تضحيَةُ الوالدَينِ وفضلُهُما على الأبناءِ عظيمان، فلنحافظْ على وصيةِ اللهِ بشكرِهما وبِرِّهما والإحسانِ إليهما
بقلَم الصدّيق خليفة حفتر:
﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾
للوالدَينِ مكانةٌ وشأنٌ لا يستطيعُ البشرُ فهمَهما، ومهما جَهَدَ القلمُ في إحصاءِ فضلِهما، فإنه يبقى قاصراً عن تصويرِ جلالِهما وحقوقِهما على الأبناءِ، وكيف لا يكونُ ذلك، وهما سببُ وجودِهِم، وعمادُ حياتِهِم ورُكنُ اللقاءِ لهم.
لقد بذلَ الآباءُ جُهدَهُم لرعايةِ أبنائِهِم وتربيتِهِم وتعليمِهِم على المستوى الماديِّ والمعنويِّ، ولكنْ لا أحدَ يستطيعُ أن يبذلَ القَدْرَ نفسَهُ منَ الجهدِ مثلَ الوالدَين. فَهُما أنهارٌ لا تنضبُ ولا تتعبُ.
ولهذا السببِ وحدَهُ اعتبرَ دينُنا الحنيفُ عطاءَهما عملاً نبيلاً ومقدَّساً، استوجبا عليهِ الشكرَ وعِرفانَ الجميلِ، وأوجبَ لهما حقوقاً على الأبناءِ لم يوجِبْها لأحدٍ على أحدٍ إطلاقاً، حتى إنّ اللهَ قرَنَ طاعتَهما والإحسانَ إليهما بعبادتِهِ وتوحيدِه مباشرةً، فقالَ: “واعبدوا اللهَ ولا تُشرِكوا به شيئاً وبالوالدينِ إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين”.
إنَّ الوالدَين أحقُّ الناسِ بالمعاملةِ الحسنةِ، ومن كلماتِ أسلافِنا في بِرِّ الوالدين: “حقُّ الوالدِ أعظمُ، وبِرُّ الوالدةِ ألزمُ”، وعلى الأبناءِ ألّا يعصوا كلامَ والديهم ونصائحِهم، فالأهلُ ينصحونَ أولادَهم لما فيه خيرُ صالحِهم، فهم حصنُهم في الحياةِ، وفي يومِنا هذا ليس بالضرورةِ أنّ الابناءَ فقط هم من يحتاجون التعلُّمَ من خِبراتِ الكبارِ، فقد يتعلمُ الكبارُ أيضاً من أبنائِهم بطريقةٍ أو بأخرى، لكنّ الأهمَّ أن تسودَ الأُلفةُ والوُدُّ بيوتَ جميعِ الأُسَرِ الليبيةِ، وأن ينعَمَ الأهلُ بالأولادِ، والأولادُ باهاليهِم، وأن يكونَ جميعُهُم من أهلِ الصلاحِ والفلاحِ.
ومما لا شكَّ فيه، أنَّ الفضلَ على الإنسانِ بعدَ اللهِ هو للوالدَين، والشكرُ على الرعايةِ والعطاءِ يكونُ لهما بعدَ شكرِ اللهِ وحمدِهِ، وعلى الانسانِ أن يُدركَ جيداً كيف يتعاطى مع والدَيهِ كي لا يكونَ عاقّاً وهو غافلٌ عن ذلكَ، فعليهِ تعظيمُهما واحترامُهما واستشعارُ الخضوعِ والاستكانةِ في حضرتِهما، فالعائلةُ هي الخليةُ الاجتماعيةُ الأساسيةُ لاستمرارِ الحياةِ، ودورُ الأهلِ هو القلبُ والعقلُ والقوةُ الماديةُ الدافعةُ للحفاظِ عليها منذُ مئاتِ السنين.
وثمةَ الكثيرُ من الوصايا والحِكَمِ التي تدعو الأبناءَ إلى رعايةِ أهلِهِم، وخصوصاً عندما يتقدمونَ في العُمُرِ. فكما تعاونَ الوالدانِ لسنواتٍ طويلةٍ على تربيةِ أولادهما وتأمينِ كل مستلزماتِ الحياةِ المعنويةِ والماديةِ لهم، يجبُ على الأبناءِ أمامَ هذه المنظومةِ المتكاملةِ منَ المسؤولياتِ ردُّ المعروفِ لأهلِهِم، ورعايتُهم والاهتمامُ بهِم وتأمينُ كلِّ احتياجاتِهِم الحياتيةِ، وعدمُ مقابلتِهِ بالجحودِ والنُّكران، لأنَّ ما قدموه لأبنائِهِم كان بدافعِ الحُبِّ الفِطريِّ الكبيرِ الذي أودعَهُ اللهُ تعالى في قلبيهِما، والردُّ يجبُ أن يتَّصفَ بالمعروفِ والمحبةِ والطاعةِ التي تكونُ مبنيةً على الحُبِّ والوفاءِ.
وفي الختامِ، علينا جميعاً ألّا ننسى أنّ الله تعالى أمرَ بطاعةِ الوالدَينِ والإحسانِ إليهما في الكثيرِ من آياتِ القرآنِ الكريمِ، منها قولُهُ تعالى: “إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”.