّ والإهتمام والمودّة والرّحمة…
فالمجتمع أصبح قائمًا على العلاقات التّكنولوجيّة، والإستخدام لم يعد محصورًا على فئة معيّنة بل يشمل الجميع بكافّة الأعمار والطّبقات… فللتّوعية أهمّيّتها في طريقة إستخدام التّكنولوجيا، ومعرفة مخاطرها، والتمييز بين سلبيّاتها وإيجابيّتها، حتّى لا يصل الشّخص لمرحلة الإدمان من خلالها، والتّسبّب بفجوة كبيرة داخل الأسرة الواحدة…
هذا… ويتميّز التّواصل الإلكتروني عمومًا، بخدمة تحديد المكان عبر الخارطة الإلكترونيّة، حيث لم تعد هناك حاجة للوصف الكثير وغير الدّقيق، فبمجرّد إرسال خارطة إلكترونيّة يستطيع أيّ فرد من أفراد الأسرة، تحديد الهدف والوصول إليه بدقّة متناهية… وعلى الأبّ أو الأمّ أو الإخوة زرع الإيجابيّة، لدى أفراد الأسرة من خلال نقل أو صياغة العبارات المحفزة، أو التي تتناقل عن تطوير الذّات، ومن خلال العناوين التي يفترض اختيارها بدقّة، لمجموعة الأسرة في الواتساب…
فجميل أن يقوم الأبّ أو تقوم الأمّ بإنشاء مجموعة خاصّة للعائلة على تطبيق برنامج الواتس آب، بإدارة مميّزة ومرحة ومتّزنة…
ويعتبر الواتس آب وسيلة تعليم في غاية الأهمّيّة، فهو يُنمّي مهارات الكتابة والطّباعة والإملاء والقراءة السّريعة للأطفال، كما أنّه يمكن أن يُستخدم لتعليم لغات أخرى أو الإستزادة من مختلف العلوم، إضافة إلى النّقل السّريع للأخبار وخاصّة بين أفراد الأسرة الواحدة…
ومن خلال وسيلة الإتصال الإلكتروني الواتس آب، بالإمكان تصوير مقاطع الفيديو أو الصّور وإرسالها، لتكون الصّور أكثر وضوحًا، كما يمكن وضع الرّوابط التي تحيل إلى مواقع للتّعلّم أو مواقع إخباريّة إجتماعيّة ترفيهيّة…. و يحتوي الواتس آب على خاصّيّة الرّموز، التي توضّح حالة المرسل فيما لو كان مبتسمًا أو غاضبًا أو متعجّبًا وغيرها من الرّموز الكثيرة، التي يستخدمها البرنامج…
ووعيًا بأهمّيّة وكيفيّة التّواصل من خلال الوتس آب، يجب التّقليل من الموضوعات المنقولة لأنّ هذا يشير إلى التّميّز. وعدم نسيان شكر المتواصل الآخر، والرّدّ عليه بكلمات الثّناء التي يستحقّها. والحرص على الرّدود الجادّة المتعلّقة بالموضوع، ودون مقدّمات. والإبتعاد عن الرّدّ القاسي والمجاملة… وعلى الأسرة النّاضجة الوعي الثّقافي المجتمعي، الإهتمام بالرّسائل التي ترسلها للأبناء من خلال الواتس آب، وأن تعي أن الحروف المكتوبة تنقصها لغة الجسد، لذا تُستخدم الرّسائل للإيجابيات…
ومع كلّ هذه الإيجابيّات، التي لا تغني أبدًا، عن جلوس أفراد الأسرة مع بعضهم البعض، في مشاركة ودّيّة مودّة ورحمة، سواء كان طعامًا أو حديثًا أو نزهة أو تناول شاي في الهواء الطّلق…