التكافلُ الاجتماعيُّ ضمانُ وَحدةِ الشَّعبِ الليبيِّ
صحيحٌ أنَّ الصراعاتِ أنهكَتِ المجتمعَ الليبيَّ وبدَّلَتْ أولوياتِهِ، إلّا أنها لم تغيِّرْ من عاداتِهِ وتقاليدِهِ القائمةِ على مفاهيمَ إنسانيةٍ متأصلةٍ ومتجذّرةٍ في قبائلِهِ وعشائرِهِ، والأهمُّ من كلِّ ذلك أنَّ الليبيينَ أخذوا من هذهِ الصراعاتِ عِبرةً للنظرِ إلى المستقبلِ وعدمِ العودةِ إليها حينما تتحولُ مصالحتُهُمُ الوطنيةُ إلى واقعٍ قائمٍ.
واقتداءً بقولِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى: “وتعاونوا على البِرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعُدوان”، يعتبرُ الدكتور حفتر أنَّ تمسُّكَ الليبيينَ بتقاليدِهِمِ الاجتماعيةِ ونخوتِهِمِ العربيةِ، والإيثارِ الذي يفضِّلُ فيهِ المرءُ أخاهُ وجارَهُ وصديقَهُ على نفسِهِ، كان العاملَ الأكثرَ تأثيراً في تجاوزِ مآسي المرحلةِ السابقةِ. وسيسعى الدكتور الصدّيق حفتر للاستفادةِ من هذه الميزةِ لتعزيزِ روحِ التضامنِ والأُلفةِ، وترسيخِ التكافلِ الاجتماعيِّ بينَ أبناءِ المجتمعِ الواحدِ، بما يسمحُ بأن تعمَّ البلادَ روحُ الأخُوَّةِ والتعاونِ، ليُصبحَ ذلكَ أبرزَ عواملِ وَحدةِ المجتمعِ وبناءِ جسورِ التواصُلِ بينَ مكوِّناتِهِ، وتمتينِ الروابطِ الاجتماعيةِ التي تترجمُ القيمَ الإنسانيةَ والأخلاقيةَ التي يتطلّعُ إليها الجميعُ.
لقد أثبتَتِ التجرِبةُ السابقةُ أنَّ التكافلَ والتضامنَ مكّنا الليبيين من تخطّي الصعوباتِ ومواجهةِ التحدياتِ والمخاطرِ التي تعرضوا لها، وسمحَا بخلقِ بيئةٍ اجتماعيةٍ اقتصاديةٍ عادَتْ بالنَّفعِ على الناسِ، وجعلَتهم متشاركين في التصدي للأزماتِ التي مرَّتْ، وقادرين على مواجهةِ أيِّ أزماتٍ أخرى.
لا شكَّ في أنَّ المبادراتِ الفرديةَ مهمّةٌ وفاعلةٌ، وهي أساسُ التضامنِ الاجتماعيِّ، إلّا أنَّها لا يُمكِنُ أن تستمرَّ وحدَها في تحمُّلِ أعباءِ الفئاتِ المحتاجةِ، من دونِ مؤازرةٍ من مؤسَّساتِ الدولةِ، ويشدِّدُ الدكتور حفتر على إيلاءِ هذه المسألةِ الأهميةَ اللازمةَ، وأن تتقاطعَ مع دعمِ الدولةِ لهذا الجهدِ النبيلِ والإنسانيِّ والمخلصِ، ويجدُ أنه لا بدَّ من تعزيزِ روحِ التضامنِ بين أبناءِ الشعبِ الليبيِّ الذي أثبتَ أصالتَهُ وحبَّ الآخَرِ، والتفانيَ من أجلِ الخدمةِ العامَّةِ.
تتعدَّدُ مفاهيمُ التكافلِ الاجتماعيِّ، وتبرزُ أولوياتُها في العنايةِ بأفرادِ المجتمعِ وتقديمِ العونِ إلى المحتاجينَ والفقراءِ، وحمايةِ الضعفاءِ، لكنْ في الوقتِ نفسِهِ له متمِّماتٌ تتصلُ بحمايةِ مصلحةِ الدولةِ أيضاً، بحيثُ يصبحُ الجميعُ معنيّينَ بدعمِ المؤسَّساتِ التربويةِ لرفعِ مستوى التعليمِ الذي يشكلُ سلاحَ الجيلِ الناشئِ، والحفاظَ على المؤسَّساتِ الصحيّةِ التي تُعنى بصحةِ الجميعِ، سواءٌ أكانوا فقراءَ أم ميسورين، وحمايةَ الثرواتِ الطبيعيةِ من محاولاتِ العبثِ بها وتلفِها وإلحاقِ الضررِ بها، باعتبارِ أنها توفرُ الحمايةَ الاقتصاديةَ للدولةِ والشعبِ وتحقِّقُ الرفاهيةَ لأبناءِ الشعبِ الليبيِّ.
ولا ينسى الدكتور حفتر أهميةَ التكافلِ في تمتينِ الروابطِ بين أبناءِ المجتمعِ الليبيِّ، وتعزيزِ القِيَمِ الإنسانيةِ ومكارمِ الأخلاقِ، وهذا ما يشكلُ حمايةً للمجتمعِ من الفوضى والانهيارِ الأخلاقيِّ، وحمايةَ مصالحِ الجماعةِ وتقويتَها، وهذا النوعُ من التكافلِ يتضمنُ أشكالاً مختلفةً من التكافلِ، سواءٌ أكان مادياً أم معنوياً، وهذا يجعلُ الإنسانَ مسؤولاً بالدرجةِ الأولى أمامَ نفسِهِ وعائلتِهِ والقريبين منهُ، قبل أن يكونَ منخرطاً في عملٍ جماعيٍّ، يزيلُ آثارَ الخوفِ والقلقِ الذي يعتري المجتمعَ، ويجعلُ هذا المجتمعَ أكثرَ تماسّاً وتعاضُداً، ومثابراً على عملِ الخيرِ في كلِّ الميادين.