قضيةُ الهجرةِ تتفاقمُ في ليبيا وتستوجبُ حلولاً جذريّةً
أظهرَ استطلاعٌ للرأيِ أجرتهُ شبكةُ “الباروميتر العربي”، وهي شبكةٌ بحثيةٌ تختصُّ بمنطقتَي الشرقِ الأوسطِ وأفريقيا، حول الهجرةِ، استطلعَتْ فيه آراءَ مواطنينَ ليبيينَ، أنّ 40% من المستطلَعينَ يرغبونَ في مغادرةِ البلادِ. وأظهرتِ النتائجُ أنه لا يوجدُ تأثيرٌ كبيرٌ للمستوى التعليميِّ أو للعُمُرِ في تحديدِ هُويَّةِ الراغبينَ في الهجرةِ. أمّا عن دوافعِ التفكيرِ في الهجرةِ، فجاءتِ الأسبابُ اقتصاديةً في المرتبةِ الأولى بنسبةِ 53%، تلتها الأسبابُ الأمنيةُ بنسبةِ 30%، ثم البحثُ عن فرصٍ تعليميةٍ في المرتبةِ الثالثةِ بنسبةِ 16%.
وتُعتبَرُ قضيةُ الهجرةِ من أبرزِ القضايا التي تواجهُ ليبيا اليومَ، ورغمَ أنها ليستْ حديثةً، لكنّها تتفاقمُ بسببِ ارتفاعِ عددِ المهاجرين إلى وُجهاتٍ مختلفةٍ هرباً من الصراعاتِ والفقرِ وتردّي الأوضاعِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ.
لقد عاشَتْ ليبيا أزماتٍ سياسيةً وأمنيةً واقتصاديةً صعبةً منذُ أكثرَ من 13 عاماً، حتى اضطُرَّ شبابُها إلى الهربِ نحوَ الخارجِ، وبعدما كانتْ هي وجهةَ الشبابِ العربيِّ والأفريقيِّ بسببِ عُملتِها القويةِ وخيراتِها الكثيرةِ وحجمِ سوقِ العملِ، أصبحَ أبناءُ الوطنِ يفكرونَ بتركِها، وهذا ما يعِزُّ على الدكتور الصدّيق حفتر الذي شدّد على “عدمِ التفريطِ بشبابِ ليبيا ومواطنيها”، مُبدياً تمسُّكَهُ بهم وتفهُّمَهُ لبحثِ الليبيينَ عنِ الأمنِ والأمانِ، “لكنّها مسألةٌ تستدعي إيجادَ حلٍّ جذريٍّ لها بأقصى سرعةٍ، من خلالِ دعمِ سوقِ العملِ ودورِهِ في عمليةِ التنميةِ، وتمكينِ الشبابِ في كلِّ أرجاءِ الوطنِ، وتعزيزِ القُدُراتِ والآلياتِ لتلبيةِ احتياجاتِ السوقِ التي تأثّرَتْ بالهجرةِ الجماعيةِ لليدِ العاملةِ نتيجةً للأزمةِ، وهو ما أثَّر سلباً في عددٍ من الخدماتِ”. وأشارَ الدكتور حفتر إلى “ضرورةِ إعادةِ بناءِ اقتصادِ البلادِ وتنميةِ القوى العاملةِ ووضعِ سياسةٍ فعّالةٍ لإدارةِ الهجرةِ وللبرمجةِ، لتكونَ ركيزةً مهمّةً هدفُها بلوغُ أفضلِ مستوىً من النموِّ الاقتصاديِّ، وتعزيزُ فرصِ التشغيلِ للباحثينَ عنه من الليبيينَ، وتحسينُ الظروفِ بالنسبةِ إلى العمالِ الأجانبِ”.
لا تقتصرُ هجرةُ الليبيينَ على الهجرةِ النظاميةِ فحسب، بل تتعداها إلى هجرةٍ غيرِ نظاميةٍ عبرَ مراكبِ الهجرةِ المنطلقةِ من شواطئِ غربِ البلادِ نحوَ أوروبا، وهو أمرٌ لم يسجَّل إلا في السنواتِ الأخيرةِ. وعليه، يرى الدكتور حفتر “ضرورةَ العملِ من أجلِ تقديمِ المساعدةِ للمهاجرين والسكانِ الليبيينَ النازحينَ الذين يحتاجون إلى الدعمِ، معَ المساعدةِ في إنشاءِ نظامٍ شاملٍ لحوكمةِ الهجرةِ، يدعمُ الانتقالَ نحو حلولٍ طويلةِ الأجلِ لإدارةِ الهجرةِ والتنميةِ في البلادِ”.
يقتضي الحدُّ من الهجرةِ توفيرَ فرصِ عملٍ للشبابِ والخريجين، وتحفيزَهم على التعلُّقِ بوطنِهم، وعدمَ التفريطِ بهم مهما حصلَ، واعتمادَ سياسةِ القضاءِ على المحسوبيةِ، واستثمارَ مؤهلاتِ الشبابِ في القطاعاتِ المناسبةِ في سوقِ العملِ، وتوفيرَ الامتيازاتِ المهمةِ في الصحةِ والمسكنِ والمواصلاتِ والتكنولوجيا، واعتمادَ مبدإِ المساواةِ والعدلِ والشفافيةِ والمحاسبةِ، وصولاً إلى تحقيقِ الرفاهِ والازدهارِ للمواطنينَ والمجتمعِ.