وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ
دراسة من إعداد وتنسيق: حسين أحمد سليم الحاجّ يونس / رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة
وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ
دراسة من إعداد وتنسيق: حسين أحمد سليم الحاجّ يونس
رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة
إستحقاقًا لحكمة إلهيّة كونيّة عادلة ومُقدّسة، تتجلّى عظمة الله جلّ وعلا، بعظمة أسرار مخلوقاته الكونيّة، وتتجسّد وحدته الصّمديّة، بوحدة مكوّنات سيّالات خلقه، التّقمّصيّة الحلول النّفسي والرّوحي، التي منها جعل نسائج الكون وقِوام كائناته، تحقيقًا للسّببيّة الرّوحيّة والجزاء العادل، المبنيّة على الوحدة الجوهريّة للقانون الكوني المُقدّس…
ومن تجلّيات عظمة الخالق الله، أنّه جعل سبحانه وتعالى من الماء كلّ شيء حيّ… فالماء عنصر كوني أساسي وضروري، لجميع أشكال وأنواع ومستويات مُكوّنات نسائج الحياة الطّبيعيّة على وجه هذه الأرض، التي هي جرم كوني، تابع للمجموعة الشّمسيّة، التي شاءها الله في عداد مشيئته الكونيّة السّماويّة، التي يقصر العقل البشريّ عن إستيعابها…
فالماء مادّةٌ شفّافةٌ عديمة اللون والرّائحة، وهو المكوّن الأساسي للجداول والبحيرات والبحار والمحيطات، وللسّوائل في جميع الكائنات الحيّة، وهو أكثر المركّبات الكيميائيّة إنتشاراً على سطح الأرض…
يتألّف جزيء الماء من ذرّة أكسجين مركزيّة، ترتبط بها ذرّتا هيدروجين على طرفيها، برابطة تساهميّة، بحيث تكون صيغته الكيميائيّة H2O. عند الظّروف القياسيّة من الضّغط، ودرجة الحرارة ،يكون الماء سائلاً؛ أمّا الحالة الصّلبة فتتشكّل عند نقطة التجمّد، وتدعى بالجليد؛ أمّا الحالة الغازيّة فتتشكّل عند نقطة الغليان، وتسمّى بخار الماء...
إنّ الماء هو أساس وجود الحياة على كوكب الأرض، وهو يغطّي 71% من سطحها، وتمثّل مياه البحار والمحيطات، أكبر نسبة للماء على الأرض، حيث تبلغ حوالي 96.5%. وتتوزّع النّسب الباقية بين المياه الجوفيّة وبين جليد المناطق القطبيّة (1.7% لكليهما)، مع وجود نسبة صغيرة على شكل بخار ماء معلّق في الهواء على هيئة سحاب (غيوم)، وأحياناً أخرى على هيئة ضباب أو ندى، بالإضافة إلى الزّخّات المطريّة أو الثّلجيّة...
تبلغ نسبة الماء العذب حوالي 2.5% فقط من الماء الموجود على الأرض، وأغلب هذه الكمّيّة (حوالي 99%) موجودة في الكتل الجليديّة في المناطق القطبيّة، في حين تتواجد 0.3% من الماء العذب في الأنهار والبحيرات وفي الغلاف الجوّي...
أمّا في الطّبيعة، فتتغيّر حالة الماء بين الحالات الثّلاثة للمادّة على سطح الأرض بإستمرار من خلال ما يعرف بإسم الدّورة المائيّة (أو دورة الماء)، والتي تتضمّن حدوث تبخّر، ثم تكثيف فهطول ثم جريان لتصل إلى المصبّ في المسطّحات المائيّة...
شكّل الحصول على مصدر نقي من مياه الشّرب، أمراً مهمّاً لنشوء الحضارات عبر التّاريخ. وفي العقود الأخيرة، سجّلت حالات شحّ في المياه العذبة في مناطق عديدة من العالم، ولقد قدّرت إحصاءات الأمم المتّحدة أنّ حوالي مليار شخص على سطح الأرض، لا يزالون يفتقرون الوسائل المتاحة للوصول إلى مصدر آمن لمياه الشّرب، وأنّ حوالي 2.5 مليار يفتقرون إلى وسيلة ملائمة من أجل تطهير المياه...
وبإستثناء الماء الموجود على سطح الأرض، فإنّ معظم الماء الموجود في الكون، هو نتاج ثانوي لولادة النّجوم، والتي يترافق حدوثها بنشوء رياح تندفع خارجاً بقوّة، حاملةً معها الغاز والغبار… فعندما يصطدم ذلك الدّفق من الموادّ بالغاز المحيط بالجرم المولود يؤدّي ذلك إلى نشوء أمواج صدمة، ما يعمل على تسخين الغاز…
ويتشكّل الماء الملاحظ في الكون، بتلك الطّريقة وبشكل سريع في ذلك الغاز المتكاثف السّاخن... وظهر في سنة 2011 تقرير عن اكتشاف سحابة هائلة من بخار الماء في الكون وبكمّيّات تفوق الكمّيّة الموجودة على الأرض ب 140 تريليون مرّة، في محيط نجم زائف يبعد حوالي 12 مليار سنة ضوئيّة عن الأرض. وقد استنتج من ذلك أنّ الماء موجود في الكون منذ بداية نشأته…
يوجد الماء في الكون على العموم بحالاته الثّلاثة الصّلبة، والسّائلة، والغازيّة، بالإضافة لإمكانيّة افتراضيّة لوجوده على شكل يدعى «ماء فائق التّأيّن»، حيث يتبلور الأكسجين وتبقى أيونات الهيدروجين عائمةً بشكل حرّ داخل الشّبكة البلّوريّة للأكسجين. يوجد هذا الشكل افتراضيّاً تحت ضغط ودرجة حرارة كبيرين كما هو الحال في البنية الدّاخليّة لكوكبي أورانوس ونبتون. يعدّ وجود الماء بحالاته الثّلاثة في نفس الوقت أحد أسباب وجود الحياة على سطح كوكب الأرض. ويرجع ذلك لموقع الأرض في النّطاق الصّالح للحياة في النّظام الشّمسي، بحيث لو أنّها كانت أقرب إلى الشّمس أو أبعد منها بنسبة 5% من المسافة الحاليّة (أيّ حوالي 8 ملايين كم) فإنّ الظّروف التي تسمح بوجود الأشكال الثّلاثة لن تكون متوفّرة، ممّا سيؤثّر على وجود الحياة...
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:
﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ سورة الأنبياء الآية: 30
فلولا وجود الماء في كوكبنا الأرضيّ الذي نعيش في رحابه، لما كان على وجه أرضنا هذه من حياة…
ونحن نعلم أنّ لا حياة من دون وجود ماء، فتلك هي حكمة الخالق في خلقه، “وجعلنا من الماء كلّ شئ حيّ”… ونعرف أنّ الماء، يروي العطاش والظّمآن من معاشر بني البشر، والحيوانات والطّيور، برّا، والأسماك بحرّا، ويروي النّبات والأشجار والمزروعات… والماء هو مادّة أوّليّة في الصّناعات الغذائيّة والإنشائيّة والكيميائيّة وغيرها… وتنفسّنا يعتمد على 60-85% من الأوكسجين الذي يولد من ذرّات الماء…
وذرّات الأوكسجين في معظمها، تأتي من نباتات المحيطات المجهريّة، التي تُسمّى بالعوالق النّباتيّة، التي تعيش بالقرب من سطح الماء، وتتجوّل مع التّيّارات مثل جميع النّباتات، تقوم بعمليّة التّمثيل الضّوئي، حيثُ تستخدم أشعّة الشّمس وثاني أكسيد الكربون لصنع الطّعام ونتيجة لعمليّة التّمثيل الضّوئي هو الأوكسجين….
والعوالق النّباتيّة، تساهم بما بين 60 إلى 85 في المائة من الأوكسجين في الغلاف الجوّي للأرض… وتتكاثر أزهار العوالق النّباتيّة في الرّبيع، عندما يتوفّر المزيد من الضّوء والموادّ الغذائيّة المتاحة...
وتختلف كثافة العوالق النّباتيّة، في بعض الأحيان، وتطفو فقط على السّطح. وفي أوقات أخرى، يمكن أن يصل سمكها إلى مائة متر...
قبل حوالي 400 مليون سنة، تراكمت كمّيّة كافية من الأوكسجين في الغلاف الجوّي للأرض لتطوّر الحيوانات البرّيّة التي تتنفّس الهواء… فالأوكسجين في حدّ ذاته لم يكن كافيًا. وأصبح شكل آخر من أشكال الأوكسجين ضروريًا لإستمرار الحياة حيث تراكم نوع خاصّ من الأوكسجين في الجزء العلوي من الغلاف الجويّ للأرض… هناك ، حيث تشكّلت ثلاث ذرّات من الأكسجين معًا، تشكلّ مايسمّى بطبقة الأوزون. تحمي طبقة الأوزون الموجودة في الجزء العلوي من الغلاف الجوّي للأرض الكائنات البرّيّة من الأشعة فوق البنفسجيّة الضّارّة من الشّمس.
فسبحان الله الخالق، الذي تتجلّى عظمته بعظمة خلقه… هذه المعجزة ذكرها القران قبل أكثر من 1400 سنة لأهمّيّة الماء، ليست فقط لتروي العطشان إنّما لإستنشاق الأوكسجين، وحماية الكائنات الحيّة من أشعّة الشّمس في الغلاف الجوّي للأرض...
والماء يوجد على سطح الأرض في المسطّحات المائيّة، التي يمكن أن تكون على عدّة أشكال طبيعيّة مثل المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار والجداول والبرك وغير ذلك، وأغلب الماء الموجود على سطح الأرض هو على شكل مياه مالحة في المحيطات والبحار، وخاصّة في نصف الأرض الجنوبي، حيث يوجد نصف الكرة المائي…
وتعرف كمّيّة الماء الكلّيّة الموجودة على الأرض ككلّ بإسم غلاف الأرض المائي، ويقدّر حجمه بحوالي 1338 مليون كم3، ومعظم هذه الكمّيّة (97%) عبارة عن ماء مالح في المحيطات، أمّا 3% المتبقيّة، والتي تكافئ حوالي 48 مليون كم3 فهي ماء عذب، وحوالي ثلثيّ الماء العذب المتوفّر على الأرض هو جليد في القطبين على شكل مثالج وجبال جليديّة…
وتشكّل المياه الجوفيّة أغلب نسبة الثّلث المتبقي من المياه العذبة (23.4 مليون كم3)، بحيث أنّ النسبة المتبقيّة من الماء العذب الموجودة في مجاري الأنهار وفي البحيرات الدّاخليّة (190 ألف كم3) وفي الغلاف الجوّي على شكل بخار ماء (13 ألف كم3) وفي الغلاف الصّخري (16 ألف كم3) تبدو صغيرة نسبيّاً…
إنّ أغلب ماء الأرض هو على شكل سائل (98.2%)، والباقي على شكل صلب (1.8 %)، مع وجود نسبة ضئيلة (0.001 %) على شكل بخار ماء. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه النّسب تقريبيّة وتشير إلى الحالة الرّاهنة، إذ حدثت تفاوتات كبيرة في تاريخ مناخ الكرة الأرضيّة...
فالماء هو الحياة، ويمكن تفسير تلك المقولة من وجهة حيويّة بناءً على عدّة خواصّ مميّزة يقوم بها الماء، والتي هي أساسيّة لإستمرار الحياة على وجه الأرض. من بين تلك الخواص الحيويّة قيامه بدور مذيب عام، إذ أنّ أغلب الموادّ الحيويّة تكون مذابة أو معلّقة فيه، ولهذا الأمر أهمّيّة في العمليّات الإستقلابيّة، كما يشكّل الماء وسطاً حيوياً يسمح بقيام تفاعلات عضويّة حيويّة ،تؤدّي في النّهاية إلى تأمين التّناسخ الذّاتي، ممّا يضمن استمرار التّناسل وبقاء الكائنات الحيّة...
ويعدّ الماء أساسيّاً لحدوث عمليّة التّركيب الضّوئي وبالتّالي التّنفّس الخلوي عند الكائنات الحيّة. تقوم خلايا النّباتات أثناء عمليّة التّركيب الضّوئي باستخدام طاقة الشّمس لفصم الهيدروجين عن الأكسجين في جزيء الماء، حيث يتّحد الهيدروجين مع ثنائي أكسيد الكربون CO2 ليشكّل الغلوكوز ويحرّر الأكسجين. بالمقابل تستخدم الكائنات الحيّة الأكسجين لتحرق السّكر (الكربوهيدرات بشكل عام) لتحرّر الماء وغاز ثنائي أكسيد الكربون من أجل تأمين الطّاقة لاستمرار الحياة. وللماء أيضاً دور مهمّ في تأمين وسط معتدل أس هيدروجيني ~ 7، وبالتّالي في عمل الإنزيمات. بالنّهاية تحتاج كلّ الكائنات الحيّة إلى كمّيّات من الماء للقيام بعمليّاتها الحيويّة، مثل التّخلّص من الفضلات على سبيل المثال...
من هنا… فالإنسان يمكنه البقاء على قيد الحياة، لعدّة أسابيع دون تغذية جسمه بالطّعام، ولكن يبقى لأيّام قليلة فقط من دون تناول الماء… حيثُ هناك حاجة جسديّة طبيعيّة، لتجديد السّوائل المفقودة من خلال ممارسة الأنشطة الفسيولوجيّة الطّبيعيّة، عند الإنسان، مثل التّنفّس، والتّعرّق والتّبّول…
والمياه المتولّده من أنواع الغذاء، توفّر نسبة محدودة من المياه والإحتياجات اليوميّة، لبعض المفصليّات والحيوانات الصّحراويّه، ولكن لا توفّر إلاّ جزءًا صغيرًا من الإحتياجات اليوميّة اللازمة للإنسان…
وهناك مجموعة متنوّعة من العناصر النّادرة، موجوده تقريبًا في جميع أنواع المياه الصّالحة للشّرب، والبعض منها، تلعب دورا في التّمثيل الغذائي… فعلى سبيل المثال: كلوريد الصّوديوم (ملح الطّعام)، وكلوريد البّوتاسيوم وعناصر أخرى، مثل: الكلسيوم والمغنسيوم والفلور… ولئن كانت هذه العناصر، مفيدة في تركيزات منخفضه، فهي يمكن أن تسبّب مشاكل صحّيّة للإنسان، عندما تكون موجودة عند مستويات مرتفعة… فالمياه مُكوّن أساسي، للنّموّ الطّبيعي والحفاظ على أجسادنا، كما أنّها تشارك بشكل فاعل، في عدد من العمليّات البيولوجيّة الجسديّة… وتلوّث المياه يُهدّد صحّة الإنسان…
والمياه الصّالحة للشّرب، هي مياه تُستخدم في إعداد الغذاء والمشروبات، والإستحمام وغسل البدن، وتنطيف الأوعيّة الخاصّة بإعداد الغذاء، وتناوله مثل الأكواب والأطباق والملاعق والسّكاكين، وتنطيف الموائد وغيرها، وتنطيف الملابس وتنظيف أشياء أخرى، يقوم الإنسان بملامستها كثيرًا، مثل: مقابض الأبواب والدّرابزينات والأعمدة في الحافلات، وعلى الأخصّ مقابض أبواب دورات المياه…
ويجب أن يكون ماء الشّرب خاليًا من الميكروبات، وأن لا يحتوي على ناقلات للأمراض، كما يجب أن يكون به، قدر محدّد من الأملاح المعدنيّة… ومن الموادّ التي توجد عادة في مياه الشّرب: كاتيونات الكالسيوم. (Ca2+)، والمغنسيوم (Mg2+) والصّوديوم (Na+) والأنيوناتت أيونen الكربونات (CO32−)، وهيدروكربونات (HCO3−)، والكلوريد (Cl−) und الكبريتات (SO42−)…
ويُسمّى مجموع تركيزي الكالسيوم والمغنسيوم (عسر الماء)، وهو عامل مهمّ بالنّسبة، لسهولة ذوبان الصّابون وغسل الملابس، فكلّما قلّ عسر الماء، كلّما زادت فاعليّة الصّابون…
هذا وتُعتبر دورة الماء في الطّبيعة، هي المسؤولة عن حركة المياه، ولها دور كبير في الحفاظ على النّظام البيئي، لأّن حركة المياه مسؤولة عن الكثير من العمليّات الحيويّة، التي تحدث في الطّبيعة، ومنها هطول الأمطار والتّبخّر والتّكاثف…
ففي بداية صباح كلّ يوم، تتبخّر المياه إلى الأعلى في الغلاف الجويّ، بسبب إرتفاع درجة حرارة الشّمس عند شروقها، وبعد أن يصعد بخار الماء إلى الغلاف الجويّ، يتحوّل إلى سحب... ثمّ تسقط المياه إلى سطح الأرض مرّة ثانية، عن طريق سقوط الأمطار، وتتجمّع المياه مرّة ثانية في البحار والمحيطات والأنهار، وهكذا تستمرّ هذه العمليّة...
وتُعتبر دورة الماء في النّظام البيئي، مهمّة جدّا لكافة الكائنات الحيّة، لأنّها توفّر المياه لكافّة هذه الكائنات، وتقوم بالعمل على تنظيم أنماط الطّقس على كوكب الأرض... وظاهريّا يوجد مصادر للمياه العذبة، كثيرة على كوكب الأرض، وبحصرها فإنّ هذه المصادر محدودة، بالنّسبة لعدد السّكّان الموجودين على كوكب الأرض…
والمياه تعتبر أساس كلّ شيء في الحياة، كما قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)… فالمياه تُمثّل من 60% إلى 70% تقريبًا من أجسام الكائنات الحيّة، ولا يمكن للإنسان أن يعيش بدون مياه لمدّة أكثر من أسبوع، وتعدّ الدّورة الهيدروجينيّة، هي من تقوم بتوزيع الماء على كوكب الأرض…
وللماء القدرة على التّحكّم في درجة حرارة الأرض، ودرجة حرارة جسم الإنسان، ويساعد جسم الإنسان في التّخلّص من الفضلات بطريقة صحّيّة وسليمة، ويعمل على حماية الأعضاء، وتسكين ألم المفاصل، وحماية الأنسجة... والماء يقوم بحمل الأكسجين والموادّ المغذّية إلى الخلايا، حيثُ أنّه لا يمكن العيش بدونه لمدّة أكثر من أسبوع، لأنّه يحمل عنصر الأكسجين والهيدروجين... على الرّغم من قدرة الإنسان على التّحمّل بدون طعام لمدّة شهر...
ودورة المياه بدأت على كوكب الأرض، منذ أكثر من 8 مليار سنة، وذلك عندما تكوّنت المحيطات والبحار بسبب سقوط الأمطار على الأرض الباردة... والمطر جاء وتكوّن من بخار الماء، بعد أن تبخّر إلى الغلاف الجوي مكوّنًا السّحب، وذلك بعد أن تسرّب البخار من الصّهارة الموجودة في الأرض… والطّاقة التي تنبعث من الشّمس، لها دور كبير وفعّال في تشغيل دورة المياه، وللجاذبيّة الأرضيّة دور كبير في الحفاظ على المياه من أن تغادر الغلاف الجويّ لكوكب الأرض... حيث إنّه يوجد جزء صغير من بخار الماء، يكاد لا يُذكر في الغلاف الجويّ لكوكب الأرض...
إلى هذا… يُوجد مجموعة من المعوقات، التي تكون سبب في تعطيل حركة دورة الماء في النّظام البيئي… كتكوين الماء الحامضي، الذي يتسبّب في تلوّث الهواء، وكلّها تعتبر من المعوقات لحركة المياه في الطّبيعة، كإلقاء المياه التي تتكوّن في المجاري في المجمّعات المائيّة، ورشّ الأسمدة الكيميائيّة، والمبيدات الحشريّة، التي ينتهي بها المطاف، إلى أن تنجرف في المجمّعات المائيّة، والقطع الجائر للأشجار والنّباتات، والذي يؤدّي إلى إنجراف التّربة، وتتسبّب في عدم تغلغل المياه الجوفيّة...
ويحتاج تطوير أنظمة الموارد المائيّة، سنوات طويلة وذلك بدءًا من عمل الدّراسات الأوّليّة للمشروع، وصولاً إلى تحقيق المشروعات.. لذلك فإنّ دراسة تأثير الإحتباس الحراري على موارد المياه الطّبيعيّة، مطلوب بشكل كبير وعاجل، ولايوجد مجموعة من التّغيّرات الهيدرولوجيّة التي حدثت فعليّا...
فالمحاصيل الزّراعيّة، على مستوى العالم، تعتمد بشكل أساسي على الرّيّ، وتبلغ هذه المساحة على مستوى العالم، ما يعادل مليون ونصف هكتار، ويتمّ ريّ ما يعادل 16% منها، والتي يمكن أن تتسبّب في حدوث احتباس حراري...
ومن الأمور الضّروريّة، النّظر إلى التّأثير الذي يحدث بسبب تغيّر المناخ في سياق التّغيّرات العالميّة الأساسيّة الأخرى... حيثُ يوجد طلب كبير على المياه العذبة لإستخدامها في العديد من الأغراض ومنها: الشّرب، وريّ الأراضي الزّراعيّة، وتوليد الطّاقة، والإستخدامات الصّناعيّة، وكذلك التّرفيهيّة، والبيئيّة.. وأغلب تلك الإستخدامات تحتاج إلى تكلفة كبيرة، لتوفير المياه العذبة…
يرتبط كلاً من المناخ والمياه ببعضهما البعض إرتباطًا وثيقًا، لأنّ الماء يؤثّر ويتأثّر بالمناخ، وكلّ تغيّر يحدث في أيّ منهما، يؤدّي إلى حدوث تغيّر في الآخر… ويحدث التّغيّر الأكبر في المناخ، حيث تحدث العديد من التّغيّرات في عناصره، مثل التّغيّر في درجات الحرارة، وتدفّق الأنهار، والتّبخّر، والمياه الجوفيّة، وخصائص الغلاف الجليدي، ومستوى سطح البحر، ورطوبة التّربة...
إذن… للماء دور حيوي في بقاء وتقدّم الحضارة الإنسانيّة؛ حيث ازدهرت الحضارات البشريّة عبر العصور في وديان الأنهار الكبيرة الرّئيسيّة؛ كما هو الحال في حضارة بلاد الرّافدين، والتي تعرف باسم مهد الحضارة، إذ أنّها شهدت ازدهار عدّة حضارات وذلك بسبب الموقع الجغرافي المتميّز بين نهريّ دجلة والفرات، وقيل أنّها سمّيّت بالعراق أيّ «الشّاطئ» لكثرة ووفرة مياهها، التي شكّلت عامل جذب للعديد من الأقوام الذين سكنوها وشادوا فيها أرقى الحضارات… كما أنّ حضارة المصريّين القدماء كانت قد تركّزت على ضفاف مجرى نهر النّيل. بالإضافة إلى وادي السّند في الهند وباكستان، ووادي هوانج في الصّين. أنشأت كلّ هذه الحضارات أنظمة ريّ ساهمت في تطوير الأرض وجعلتها منتجة. وقد انهارت الحضارات حين نضوب موارد المياه أو عند إساءة استخدامها؛ وأنّ سقوط حضارة السّومريّين في بلاد ما بين النهرين كان بسبب ضعف المهارة والخبرة في عمليّات الرّيّ. فقد تركّز الملح من مياه الرّيّ في الأرض بعد تبخّر المياه وأخذ يتراكم في التّربة. وكان من الممكن تفادي تركّز الملح في التّربة بغسل الملح بماء إضافي، وإذا لم يتمّ صرف ماء الأرض تصبح مشبّعة بالماء. فشل السّومريون في تحقيق التّوازن اللازم بين تركّز الملح في التّربة وبين عمليّات صرف المياه منها، وأدّت زيادة تركّز الملح في التّربة وكذلك تشبّعها بالماء إلى الإضرار بالمحاصيل… ومن ثم انخفض النّاتج الزّراعي تدريجيّاً وتفاقم نقص الغذاء، ومع انهيار الزّراعة انهارت الحضارة السّومريّة.
هناك عدد جيّد من حواضر المدن الكبيرة في العصر الحديث والتي يعود جزء من نجاحها إلى الموقع الجغرافي المائي المميّز، الذي يمكّن من الحركة التّجاريّة كما هو الحال في هونغ كونغ وطوكيو وشنغهاي وروتردام ومونتريال...
يستخدم الماء العذب بشكل رئيسي في المجتمعات البشريّة كمصدر آمن لمياه الشّرب، بالإضافة إلى استخدامه في قضاء الحاجات المنزليّة الأساسيّة فيما يخصّ الطبخ والنّظافة الخاصّة والاستحمام. أمّا على صعيد خارجي فسيتخدم الماء بشكل أساسي في الزّراعة، وخاصّة من أجل الرّيّ، وكذلك في الصّناعة وخاصّة صناعة الغذاء...