سامح الجباس يتحدث عن مغامرته الروائية: «رابطة كارهي سليم العشي»

سماح ممدوح حسن 

سامح الجباس يتحدث عن مغامرته الروائية: «رابطة كارهي سليم العشي»

سماح ممدوح حسن

في رواية نستطيع أن نطلق عليها «غرائبية» لما تقصه علينا من شخصية عاشت وماتت بشكل غامض، حتى ظننا أنه لم يكن أكثر من مجرد طيف عابر على الأرض، الدكتور داهش. وعنه كتب الروائي المصري سامح الجباس رواية «رابطة كارهي سليم العشي» وعن الرواية كان لنا هذا الحوار مع كاتبها.

شخصية غامضة
● في البداية، ومن واقع بحثك وراء شخصية سليم العشي، وأظنك الأكثر بحثا وراء هذه الشخصية، فبعد كل شيء برأيك سليم العشي كان صاحب عقيدة يوحى إليه بطريقة ما، أم أنه كان مجرد دجال أو حتى فيلسوف تحدّث بما لم يأبه له الآخرون من قبل؟

– بحثت لمدة ثلاث سنوات عن شخصية د.داهش محاولا معرفة أكبر كم من المعلومات عن هذه الشخصية الغامضة المثيرة للجدل، التي لم يقترب منها أحد من الكتّاب روائيا أو بحثيا. بالطبع لا يمكن أن نجزم بحقيقة مؤكدة بعد مرور ثمان وثلاثين سنة على وفاته. فالرجل كان يجمع عدة خصال مهمة، غير موضوع العقيدة، فهو كاتب للشعر والنثر وطارح أفكار فلسفية، على الرغم من أنه لم يتعلم بشكل رسمي. بل إنه ألف مئة وخمسين كتابا، بالاضافة لكونه رحالة طاف بلاد العالم من الشرق إلى الغرب، وترك اثنين وعشرين كتابا في أدب الرحلات، حتى كتاباته وقتها كان لها سبق وأثر كبير أدبيا، فمثلا قال النقاد عن أشعاره «لقد سبق نازك الملائكة وبدر شاكر السياب في كتابة شعر النثر»، وعندما نشر قصته الملحمية «مذكرات دينار» كتبت الصحافة وقتها أنها «أوديسا القرن العشرين». بالنظر الى تلك الشخصيات الكثيرة المثقفة والسياسية والأدبية التي عرفت الدكتور داهش شخصياً فأنا أستبعد كونه نصاباً، وإلا ما كنت كتبت عنه رواية تتناول الجوانب المختلفة من شخصيته.

قلة المصادر

● ما الذي استهواك للكتابة عن هذه الشخصية خاصة وأنا أظن وبسبب قلة المصادر عنه كان بحثا مضنيا، فلماذا الكتابة عن سليم العشي بالتحديد؟

– في عام 2017 اشتريت كتابا يتعرض لأهم الشخصيات الفلسطينية التي ولدت في بيت لحم، وفي الكتاب كان يوجد فصل عن «سليم العشي» أو الدكتور داهش- كما هو الاسم المعروف به- كانت المعلومات قليلة و(غريبة) مجرد استغراب من المؤلف لهذه الشخصية (الدكتور داهش) ذلك الشاب الذي يعمل منوما مغناطيسيا، ثم فجأة أسس عقيدة دينية وواجه رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك، وكانت له تنبؤات وله أتباع آمنوا بدعوته. لفتت انتباهي شخصية الدكتور داهش، دون كل شخصيات الكتاب، وبدأت في البحث عن مزيد من المعلومات عنه، وهنا وجدت مفاجأة أمامي: لا توجد معلومات عن هذا الشخص! في تلك اللحظة اشتعلت رغبتي في أن أخوض التحدي في محاولة البحث عن هذا الرجل الغامض، ووجدت في شخصية الدكتور داهش (حالة إنسانية غريبة وغامضة) تستحق الكشف عنها. واستغرق هذا البحث ثلاث سنوات كاملة حتى استطعت أن أجمع، ما وجدته كافيا من معلومات، للبدء في هذه (المغامرة الروائية) منطلقا من قناعتي الشخصية بأن الكتابة (موقف ورؤية). إن الكتابة عن شخصية حقيقية هو أصعب من الكتابة عن شخصية متخيلة، فمهما كان خيالك جامحاً فسيكون عليك كروائي ترويضه مع الشخصية الحقيقية.

البحث عن خلاص

● في الحقبة التي عاش وبشّر فيها سليم العشي بأفكاره الداهشية، وما قبلها، راجت للغاية حتى إنها كانت كما الحمى تجتاح العالم أجمع من البحث والتجريب والتبشير بمذهب الروحانيات الذي تبناه بطل روايتك، حتى إن أعظم العقول الفيزيائية انخرطت في تجارب كهذه، تُرى هل ذلك بسبب الاضطرابات السياسية والحروب، فكانت الروحانيات هي سبيل العالم وطريقته للخروج من جنون الحرب والبحث عن خلاص؟

– هذا صحيح. بالفعل تلك الفترة، فترة الحرب العالمية الثانية، التي مات فيها ملايين البشر، كان هناك توجه عالمي للبحث عن «خلاص» واتجه كثير من المفكرين إلى الروحانيات، ولكِ أن تتصوري أن أهم روائي إنكليزي وهو السير أرثر كونان دويل، مبتكر شخصية شيرلوك هولمز، كان من مؤسسي جمعية لاستحضار الأرواح في لندن، وكانت له أبحاث كثيرة حول هذا الموضوع وألف كتبا في هذا الشأن. وفي العالم العربي أيضا كانت هناك كتب ومؤلفات وجمعيات روحانية كثيرة، وكلنا قرأنا مؤلفات د.مصطفى محمود «الروح والجسد، والخروج من التابوت». وفي مصر تكونت أكثر من جمعية لاستحضار الأرواح ومنها جمعية «الأهرام الروحية» التي كان يرأسها أهم علماء الفيزياء المصرية. وتصدر مجلة «عالم الروح» للصحافي أحمد فهمي أبو الخير.

طروحات وأدلة

● فى الحقيقة الرواية مليئة بالأسئلة، لكن ما لفت نظري أكثر هو الأسئلة المتعلقة بتأثر شخصيات كنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم مثلاً بسليم العشي، فلو كان الرجل مجرد «دجال» فهل هو أذكى من هؤلاء ليستطيع التأثير فيهم بهذا القدر؟

– في اعتقادي أن هذه الأسماء العظيمة وغيرها من الكتاب والسياسيين والفنانين هي دليل على أن الدكتور داهش كان لديه من «الأفكار» ما أقنعهم وليس مجرد «خوارق» لا تفسير لها. فأفكار الدكتور داهش عن «التقمص» و«العود الأبدي» مثلا نجدها بوضوح في مؤلفات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي وغيرهم في توقيت مدهش ومتزامن مع ما كان يكتبه وينشره د. داهش. وأنا أعتقد من خلال بحثي أنه مستحيل أن تكون الأفكار التي طرحوها في قصصهم في نفس توقيت اعلان الداهشية وطرحهم لنفس الأسس والأفكار التي دعت لها الداهشية مستحيل أن تكون صدفة، لكن الجزم بانتمائهم صعب جدا بشكل قاطع، وأنا تركت أمام قارئ الرواية طروحات وأدلة – من وجهة نظري – وعلى كل قارئ أن يمعن التفكير فيها وربما يُعيد البحث بنفسه..

حرب دولة

● الهجوم بضراوة على أي فكر جديد مفهوم، لكن عادة يحدث أن تنتصر الفكرة وتنتشر، لكن هذا لم يحدث مع سليم العشي، برأيك لماذا؟

– لم يتعرض د.داهش لمجرد هجوم بل واجه حرب دولة مقابل رجل واحد أعزل إلا من أفكاره، وعلى الرغم من أن لبنان بلد تتعدد فيه الطوائف الدينية، فإن الداهشية قوبلت بحرب شعواء امتدت عشر سنوات.. حرب مع الكنيسة وحرب هي الأخطر، مع رئيس الجمهورية اللبنانية شخصياً في هذا الوقت في الأربعينيات، فربما كان من سوء حظ دكتور داهش أن من أول وأخطر وأهم مَن آمن به هم عائلة ماري حداد، وهي شقيقة لورا حداد السيدة الأولى وزوجة رئيس الجمهورية. ولولا هذه الحرب التي خاضتها «دولة ضد رجل» واحد لكانت الداهشية ستكون مثلها مثل أي طائفة أخرى بلبنان.

● هل برأيك هذه الحمية هي التي تسببت في قمع أي أفكار تتعلق بالروحانيات أو تتعلق بالإيمان بما هو غير مادي أم بما لم تنص عليه الكتب المقدسة صراحة؟

– الأفكار الأساسية التي كان يطرحها د. داهش كانت عن اعلاء قيمة الروح في مقابل المادة، والايمان بالحياة الأخرى، والتوحيد بين الأديان وقبول بعضها لبعض دون خلافات أو حروب، وهو ما تتفق عليه كل الأديان السماوية. وفي روايتي شهادات كثيرة «موثقة» من رجال دين مسلمين ومسيحيين تؤكد هذه الأفكار، وأذكرك أن واحداً من أشهر أصدقاء دكتور داهش كان الشيخ عبدالله العلايلي الذي كتب أكثر من مقدمة لكتب داهش، كما كان صديقه بدرجة قريبة جدا.

لا أثر لسليم العشي

● سليم العشي مختفٍ تقريباً. فرغم عشرات الكتب التي أصدرها في كل الأجناس الأدبية والفلسفة وغيره، فإننا لا نجد لهذه الكتابات أي أثر، ولا حتى معلومات كافية شافية عن الرجل ولا اعماله، برأيك لمَ كل هذا الغموض ومَن ممكن أن يكون طمس معالم حياة الرجل هكذا؟

 

– كان هذا من ضمن الصعوبات التي واجهتها، كتب الدكتور داهش 150 كتاباً بين الشعر والنثر والقصة والفلسفة، منها 22 كتاباً في أدب الرحلات، وأسست له خصيصا في بيروت دار النشر الملحق التي كانت تطبع كتبه هو فقط. ثم ترجمت كتبه إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وكان ذلك في ثلاثينيات القرن الـ20، ثم توقفت الدار، ونشأت بدلاً منها دار النشر الداهشية التي كانت تشارك في معارض الكتب العربية بما فيها معرض القاهرة الدولي للكتاب. وفجأة في عام 1990 جاء قرار، لا أحد يعرف من أصدره، بمنع مشاركة دار النشر الداهشية في جميع معارض الكتب العربية، كما تم منع كل كتب الدكتور داهش، على الرغم من أنها في مجملها كتب أدبية ورحلات، لا تروج للأفكار الداهشية. وعندما بدأت رحلتي في البحث لم أجد أياً من هذه الكتب حتى بصيغة البي دي أف، وهذا الموقف هو ما ألهمني بعنوان الرواية «رابطة كارهي سليم العشي» وبطرق – لا يمكن الافصاح عنها – استطعت الوصول الى بعض هذه الكتب ووثقت أجزاء منها في روايتي، وبهذا تصبح روايتي – أيضا – هي المصدر (الوحيد) لقراءة الكثير من النصوص التي كتبها الدكتور داهش والتي تم التعتيم عليها لأسباب لا أعرفها.

أحداث غرائبية

● من أين استمددت معلوماتك عن سليم العشي على ندرة المصادر؟

– واجهت صعوبة كبيرة في البحث عن معلومات عن سليم العشي. بحثت بين الكتب والمجلات القديمة لمدة ثلاث سنوات، وكانت بداية الخيط اعلانات عن د. داهش في مجلة الصرخة التي كانت تصدر في مصر 1931، ثم بدأت المعلومات تتجمع ومنها انتقلت لاعادة قراءة حوالي ثلاثمئة كتاب من الأدب المصري خلال الفترة من 1940 الى 1984 ومنها اكتشفت الكثير من الأمور التي طرحتها في الرواية.

● هل لا يزال هناك أتباع للأفكار الداهشية؟

– نعم، موجودون في كل أنحاء العالم من لبنان وحتى أوروبا وأميركا.

● في رحلة بحثك عن سليم العشي، هل واجهتك أي أحداث غرائبية على الصعيد الشخصي أو العمل؟

-من المعروف أن سور الأزبكية يمكن أن نجد كثيرا من الكتب والمجلات القديمة حتى لو مرت عليها مئة سنة، لكن ما حدث معي أعتبره «غريبا» فقد بحثت كثيرا هناك، ورغم توافر 150 كتاباً للدكتور داهش فإنني عجزت عن إيجاد أي نسخة منها، رغم أني وجدت مجلات مر عليها حوالي قرن، مثل مجلة اللطائف المصورة، وكنت أسأل نفسي: كيف اختفت كتب د. داهش بهذا الشكل؟

● بالنسبة للخطابات والمقالات الواردة في الرواية خاصة من الشخصيات اللبنانية، أين حدود الواقعي والمُتخيّل فيها؟

-جميع المقالات والنصوص والشهادات في الرواية حقيقية وموثقة بالتاريخ، لكن أحداث الرواية نفسها هي مزيج من الخيال والواقع. عندما قررت أن أبدأ في كتابة الرواية فكرت طويلاً في التقنية أو التكنيك الأنسب لكتابة هذا الموضوع الغريب الشائك، والكتابة هي فعل هجرة عن الواقع، يقول توماس هاردي في كتابه «نظرية الرواية» إن «الرواية درس في الحياة» لذلك وجدت أن أنسب تقنية لكتابة الرواية، ونظرا لغرابة شخصية بطلها الحقيقي، أن تكون ايضا الشخصيات المتخيلة مزيجاً من الحقيقي والخيال. فأصبح بطل الرواية هو الروائي سامح الجباس، بالفعل هذا ما فعلته فقد أوجدت الرابط الروائي بين الشخصيات الحقيقية وبين الشخصيات المتخيلة وصنعت مزيجاً منها بحيث صار غير ممكن الفصل بينهما. لقد رفعت الواقع الى مرتبة الخيال، وأنزلت الخيال الى مرتبة الواقع، فتلاقيا في نقطة تماهٍ وامتزجا.

 

الإسم الكامل: سامح الجباس

المعلومات الشخصية:

الاسم الكامل: سامح محمود عبدالسلام الجباس .. الشهرة: سامح الجباس
مكان الولادة وتاريخها: مصر في 11 يناير 1974
الجنسية: مصري

السيرة الحياتية:

يعمل كطبيب وبدأ نشر أعماله الأدبية عام 2006، ولفتت كتاباته الانظار وحاز على أكثر من جائزة مصرية وعربية. عمل كمدير دعاية وتسويق فى شركات أدوية بشرية منذ عام 1999 وحتى عام 2013. عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو نادي القصة بالقاهرة. ترجمت رواية “حبل قديم وعقدة مشدودة” إلى اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية.

النتاج الروائي:

• “حي الافرنج”، 2008
• “بحر العواصف” (رواية للأطفال)، 2011
• “بورتوسعيد”، 2011
• “كريسماس القاهرة”، 2012
• “الذئب الأزرق” (رواية للأطفال)، 2013
• “حبل قديم وعقدة مشدودة”، 2016
• “على سبيل المثال”، 2016

النتاجات الأخرى:

• “المواطن المثالي” (قصص)، 2006

معلومات أخرى (جوائز، ندوات، استضافات.. إلخ):

• المركز الأول كأفضل رواية فى 2009 من جمعية الأدباء بالقاهرة عن رواية ” حى الافرنج”
• المركز الأول فى مسابقة المجلة العربية للكتابة للطفل – المملكة العربية السعودية – عن رواية “بحر العواصف” عام 2011
• منحة الصندوق العربى للثقافة والفنون ( آفاق – بيروت) في الأدب لسنة 2011 عن رواية “بورتوسعيد”
• المركز الأول فى جائزة احسان عبد القدوس في الرواية لعام 2011 عن رواية “كريسماس القاهرة”
• جائزة الرواية في مسابقة جريدة الجمهورية الكبرى دورة 2012
• جائزة اتحاد كتاب مصر في الرواية لعام 2013 عن رواية “بورتوسعيد”
• جائزة كتارا للرواية العربية فئة الروايات غير المنشورة عن رواية “حبل قديم وعقدة مشدودة” لعام 2015
• جائزة كتارا فئة الدراما عن رواية “حبل قديم وعقدة مشدودة” لعام 2015

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *