القطاع التربوي في ليبيا: نحو الرُّقيّ بالطلاب وتعليمهم المهارات العلمية والاجتماعية والمهنية الحديثة كافة
تمثّل المدرسة، بأهدافها وممارساتها، الدعامة الأساسية في تعليم الأطفال مبادئَ القراءة والكتابة والمعارف العلمية والأخلاقية، وتُسهم في التنشئة الاجتماعية على عادات المجتمعات وتقاليدها وقيَمها وثقافاتها وحضاراتها، فهي تعلّمهم تاريخ الماضي وتحديات الحاضر وأهداف المستقبل وطموحاته.
لقد وسّعت المدرسة الحديثة من أهدافها لتشمل تدريب الطلاب على القدرة على الاتصال والتعايش والقبول بالآخر، والتزام قيَم المواطَنة والدفاع عن حقوق الإنسان، وتدعيم قيَم الوَحدةِ الوطنية. كذلك اضطلعت مناهجها الدراسية بتعليم التلاميذ تاريخَ أجدادهم وتطورَ حضارتهم، من خلال قصص الأجداد وبطولاتهم وانتصاراتهم أو انكساراتهم، وواقع الحكام الحاليين وجهودهم في التنمية، وطموحاتهم في غدٍ أفضل للمواطنين، والتحديات التي يواجهونها.
وكلها معارف وقيَم مشترَكة بين أبناء الشعب الواحد، تسعى التربية عموماً لتدعيمها، وهذا ما نهدف إلى تحقيقه من خلال الاستراتيجية التربوية التي وضعنا الخطوطَ العريضةَ لها مع فريق عملنا التربوي، بعدما لاحظنا التحولات الكبيرة التي شهدتها القطاعات التربوية في عدد من الأقطار العربية، حيث انتقلت من تعليم القراءة والكتابة إلى تعليم مختلف المهارات العلمية والاجتماعية والمهنية، وحالياً هي تعمل على تدريب أفراد المجتمع ليصبحوا مواطنين صالحين، من خلال تعزيز قيَم المواطَنة والممارسات الديمقراطية عندهم.
وبذلك يتبلور الدور المتعاظم للمدرسة في توحيد الأفكار والقيَم والاتجاهات، وتدعيم الشعور بالانتماء إلى الوطن والأمة، ما يعزّز الاتجاهات نحو الدفاع عن الوطن لصون أمنه والدفاع عن وَحدته وتدعيم تطوره وازدهاره؛ ذلك أنّ مكانة المواطن وكرامته وازدهاره، مرتبطة بوَحدة الوطن وسلامته من الاضطرابات الأمنية والاجتماعية والسياسية.
وأودّ أن أطمئنكم إلى أنّ مساعيَنا مع فريقنا التربوي تسير على قدم وساق، خصوصاً لجهة مضامين مقررات التربية المدنية، ومقررات التربية الوطنية من مواضيع مدعومة بمجموعة من وسائل الإيضاح، ومنظومة مفاهيمية تركّز على المعارف والمهارات والاتجاهات، التي تُمكّن التلاميذ من أن يصبحوا قادرين على القيام بأدوارهم في المجتمع، سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي، حيث تساعدهم دراسة تلك المواضيع على أن يصبحوا مواطنين ذوي معرفة وتدبّر وشعور بالمسؤولية، وتزودهم بالوعي الكافي بواجباتهم وحقوقهم، وتسعى أيضاً للرقيّ بمستويات التنمية الأخلاقية والاجتماعية والثقافية للتلاميذ، ما يعطيهم ثقة أكبر بأنفسهم، ويجعلهم أكثر شعوراً بالمسؤولية، سواء داخل الصف أو خارجه، أو بعد تجاوز المرحلة المتوسطة، وتشجيعهم على أن يصبحوا قادرين على مدّ يد المساعدة للآخرين بشكل نافع، سواء داخل المدرسة أو الحيّ أو المجتمع المحلي أو العالم الأوسع. كذلك فإنها تقدّم إليهم معرفةً وفهماً للنظم الاقتصادية والقيَم الديمقراطية، وتُشجعهم على احترام الاختلافات القومية والدينية والعرقية، وتُنمّي قدرتهم على معالجة القضايا الخلافية والمشاركة الفعالة والحوار حولها، وبحضور هذه العناصر في محتوى الكتب يتجسد مفهوم المواطَنة.
ومن هنا تصبح التربية حقّاً من حقوق المواطنة الرئيسية، وأداةً للتنمية، وليست الاقتصادية فحسب، بل والاجتماعية والثقافية والسياسية. فالدولة التي تسعى من خلال نظامها التربوي لإحداث تحوّل بنيوي في الفرد وفي المجتمع الذي يعيش فيه، وفقَ رؤية متّزنة ومعتدلة في كل شيء، تسعى بذلك لبناء شخصية مواطن متّزن إذا ما وُضعَت في مواجهة الثنائية الصعبة، وهي: الموازنة ما بين الماضي والحاضر، وبين التراث والتقدّم، وبين الأصالة والمعاصَرة، وبين الوطني والعالمي، وبين الفرد والمجتمع، وبين متطلبات سوق العمل ومتطلبات المواطَنة. والمواءمة بين هذه الثنائيات تقود إلى تحقيق تنمية متدرجة ومثمرة، وإلى بناء مواطن متمسك بخصوصيته التي تعبّر عن هوية متميزة، وهو في الوقت نفسه عالميّ في تفاعله مع العالم من حوله، في وقت تتلاشى فيه الفواصل بين الدول والشعوب.