قراءات في كتاب “لن تذبل الأزاهير” للنّاقد الشّاعر علي سليمان يونس

بقلم: حسين أحمد سليم باحث و مهندس فنّان إشراقي، عربي لبناني من بلاد بعلبك

قراءات في كتاب “لن تذبل الأزاهير”
للنّاقد الشّاعر علي سليمان يونس
بقلم: حسين أحمد سليم الحاج يونس

رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة
باحث و مهندس فنّان إشراقي، عربي لبناني من بلاد بعلبك


هو أديب و شاعر و ناقد، عربي من بلاد بعلبك البقاعيّة اللبنانيّة، أستاذ تربوي خبير و عريق و مخضرم… توّاق إلى حركة فعل التّجديد الحداثوي، منحاز فكريّا إلى إبراز معالم الحقيقة النّاصعة. يحترم و يُقدّس جوهر الأصالة، محافظًا على ثروة التّراث، مهتمّا و محافظًا على فنون الإبداعات في جميع المجالات الفنّيّة و العلميّة… و لكن ما يعنيه و يُحرّض إهتمامه، و ما يثير أرقه في عالم الخلق و الإبداع، هو ما يتعلّق بالفنون الأدبيّة، و خاصّة الشّعر و شجونه… حيث يعتبر أنّ الشّعر هو من أرقى أنواع الإبداعات و فنون الأدب، و هو ترنيمة سيمفونيّة يتموسق بها الإنسان منذ وجوده في هذه الحياة و حتّى عصرنا الحاضر…
يحمله الخيال التّحليلي على أجنحته ليغوص بأفكاره في حقب الماضي, يستقرئ الزّمن التّاريخي، لجوهر الأصالة و معالم التّراث, ليرسم لوحة فعل الإبداع الشّعري، من منطلق قناعته أنّ الأصالة و التّراث، هما المعين الذي لا بدّ منه قبل ولوج عالم قرض الشّعر… معتبرًا أنّ حدود العلاقة بين الإبداعات الأدبيّة الشّعريّة الأصيلة و التّراثيّة، و حركة فعل الحداثة و التّجديد الشّعري، يجب ألاّ تتخطّى أطر الإطّلاع و المعرفة بما يُصقل الموهبة الشّعريّة… من هنا تبدأ حركة التّوجّه الهادف، للإنطلاق نحو آفاق محاكاة الواقع على مختلف الأصعدة، حيث لكلّ زمان توصيفاته و تعريفاته في حركة فعل ميادين الإبداع، و خاصّة الفنون الشّعريّة، الأنشودة التي يترنّم بها كلّ متذوّق للشّعر في هذه الحياة…
للشّاعر النّاقد علي سليمان يونس وجهة نظر خاصّة، تتناول رؤيته الموضوعيّة للحداثة الشّعريّة… بحيث يرى من منظوره التّحليلي، أنّ حركة الحداثة الشّعريّة في حالة تصاعديّة، و فعل التّحديث حركة متنامية الإستدام، بفعاليّة الإستمرار عبر مسيرة الحياة البشريّة… و هذه الحركة الحداثويّة في التّجديد، موكبة لحركة عصرنة الحضارة، طالت الفنون الأدبيّة من شعر و نثر، و لا سيّما فنون النّثر الإبداعي، الذي يزاحم و يسابق فنون الشّعر، في مسيرة التّعبير الوجداني و الذّاتيّ، إنعكاسًا و تجسيدًا لخلجات النّفس الباطنيّة، التي تتفاعل في أعماق الحنايا… فتدفع بالشّاعر ممتطيًا صهوات رؤى الخيال، حيث تتجلّى لفكره في البعد الممتدّ، ومضات و قبسات من روائع الإبداعات في الكتابة الشّعريّة، في ظلّ فنون الأدب شعرًا و نثرًا، تتماهى المفردات موسقة و دندنات و ترانيم، ترتاح لها النّفس المتذّوقة لفنون الشّعر و النّثر الإبداعي، و هنا تتجلّى النّثيرة الفنّيّة، موازة للقصيدة الشّعريّة…
في مجموعته لن تذبل الأزاهير، أتت ملامح الشّاعر علي سليمان يونس الإبداعيّة منبثقة من جوهر الإنسانيّة, لتتجسّد في معالم كتاباته الفنّيّة النّثريّة, و قد وجد نفسه فيما كتب. حيث في كتاباته تتجسّد معالم التّعبير الرّصين, بالعربيّة الفصحى, بجملة خاطفة, بارقة, و أساليب ملوّنة بمباهج الحياة, معطّرة بعرق المعاناة… و هذا ما يتجلّى في قصائده و منها ملحمة الحبّ التي يقول فيها:
أنتِ،
على صهوة فرس مطهّمة،
صافنةٍ،
مثل لبوءة جائعة،
راقدة،
خلف ظلال الأكمة،
نأمة الطّريدة الشّاردة،
تسمعين،
لحظة،
حسام الحتوف الزّنيمة،
تمتشقين…
أنا،
عى ظهر حصان جامح،
كأنّه ظبي،
في الفيافي سابح،
يعدو مثل الرّيح،
هناك،
ذئب جارح،
فوق هامتي،
أرفع حربة الرّمح،
السّنين…
ينهزم الزّمان،
تتدلّى الألجمة،
تصخب الحمحمة،
تحمرّ العيون،
و يلتحم البطلان،
يسقط السّيف،
يهوي الرّمح،
يترجّل الفارسان،
أعزلين،
تغيبين في صدري،
تنحد الشّفتان،
ينصهر الرّحي بالرّحيق،
و تنجلي الحرب العوان،
هنا، في القريب،
فرس و حصان،
يتلاثمان،
فرحين…
فكتابات الشّاعر النّاقد علي سليمان يونس تتموسق في مفرداتها وشاوش الزّمن, و قد تكون دمًا أو عطرًا أو ماءً أو ملحًا. و أشياء أخرى… كتاباته إبداع فنّيّ خاّص له شخصيّته, لا يكتبها بمداد القلم, و انّما بدم القلب, و هي تعبّر عن رؤيته بكلّ الصّدق. لكن على طريقته الفنّيّة. فإذا الإبداع خلق و ثراء و غنى, يعكس معنى القيم و خلاصة جوهر الأصالة و التّراث. حداثة و تجديدًا متقنًا بخبرة واسعة، مستقاة من مسيرته التّربويّة المديدة… ففي حياة الشّاعر علي سليمان يونس. حركة الإبداع فعل إنسانيّ, من خلال الحسّ الفنّي و الأدوات و الخبرة و الموهبة…
الشّاعر النّاقد علي سليمان يونس, يتفاعل مع جوهر الأصالة, و يُبحر في أبعاد المعاصرة, يستوحي من الأصالة و التّراث، ما يتناسب مع واقع حياتنا المعاصرة و واقعنا الرّاهنن و الذي يستشرف من خلالها المستقبل…
في مجموعة لن تذبل الأزاهير و مقطوعات الشّاعر علي سليمان يونس نرى حركة حالة الانتقال, من قالب القصيدة الشّعريّة, إلى قصيدة التّفعيلة, إلى القصيدة الرّمزيّة, إلى قصيدة النثر, حيث يبرز تغيّر شكل الأدب الشّعري بالفعل… فالشّاعر يونس مقتنع بأنّ حركة الحياة و دورانها و استحداث أدوات و وسائل و طرق مختلفة, تفرض التّغيير و التّطوّر بشدّة. فهو ضدّ المتحجّرين و التّقليديّين، الذين يحاربون بشراسة من أجل تثبيت القوالب المهجورة الجامدة. فالشّعر الفنّي الحرّ مرآته, و الكتابة النّثريّة المموسقة التّعابير حريّته, يقول فيهما ما يريد…
أنتِ
تخافين،
أنا أجرأ
أرعن بلا حياء،
دعيني،
أمزق ذينك الرداء
السجان اللعين،
هيا،
اخلعي،
ذاك الثوب الفاجر،
ألليل بهيم،
وليس من ناظر
****
لا تهابي،
تحرري
أقبل الشاعر،
كأنه القدر،
أقسمت عليه:
إبتعد،
لا تقترب أكثر،
انا عارية،
صدري يلتهب،
لعنة السرير،
تناديني،
دع اليراعة،
لا تكتب،
أثملتني دنا ن القوافي،
*****
أنت تكذب
…. أسبلت العينين
تعانق رحيق الشفتين،
تلاشى،
الجسد اللجين،
وكانت قصيدة جديدة.
تجربة الشّاعر النّاقد علي سليمان يونس, تزدحم فعاليّة بضجّة معالم و مطاوي الحياة, و تكتوي حبًا بجمر الإبداع الفنّي, و تنضج ملامح إبداعاته بهدوء و رويّة. نصوصه مسكونة بهاجس الحرّيّة الفكريّة و حدود هذه الحرّيّة… و ما ينطبق على حرّيّته في الحياة ينطبق عليه في الكتابة. و الحرّيّة لا تعني التّضادّ مع الأخلاق, بل إنّها جزء من أخلاقه. و عليه فقد حقّق جزءا كبيرا من حرّيّته على مستوى الكتابة الشّعريّة الفتّيّة. و هو مؤمن بأنّ قول ما يريد قوله، هو طريقه للكتابة الإبداعيّة للنّص الشّعري أو النّثري, و ما يريد أو يتمنّى أن يُشنّف به أذن من يسمعه بموسقة حالمة…
إستقراء كتابات الشّاعر النّاقد علي سليمان يونس, توحي بأنّه دائمًا هو في صراع مع الكلمة، و هو ما يدفعه ليكون هو, و ليس أحدا سواه. في الكتابة الشّعريّة الفنّيّة، هو لا يغالط نفسه, فالجرأة على البوح تسكنه. فهو في حالة تحدّ مع النّفس و مع اللغة, و يشعر أنّه سعيد, و رغم صعوبة الموقف, هو يصارع مع اللغة, و لا يريد أن تتخلّى عن هذا الصّراع… و ليس هناك من سقف زمنيّ لكتابات النّاقد الشّاعر يونس, فأحيانا ما يكتب النّصّ في لحظات و أحيانا ما يعيش معه لشهور. و هو إذا لم يشعر بصدق ما يكتب, فلا يقبل به. و هو لا يحتفي باللغة إلاّ إذا كان لديه إحساس متوهّج و شعور طاغ به بوصفها كيانًا موازيًا للحياة و حاملا لطاقة الإبداع اللفظي. لذلك فهو يتعامل مع اللغة بحساسيّة مرهفة. و لديه رغبة مستمرّة في التّجربة مع الكلمة…
كتاباته تعتبر نمطا جديدا, أنّها تجربة ينبغي التّوقّف عندها, تجربة قابلة للقراءة و الكتابة و التّأويل. و أنا لا أبرّر, أو أدافع عن تجربة الشّاعر يونس في الكتابة النّثريّة الفنّيّة المموسقة, و لكنّي أرى أنّها تجربة جديرة بالنّظر, و دون أن ألغي أهمّيّة و مشروعيّة سواه من التّجارب. فالقصيدة النثريّة, هي قصيدة العقل, و ليست قصيدة العاطفة… و لا يقوم بدور لا يقتنع به. يختار الموضوع الذي يرضيه. و يستطيع أن يقدّم فيه إحساس و صدق عمله. و إنّ قدرته على العطاء أكبر لأنّه أكتسب نضجا و خبرة. ففي كتاباته معان كثيرة محفورة داخل قلبه قبل أن تكتب فوق الورق…
يتميّز الشّاعر النّاقد علي سليمان يونس بجرأة و انفتاح أكبر في معالجة المواضيع. و يعتبر أنّه من خلال فعل الإبداع يحسن الإنسان التّصرّف مع كلّ شيء في الحياة. و تعلّم من الحياة الصّبر و عدم الإنفعال و الإبتعاد عن الغرور، و الإعتدال في كلّ شيء. فالحياة الجميلة في القليل من كلّ شيء. و هو لا يفكّر بموت أبديّ بل بحياة أبديّة. و يضايقه الظّلم و القهر و الفوضى… و يعتبر الشّاعر يونس, أنّ الشّعر لغتنا, و امتدادنا في الحياة, لا يمكن أن ينتهي أو يموت, كما لا يمكن لنا أن نشطب على التّاريخ, على الأقل تاريخنا الشّخصي, فهو مرآة حقيقيّة لتّاريخنا الطّويل عبر حقب الزّمن, و هو مرآة مصقولة و جميلة. و سيبقى الشّعر أصفى الحقائق في شخصيّتنا و وجداننا… فالشّعر بدأ مع الإنسان و سينتهي مع الإنسان, فما دام الإنسان كائنا حيّا لا يمكن أن ينتهي الشّعر. و الشّعر فنّ قائم بذاته و سيبقى أقرب الفنون, بعد الموسيقى إلى الوجدان و لا يمكن أن ينتهي لأنّه يتعامل مع الوجدان. و أنّ أيّ عمل فنّيّ, بصرف النّظر عن كونه مكتوبا أو مسموعا, إن لم يكن شاعريّا فانّ إحدى الصّفات المهمّة لنجاحه ستكون منزوعة عنه, فالشّعر ضرورة من ضرورات الحياة, و لا يمكن القول أنّ زمن الشّعر قد ولّى إطلاقا. و الشّعر يظلّ دائما موجودًا مع سيادة الفنون الأخرى إلى جانبه, و لكن الشّعر لا يمكن أن يزول… و للشّعر لغة راقصة لكنّها سامية, و سهلة لكنّها ممتنعة, و سلسة لكنّها مستعصية, لغة يتمنّى أبلغ النّاثرين أن يسموا إليها بيانا و رقّة. و للشّعر موسيقاه الآسرة و قوافيه السّاحرة, و هذا النّغم الجميل لا يتأتّى لكاتب ما و إن رقّ لفظه و حسن معناه…
ترافقت حياة الشّاعر يونس اليوميّة مع الكلمة العذبة, و الموسيقى الشّعريّة الجميلة. منذ سنواته الأولى, حيث كان يكتب كلماته و خواطره و نصوصه و قصائده. التي تحمل التّجديد المستمرّ في مسيرته اليوميّة… فالشّعر في مفهوم الشّاعر يونس كان و ما زال, يحمل هموم المجتمع, لأنّ الشّاعر لسان حال قومه. و يعتبر موجة التّجديد في الصّور و الأدوات في هذا الزّمن. ممّا دفع بالنّاس إلى الإبتعاد عن اللون التّقليدي في الشّعر. و النّاس يجدون صعوبة في فهم مفردات العصور السّالفة. و التي يستخدمها الكثير من الشّعراء, و لم تعد من مفردات الحياة في عصرنا الرّاهن… و هو لا يجد مشكلة, في التّعامل مع الكلمة الشّعريّة التّقليديّة, إنّما ميوله قادته إلى التّبسيط, ليلتصق بالنّصّ أكثر, كونه أسهل في التّعبير عن الذّات و الآخر. فالحنين ينتابه إلى الشّعر, و هو شغوف للإستماع إليه و تحليله و تفسيره. و يمتلك الحافز و الرّغبة في الانطلاق, نحو فضاءات رحبة, إحساسا بالإبداع في هذا المجال…
النّصّ هو الأساس في كلّ قصيدة. و شعر الشّاعر يرفعه. و المنصب لا يؤثّر على مستوى الشّاعريّة. و معظم كلمات و خواطر و نصوص و قصائد الشّاعر علي سليمان يونس, من النّوع الرّوحيّ العاطفيّ الغزليّ, و هو السّائد في المجتمع. كونه الأقرب إلى الحزن منه إلى الفرح, و للتّعب و الأرق و اللوعة منه إلى الرّاحة و السّرور. بحيث أنّ الأدب يفرض مستواه, بغضّ النّظر عن جنس كاتبه… و الحداثة في قناعة الشّاعر يونس، هي التّجديد في النّصّ الشّعري قلبًا و قالبا. و ذلك من ناحية الصّور الجماليّة و الفكرة, بحيث تأخذ طابعها العصريّ. على أن يحافظ على الشّكل و الحرص عليه, كما يتمّ السّعى إلى الحرص على التّركيب في البيان و الإيضاح و المعاني… و الشّعر فنّ من الفنون الأدبيّة, و يجب المحافظ عليه, فهو تراثنا و أصلنا, و نحن من وضع أوزانه و ضوابطه و حيثيّاته…
حركة فعل التّلوين في الكتابات الشّعريّة عند الشّاعر علي سليمان يونس، هي جزء من قوّته الإبداعيّة. و أن يخيّل إلى القارئ أنّ هناك ثورة في كلمة, و حربًا في كلمة, و عشقًا في كلمة أخرى. كلّ هذا في كلمة واحدة. فهذا هو الهدف الذي يدفعه إلى البحث عن صيغ جديدة في مسارات جديدة عبر كتاباته. فهو في موقف الزّمان و المكان يقول كلمته بوضوح و جرأة و قوّة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *