النّسب و الأنساب و خطورة الأبحاث بها
بقلم: وضحة سعيد شعيب كاتبة عربيّة, لبنانيّة الهويّة, من بلدة وادي فعرة, ببلاد بعلبك, في بقاع لبنان الشّمالي الغربي.
النّسب و الأنساب و خطورة الأبحاث بها
بقلم: وضحة سعيد شعيب
كاتبة عربيّة, لبنانيّة الهويّة, من بلدة وادي فعرة, ببلاد بعلبك, في بقاع لبنان الشّمالي الغربي.
و البحث في جذور العائلات في بلادنا, صعب جدّا, و شائك جدّا, لا بل مستحيل في غالب الأحيان, و محفوف بالمخاطر و الإنزلاقات في الكثير من الإستنتاجات… عدا النّقد اللاذع, الّذي يتحمّله الباحث, أو المؤرّخ في هذا المجال, كون الكثير من هذه العائلات, مقتنعة بما لديها, و فرحة بإنتسابها, و إن كان يُشكّ أحيانا في صِحّته…
و بالتّالي فالخطورة في الموضوع, هي عدم وجود المصادر التّاريخيّة الصّحيحة, و اللازمة لإستكمال أيّ بحث في أنساب العائلات, و حالة ضياع و فقدان الوثائق المهمّة, و الّتي تُبيّن أصول و أنساب الكثير من هذه العائلات…
و يعود السّبب الرّئيسي في ذلك, إلى توالي الحروب و المعارك, و حالات النّزوح و الإرتحال الّتي عاشتها تلك العائلات, عدا عن الضّغط السّياسي و العسكري أو الضّغط الطّائفي و المذهبي… و الّذي تسبّب للكثير في نكران نسبهم, و دفعهم بالتّالي إلى كتم إنتماءهم العائلي, و إظهار نسب آخر, و إعتمادهم إنتماء معيّنا, خوفا من إنتقام الولاة و السّلاطين, و بالتّالي القضاء عليهم و التّنكيل بهم و إقراضهم…
و فتح أسفار الماضي, للتّعرف إلى تاريخ العائلات عبر العصور, قديمها و حديثها… و البحث في هذا الموضوع, لا لنظهر نبل عائلات و أصالتها تمييزا لها عن أخرى, بغية إستفزاز, و إشاعة الفتن, و تحريك الحسّ الطّبقي, و ليس من باب التّسلية التّاريخيّة, أو المتعة الرّوائيّة, أو حتّى من منطلق التّفاخر في الأنساب, و التّعالي بالإنتماء, بل المسألة أبعد, و أعمق …
بحيث نطمح إلى قراءة واضحة و جليّة في عمق التّاريخ, فكم من عائلات أخذت ألقابا, تتدرّج من الأمير إلى الشّيخ مرورا بالبيك و صولا إلى الأفندي… فكان مجد لقبها صكّ خيانة و عمالة, يغلّها من أصل إلى فرع… بينما عوائل أخرى غمرها التّاريخ عندنا, لأنّها على وطنيّة و نبل أخلاق…
و ما التّاريخ العريق إلاّ أداة تحريض للسّير على هدي الأوّلين, و ما هو و بالا على الّذين كانوا صغارا, فما حفظوا ما للسّلف من مواقف عزّ وفخر…
صحيح أنّ في النّسب النّبيل لمناعة عن حني الرّؤوس أمام مستبدّ قلّ عدله ونضبت أخلاقه و الفضائل, بيد أن كثيرا من المغمورين أعادوا كتابة التّاريخ, وصنعوا مجد الأمّة… و بالتّالي إبراز المعالم الجهاديّة و الحضاريّة و العلميّة و التّراثيّة لمحقّقي مجد الأوطان…
إذا غاب أصل المرء فإستقر فعله فإنّ دليل الفرع يُنبي عن الأصل
فقد يشهد الفعل الجميل لربّه كذاك مضاء الحدّ من شاهد النّصل
لعمرك لا يًغني الفتى طيب أصله وقد خالف الآباء في القول والفعل
و الكثير من العائلات لها تاريخها العريق المجيد, الحافل بالبطولات, المضمّخ بالمواقف الجريئة على أكثر من صعيد… و الكثير من هذه العائلات أيضا رفدت الوطن بعدد وافر من رجال المجتمع و الفكر و الأدب و العلم و السّياسة و الدّين… فمن حقّهم على الوطن, أن يحتضنهم, و يبرز معالم تراثهم و حضارتهم, و أن يُؤرّخ لهم… و من حقّ الوطن عليهم, الإخلاص له و التّفاني في حبّه, و في سبيله, جنبا إلى جنب, مع بقيّة العائلات الّتي تُؤلّف المجتمع, و المنتشرة على مدى إتّساع رقعة الأرض الّتي وعد الله أن يرثها العباد المشهود لهم بالصّلاح…