بناء الدولة : استراتيجية متعددة المسارات المتزامنة وأولها بناء الإنسان وتعزيز شعوره وولائه الوطني والقومي

بقلم الدكتور الصدّيق حفتر:

إن عملية بناء الدولة هي العنصر الأساسي الذي لا غنر لبناء الوطن والإنسان وتعميق الوطنية في النفوس ومن ثم في السلوكيات الفردية والجماعية ، عملية يجب أن تستهدف بناء مؤسسات وأجهزة، قائمة على الأطر القانونية المنبثقة من الواقع، للقيام بالوظائف التطورية للنظام من تكامل وولاء والتزام ومشاركة وتوزيع وتخفيف الفجوة بين الحاكم والمحكومين ، وصولا إلى تحقيق مستوى عال من الاستقرار السياسي، وهذه الاهداف لا يمكن تحقيقها دون قيام الدولة بتعزيز الوعي الوطني ومن ثم القومي والشعور العام بالإنتماء إليها ما بين أفراد المجتمع، فتكوين هذا الوعي يُعد غاية جوهرية بحد ذاتها بالنسبة الينا، يتوجب بلوغها حتى يساعد ذلك الدولة في تحقيق أهدافها الاخرى .

ومن هنا نجدد الدعوة جميع المكونات الأساسية في وطننا إلى طي صفحة الماضي، والتكاتف معا  من أجل المضي قدما في عملية إنشاء مؤسسات حكومية جديدة، وتقوية الموجود منها على أسس دستوريه وقانونية مستقرة،  تتميز بالفاعلية والرشادة الحكيمة في أداء عملها، والتأسيس لبناء ثقة سياسية بين المحاكم والمحكومين.

ومن المسلم به أن النظام هو حكم شرعي يستمر بتداول سلمي للسلطة،  نتيجة انتخابات شفافة ونزيهة،  مع العمل على إيجاد بنية  اقتصاديه فاعلة تحكمها ضوابط  ومعايير معروفة ،  تترافق مع وجود بنية اجتماعيه مستقرة،  يحكمها التفاعل والتراضي والتعايش بين مختلف مكونات المجتمع.

وعلينا أن لا نغفل أهمية فتح فرص العمل للجميع بناء على الجدارة والكفاءة، في ظل نظام للرعاية الاجتماعية يلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين،  في الصحة والعمل والسكن والتربية ، وبناء مؤسسات عسكرية وأمنية فاعلة ومحترفة ومواكبة للتطورات العلمية،  والثورات التكنولوجية،  ومستجيبا للاحتياجات الأمنية والعسكرية لكل مدينة من مدننا، والدفاع عن ثروات بلدنا وفضاءاته،  ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية والتغيرات المتسارعة والمفاجئة،  باستراتيجيات مستقبلية مخططات إستشرافية .

إن بناء الدولة لا يمكن أن يتحقق إلا عندما نتمتع بالقدرة على تأدية وظائفنا بفاعلية ، وتوظيف قدرات مؤسساتنا لتحقيق التنمية وترشيد السلوك السياسي للأفراد، وتكريس المواطنة والمساواة، والمشاركة بين مختلف الجماعات في وطننا الغالي ليبيا، وسنعمل على التخفيف من الولاءات الفرعية على حساب الولاء الوطني، وعلى استقلال عملية البناء الوطني.

ومن بين أهم العوامل التي ترتكز عليها مقاربتنا تأتي العوامل الثقافية والبنيوية، حيث ترتبط مظاهر قدرة الدولة المؤسساتية بجملة من القيم والثقافة في كيفية بناء المؤسسات وعملها، بتمكين أو إعاقة أنماط معينة منها ، لذلك  سنعمل على الرقي بالعلاقة بين عاداتنا وتقاليدنا وثقافاتنا، وبين استراتيجيتنا في بناء الدولة واستثمارها في الاتجاه الصحيح .

وإذا ما توقفنا عند نظرة العالم والفيلسوف الاقتصادي والسياسي “فرانسيس فوكوياما” حول تكريس عملية البناء هذه، نجد أنّه عموما ركز على البناء السياسي والاقتصادي كلُبنة اولى لتكريس عملية البناء، فالأول يوفر الشرعية للسلطات الحاكمة، ويضمن بناء ثقة بينها وبين الشعب، في حين أن البناء الاقتصادي سيحقق الرفاه ويضمن البناء الإجتماعي .

وبالطبع ثمة الكثير من المداخل العملية لتحقيق بناء الدولة، والتي يشير التقرير الأوروبي حول التنمية لعام 2009 إلى أنّها ” عملية بناء شرعية مؤسسات الدولة وقدرتها على تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها : الأمن، العدالة ، سيادة القانون، فضلا عن التعليم والصحة التي تلبي جميعها تطلعات المواطنين” .

في الواقع إنّ هذه المقاربات العلمية تُظهر لنا كيف أنّ بناء الدولة تجتمع فيه الاحتاجات الداخلية والضغوط الخارجية، لأنه إذا ما اقترنت عمليات البناء هذه بالخضوع للشروط الخارجية، فإنّ عملية الإصلاح الداخلي ستتأثر بالمشروطية .

من هنا سنسعى مع كل الخيرين وأصحاب القرار، وكل من يهمه المصلحة العليا لبلادنا من خلال تكاتفنا ووحدتنا إلى الانطلاق بعملية عملية بناء ذاتية تنبع من داخل الدولة، وتهدف إلى خلق مجتمع متجانس ثقافيا وهوياتيا من خلال نموذج الدولة – الأمة ، وهو الاتجاه الافضل من الكثير من الاتجاهات خصوصا تلك التي توجهه المؤثرات الخارجية لأهداف مصلحية

وفي الختام علينا التأكيد على أن بناء الدولة هو عملية ديناميكية مستمرة تتطلب بناء مؤسسة كبيرة تحقق الولاء، وذلك بتلبية حاجات المواطنين ليكتسب النظام السياسي المشروعية التي تزيد من مستوى الثقة بين الطبقة الحاكمة والمحكومة، بتحقيق حالة من الاستقرار  والأمن ، التي تسمح بالتنمية الشاملة، وإذا لم تتوفر هذه المؤشرات داخل الدولة، فإن الدولة ستواجه مجموعة من الأزمات البنيوية والمناطقية كما سبق وحدث – وللأسف – في بلادنا .

كما وأننا لن نألوا جهداً في بناء البنيان الحقيقي للدولة القائم على بناء مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية …. تلبي أبسط احتياجات المواطن ، دولة تلبي كافة وظائفها، وتتميز بجميع مؤشرات بناء الدولة ( ديمقراطية النظام السياسي، العيش الكريم، الحرية السياسية والحريات المدنية ، العمليات السياسية ، الإنتخابات النزيهة ، قنوات الحوار بين الدولة والمجتمع، التنمية الاقتصادية والاجتماعية ) كل ذلك كفيل بدخول مسار البناء مراحله المتقدمة على أرض الواقع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *