الرحمـة المهداة والنوران الأتمان
بقلم: الكاتب والداعية الأزهري سيد سليم سلمي محمد
الرحمـة المهداة والنوران الأتمان
بقلم: الكاتب والداعية الأزهري سيد سليم سلمي محمد
مما ألهمني الله به حال سياحتي الفكرية في معاني جمال وجلال وكمال سيد الخلق سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أني استخلصت أن سيدنا رسول الله هو خلاصة الوجود كله، وأن الإنسانية فى أرقى درجاتها وأسمى معانيها متمثلة فيه؛ وذلك عن طريق التحليل الآتي: “إن الله قد اصطفى من خلقه بنى آدم، واصطفى من بني آدم الصالحين منهم، واصطفى من الصالحين الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة، وهم: سيدنا محمد وسيدنا نوح وسيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى، عليهم وعلى آلهم أفضل الصلاة وأتم السلام، واصطفى من أولى العزم سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم”. إذن فسيدنا محمد خلاصة ما خلق الله من الموجودات، وهو الإنسان الأول المقصود من الخليقة وهو: “سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر .. ” كما أخبرنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نفسه ؛ متحدثاً بنعمة ربه. هذا وقد خصه الله وفضله على الأنبياء بخصائص كثيرة منها ما جاء فى رواية الإمام مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهوراُ ومسجداً وأرسلت إلي الخلق كافة وختم بي النبيون”. وقد أشار القرآن الكريم إلى التفاضل بين الأنبياء والرسل في قوله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} وقوله عن نبينا: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (107 ـ الأنبياء) كما أطلق لرسالته الزمان والمكان؛ فلا نبي معه ولا نبي بعده لقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (28 ـ سبأ) وقوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما} (40 ـ الأحزاب) وهو كما قال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: “إنما آنا رحمة مهداه”. وكقوله: إنِّي عندَ اللهِ مَكتوبٌ بخاتَمِ النَّبيِّينَ وإنَّ آدَمَ لِمُنْجَدِلٌ في طينتِه وسأُخبِرُكم بأوَّلِ ذلك: دعوةُ أبي إبراهيمَ وبِشارةُ عيسى ورؤيا أمِّي الَّتي رأَتْ حينَ وضَعَتْني أنَّه خرَج منها نورٌ أضاءَتْ لها منه قصورُ الشَّامِ”.
فكمال الإنسانية كلها فيه وتمام رسالات الله به. ونظراً لأن كتابه خير الكتب فمن البديهي أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم خير الرسل فالوجود كله محتاج إليه منتظر له ولذلك قال صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
وحبيبنا صلى الله عليه وسلم اختاره الله إماما للأنبياء قبل بدء الخلق وحقق له تلك الإمامة سابقاً ولاحقاً حققها سابقا عندما أخذ له على أرواح جميع الأنبياء العهد والميثاق للإيمان برسالته والدعوة إليها وقد ساق الله إلينا هذا الخبر العظيم فى قوله سبحانه وتعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}. (81 ـ آل عمران) صدق الله العظيم. وقد حقق الله له تلك الإمامة فى رحلة الإسراء عندما صلى بهم ـ عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم السلام ـ إماما فى بيت المقدس.
وقد صور الله لنا نور نبينا بأنه عام شامل؛ فجمع له بين ما للشمس والقمر من أنوار وعطاء نهارا وليلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} (45،46 الأحزاب). والسراج هي الشمس والمنير هو القمر؛ ولذلك لا نستغرب أن يراه الملايين من المحبين في وقت واحد، كما يرون الشمس والقمر في لحظة واحدة، وتلك إشارة للرد على كثرة من المعترضين الذين يقولون، كيف يدعي الملايين في أماكن متعددة رؤيا النبي في وقت واحد!. وقد أشار القرآن الكريم أيضا إلى نور رسول الله العام في قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}(15، المائدة) وهذا النور الإلهي الموهوب من الله لأحب الخلق إليه، جاء معه نور الهداية والمنهج كتاب الله؛ ليجتمع النوران، ويتحقق الهدف من الرسالة: {الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(1، إبراهيم). وحقا؛ لقد أخرجنا ـ صلى الله عيه وآله وسلم ـ من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلمات الشك إلى نور اليقين، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن كل الظلمات إلى جميع الأنوار؛ فجزاه الله عنا خير ما جزى به نبيا عن قومه ورسولا عن أمته
ومعلوم أن كل فضل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود نفعه على أمته وبهذا صارت أمته ـ كما أخبر القرآن الكريم ـ خير الأمم فقد أرسل الله إليها خير رسول وأنزل إليها خير كتاب ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ” وواضح من الآية أن خيرية الأمة لها مواصفات لازمة تتمثل في ثلاثة شروط لابد من تحقيقها : الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والإيمان بالله فإذا ما تخلت الأمة عن هذه الشروط وتلك المواصفات ذهبت خيريتها وقد ذاقت الأمة ما ذاقت بسبب عدم التزامها بخير الكتب وعدم اتباعها خير الرسل . ورحم الله أمير الشعراء عندما خاطب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً:
وما للمسلمين سواك حصن = إذا ما الضر مسهم ونابا
ولو سلكوا سبيلك كان حصناً = وكان من النحوس لهم حجابا
وباب الله مفتوح أبداً وكتابه العزيز عطاؤه مستمر وسنة نبيه متصلة والعبرة بالعمل واللجوء إليهما؛ لنكون أهلاً للرحمة وأتباعاً للرحمة المهداة؛ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وجميع المحبين في كل عصر ومصر، واجمعنا بهم في الدارين، اللهم صل وسلم وبارك على الحبيب وآله وارزقنا في الدارين حسن وصاله وآله.