الصديق حفتر ودور الموروث الثقافي في المصالحة الوطنية في ليبيا
ربما يُشكل إنضمام ليبيا والمصادقة على وثيقة إتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي، على هامش الدورة الثانية والأربعين للمؤتمر العام لليونسكو الذي إنعقد في باريس ما بين السابع من نوفمبر والثاني والعشرين منه لعام 2023، مناسبة مهمة للحديث عن التراث الليبي بمختلف مستوياته ودور الموروث الثقافي في المصالحة الوطنية.
فليبيا تتميز بتنوع ثقافي غني ومتميز،حيث تتمتع بوجود آثار تعود إلى العصور القديمة مثل الفينيقيين والرومان واليونانيين وغيرهم،كما تضم تراثاً فنياً يشمل الفنون المعمارية والرسوم المتنوعة والأعمال التشكيلية والنحت وفن الخط العربي.
كذلك يتميز التراث الإجتماعي الليبي بالعادات والتقاليد الإجتماعية في القرى والمدن، وهناك التراث الأدبي الذي يتضمن الشعر والقصص والروايات التي تُعبر عن التقاليد والثقافة الليبية، إلى جانب التراث الموسيقي والغنائي الذي يتمتع بأنماط مختلفة من الألحان التي تُميز ثقافة الشعب الليبي.
إن الحديث عن دور التراث أو الموروث الثقافي في المصالحة الوطنية، يُرتب التذكير والإشارة إلى أن للتراث الثقافي قيم كثيرة لها تأثيرات كبيرة وغاية في الأهمية في المجتمعات الحديثة، ويمثل التراث الثقافي أداة قوية للشعور بالهوية الوطنية والإندماج الإجتماعي، لأن أهمية النجاحات الحضارية والثقافية في الماضي قادرة على تعزيز الوعي بالإنتماء إلى المجتمع في الوقت الحاضر.
إن ما مرت به ليبيا من أزمات معقدة ثقافية، وإجتماعية وإقتصادية، وأمنية، وسياسية، يُشكل تحدياً حقيقياً وكبيراً أمام المصالحة الوطنية الشاملة، لذلك من المهم جداً العمل على فكفكة الصعوبات والتعقيدات المركبة التي ربما تكون موجودة في بناء هوية وطنية جامعة لكل الليبيين.
إن مواجهة هذه الأزمات المركبة تتطلب مسارات متعددة،تُواكب وتنسجم مع مشروع المصالحة الوطنية الشامل الذي يتابعه الدكتور الصديق خليفة حفتر، بوصفه رئيسا للجنة المصالحة الوطنية، لذلك فهو يرى أن التنوع الثقافي الذي يتميز به المجتمع الليبي، قد يكون عنصر مساعد في تعزيز الوحدة الوطنية وبناء السلام في ليبيا.
فالتنوع الثقافي يكفل الإحترام والتكيف، والسعي لبلورة هوية ثقافية جامعة، كما يجسد التراث الثقافي أحد ركائز الهوية التي تقوم على العقيدة واللسان والتراث الثقافي .
ويؤكد الدكتور الصديق أن المشروع الوطني حول دورالتراث الثقافي في المصالحة الوطنية يرتكزعلى عناصرعدة أهمها إزالة أي إلتباس حول أزمة الهوية الثقافية في ليبيا،وإعتبارأن التنوع الثقافي في ليبيا هوعنصر قوة وليس العكس، كما أن البعد التاريخي لليبيا يُساهم في حل بعض المفاهيم الخاطئة أو الدخيلة، وهناك عنصر القبول بالآخر والتأثير والتأثربه والتركيز على إبراز دور ليبيا في الحضارة الإنسانية وتعزيز القواسم المشتركة في المجتمع الليبي.
إن الواقع القيمي والثقافي والديني الذي يتمتع به المجتمع الليبي، يجب أن يشكل دافعاً من أجل حماية الموروث الذي يُميز المجتمع الليبي في المحبة والتعاون، وبالتالي يجب أن يدفع إلى التسوية التي تليها المصالحة الوطنية الكبرى التي يعمل عليها الدكتور الصديق خليفة حفتر والتي يجب أن تزيل العوامل الهيكلية الكامنة وراء الحرب الأهلية الليبية.
والدكتور الصديق يعمل بشكل دائم ومستمر،من أجل تعزيز القيم الثقافية والدينية التي يتميز بها المجتمع الليبي، وهو يسهر على حماية الموروث الثقافي الليبي وضرورة عودته إلى لعب دوره على الساحتين الداخلية والخارجية، إنطلاقاً من قناعته بعودة ليبيا إلى موقعها في شتى الميادين، ولا سيما الميدان الثقافي الذي يُسجل تاريخاً حافلا من الإنجازات.
لقد بينت دراسة لمركز البحوث والإستشارات في جامعة بنغازي، أن حالة القيم والثقة، تبعث على القلق سيما بالنسبة للثقة بالآخرين، ولكن ما يلفت في نتائج الدراسة هو أن 34 في المائة يعتقدون أن البلد يجب أن يحكمه نظام سياسي له قائد قوي ووحيد، وأن 92 في المائة يعتقدون أن الأولوية القصوى يجب أن تعطى للأمن الوطني، وعلى حساب الحرية الفردية، عندما يكون الأمن الوطني للبلد مهددًا .
وتُشير نتائج هذه الدراسة إلى أن العنف وما جرى من حروب في ليبيا، قد ساهم في تغيير وتبديل المفاهيم والقيم المختلفة والعميقة الجذور التي حافظت على المجتمع الليبي لفترة طويلة ودفعت الناس إلى الثقة ببعضهم البعض.
كذلك فإن الحرب الأهلية العنيفة أسفرت عن تغييرات إجتماعية وإقتصادية رئيسية، وتفاقم تأثير هذه المواقف العنيفة والعدائية بسبب الحروب الثقافية والإعلامية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي.
يذكر أن إتفاقية صون التراث الثقافي غيرالمادي هي معاهدة تابعة لليونسكو، إعتمدها المؤتمر العام لليونسكو في 17 أكتوبر 2003،ودخلت حيز التنفيذ، إعتبارًا من العام 2014.