التفاوض ، وحلّ النزاعات

مختارات من دراسات سلسلة المهارات

التفاوض ، وحلّ النزاعات
النزاع البشري لم يكن يوماً منحصراً في زمن أو مرحلة معينة في تاريخ البشر، وإنما بدأ مع بدء الخليقة حينما تعرف الإنسان على الآخر من بني جنسه، فكان التفاوض هو الآلية لحلّ النزاع الحاصل وتجاوزه. ثم تطور مفهوم التفاوض في حلّ النزاعات إلى أن أصبح له أسسه، وأهدافه، واستراتيجيات تخدم الوصول إلى حل النزاعات التي كانت الحروب قبلاً هي الأساس في حسم تلك النزاعات؛ لتكتشف البشرية أن الحروب ليس فيها رابح فعلي، والرابح فيها يهدر المال، والقوى البشرية، كما تخلف المآسي الاجتماعية، وفي المحصلة الأخيرة فإن الربح والخسارة نسبي، ولا يوجد في الحروب نصر كامل، فكان لابد للبشر خاصة مع تنامي الحروب واتساعها من إدراج السلام والتفاوض من أجله كوسيلة فعالة للوصول إلى اتفاق بين القوى المتنازعة للتقليل من خطر الحروب والنزاعات ونتائجها. ومن هنا أرسى القانون الدولي طرقاً لحل النزاع بين الدول وعمد إلى إحداث مؤسسات دولية للمساهمة في الحد من الحروب والنزاعات.
سنتحدث في هذا البحث عن: ١- النزاع والتفاوض ٢- عناصر التفاوض الرئيسية ٣- مبادئ التفاوض ٤- أنواع التفاوض ٥- مهارات التفاوض .. ٦- عناصر نجاح التفاوض ٧- استراتيجيات التفاوض …. الخ
فالنزاع بالتعريف هو : صراع بين جانبين أو أكثر بمصالح ورهانات مختلفة، أو إدراك مختلف لها، ومعيار كل طرف في النزاع دائماً: لا نريد الخسارة أبداً، أو نريد الفوز بأي ثمن، أو كلتا الحالتين معاً. ويعتبر النزاع دولياً حينما يقع خلاف بين دولتين أو أكثر حول نقطة واقعية، أو قانونية، أو تناقض وتعارض المنافع، ويحكمها القانون الدولي، أما النزاع بين أفراد من جنسيات مختلفة، أو نزاع بين دولة وأفراد من جنسيات أخرى؛ فلا تعد نزاعات دولية وإنما نزاعات يحكمها القانون الدولي الخاص. وقد ترتقي أو تتوسع بعض النزاعات الداخلية في أن تأخذ طابعاً دولياً حينما يخرج حلها عن النطاق الداخلي، ويتم تدويلها عن طريق المؤسسات الدولية. ولا ترتقي النزاعات الداخلية لتصبح نزاعات ذات طابع دولي (تدويل النزاع) إلا إذا توفرت شروط حددتها المادة الثالثة من البرتوكول الثاني الخاص بالنزاع المسلح وهي :
لا بد للطرف المناهض للحكومة المركزية من تنظيم عسكري فيه قيادة مسؤولة عن سلوك مرؤوسيها، وله نشاط على أرض معينة ويكفل احترام الاتفاقيات
واعتراف الحكومة بأنها في حالة حرب واعترافها بصفة المحاربين المناوئين لها، ولجوء الحكومة الشرعية إلى القوات العسكرية لمحاربتهم وتعبر عن استعدادها لاحترام القوانين للطرف المناهض للحكومة نظام تتوفر فيه خصائص الدولة، وتلتزم السلطات المدنية بمراعاة أحكام الاتفاقيات، وأن تباشر هذه السلطات سلطة فعلية على السكان في جزء معين من التراب الوطني،
إدراج النزاع على جدول أعمال مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفته مهدداً للسلام الدولي، أو خارقاً له، أو يشكل عملاً عدوانياً. وبموجب ذلك تصدر تلك المنظمات الدولية قرارات تحدد شكل وطريقة حل النزاعات عن طريق المفاوضات.
– فالتفاوض هو الجهد الذي يقوم به أطراف النزاع وغالباً ما يتم عن طريق وسيط دولي، بهدف إدارة أو حل النزاع؛ لكن ليس كل نزاع قابل للتفاوض إلا إذا نضج النزاع ووصل إلى مرحلة معينة يفسح المجال لأن تكون فرص التفاوض والوصول إلى حلول أفضل من استمرار النزاع، في حين أن الوساطة تقوم على جهد طرف ثالث مستقل عن أطراف النزاع الرئيسية والثانوية، ويتسم بالحيادية لمساعدة الأطراف على إدارة النزاع وحله، وشرعية الوسيط تكون من قبول طرفي النزاع تدخله للوصول إلى اتفاق بينهما. وأيضاً من طرق حل النزاع اتباع أسلوب التحكيم كأحد الأساليب السائدة في النزاعات الدولية الذي يقوم به طرف ثالث منوط به إصدار قرارات ملزمة، وإلزام الأطراف باتخاذ خطوات إدارة وحل النزاع بينهم.
وهنا يجب التفريق بين التفاوض والتشاور والمساومة. إذ إن التفاوض تعريفاً هو تلك العملية الخاصة بحل النزاع بين طرفين أو أكثر يقوم من خلالها الأطراف بتعديل طلباتهم بغرض التوصل إلى تسوية مقبولة تحقق المصلحة لكل منهم. في حين إن التشاور هي مناقشات الغرض منها الإفصاح عن معلومات حول مسألة معينة، أو الإفصاح عن وجهات نظر حول مسألة معينة، قد يصل في بعض مراحل المشاورة إلى التزام قانوني يؤدي إلى رسم سياسات وبرامج ومشروعات بناء على التوافق بينهم. أما المساومة فهي عملية نفعية محضة، إذ يسعى كل طرف لتحقيق مكاسب على حساب خسارة الطرف الآخر.
وللتفاوض طريقان:
التفاوض المباشر: وفيه تجتمع أو تجلس الأطراف المتنازعة على طاولة التفاوض وتباشر عملية التفاوض الشفهي التي تقود إلى نتائج كتابية تلزم أطرافها حين التوقيع عليها، وتبقى المفاوضات الشفوية غير منتجة ولا ملزمة، ولا تخرج عن كونها تبادل الرأي إذا لم تتحول إلى محددات كتابية يتم التوافق عليها.
أما التفاوض غير المباشر فيكون عبر طرف أو أطراف تشكل قوى ضاغطة على طرفي النزاع، وذلك لاعتبارات مصلحة الطرف الضاغط أو ما يحدثه النزاع من اضرار على هذا الطرف الضاغط، أو الخطر الذي يمكن أن يحدثه النزاع على الأمن والسلم الدوليين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *