سنتعاونُ مع خبراءِ البيئةِ على سَنّ قوانينَ حديثةٍ لمكافحةِ الجرائمِ الحاصلةِ بحقِّ البيئةِ البحريةِ، ما يخفِّفُ من نِسَبِ التلوُّثِ فيها

لا تزالُ ظاهرةُ “تلوُّثِ الشاطئِ” في العاصمةِ الليبيةِ طرابلس وضواحيها، المطلِّ على البحرِ المتوسطِ تحرمُ السُّكانَ الاستمتاعَ بموسمِ الصيفِ، حتى باتَ وضعُ شواطئِ طرابلس ومصراتة وطبرق والزويتينة ورأس جدير وغيرِها من شواطئنا كارثياً، ويحتاجُ إلى حلولٍ سريعةٍ تعالجُ هذا الملفَّ، الذي يضرُّ بالبيئةِ البحريةِ وبالإنسانِ والطبيعةِ على حدٍّ سواء.
وتشكلُ البيئةُ البحريةُ وما تحوي من مواردَ طبيعيةٍ قاعدةً استراتيجيةً وحيويةً، تلعبُ دوراً فعالاً في النموِّ الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ للدولةِ. وقد اكتسبَتِ العنايةُ بالبيئةِ البحريةِ أهميةً خاصةً منذ بدءِ إدراكِ المدى الذي يمكنُ أن تتطورَ إليه مشكلةُ تلوُّثِ مياهِ البحارِ والمحيطاتِ، ومدى ما يُمكنُ أن تحملَهُ من آثارٍ مدمرةٍ على الثرواتِ الحيَّةِ وعلى حياةِ المواطنِ الليبيِّ وصحتِهِ ورفاهيتِهِ.
ونتيجةَ الدراساتِ التي زوَّدَنا بها الدارسون والباحثون البيئيون، ثمة مجموعةٌ من الأسبابِ لهذه الظاهرةِ، أبرزُها انعدامُ الوعيِ لدى الأفرادِ والجماعاتِ بجسامةِ المخاطرِ الناجمةِ عنِ التلوُّثِ البيئيِّ وعدمِ اهتمامِهِم بالحلولِ البديلةِ للتخلصِ من مسبِّباتِ هذا التلوُّثِ.
فالبيئةُ البحريةُ عندنا جزءٌ من النظامِ البيئيِّ العالمي، وتعتمدُ الكائناتُ البحريةُ كلٌّ منها على الآخرِ، وتتفاعلُ مع بعضِها في علاقةٍ متزنةٍ. وراهناً تحوَّل تلوُّثُ هذه البيئةِ إلى أهمِّ تحدياتِ الانسانِ في القرنِ الواحدِ والعشرين، فهو الذي صنعَ بيدِهِ مشكلةَ تلويثِ البيئةِ، وهو وحدَهُ الذي عليهِ إنقاذُها، وفي سبيلِ تحقيقِ هذا الهدفِ، باشرْنا بالإعدادِ لإقرارِ قوانينَ جديدةٍ لحمايةِ هذه البيئةِ، باعتبارِها قيمةً أساسيةً من قِيَمِ المجتمعِ.
ولا أُخفي سراً عنكم، أنني أوصيتُ أن تتضمَّنَ هذه التشريعاتُ أحكاماً للتصدي للمخالفاتِ المتعلقةِ بحمايةِ البيئةِ البحريةِ، التي في غالبِ الأحيانِ تستوجبُ مساءلةَ المخالفِ من طريقِ تطبيقِ نظامِ المسؤوليةِ عنِ الأضرارِ البيئيةِ، أي إقامةَ المسؤوليةِ المدنيةِ والمسؤوليةِ الجنائيةِ.
ومن هنا تتطلبُ المرحلةُ القادمةُ، ضمنَ استراتيجيتِنا لحمايةِ البيئةِ البريةِ والبحريةِ والمناخيةِ وصونِها، ثقافةً جديدةً يُطلَقُ عليها ثقافةُ البقاءِ Culture of Permanence، وقِوامُها أن يفي الجيلُ الحاليُّ في ليبيا باحتياجاتِهِ دونَ إضاعةِ الفرصةِ على الأجيالِ القادمةِ في العيشِ ببيئةٍ نظيفةٍ خاليةٍ من التلوُّثِ، ولكي يستمرَّ بقاؤنا على أرضِنا ضمنَ المقاييسِ والمعاييرِ البيئيةِ المتعارَفِ عليها عالمياً، فإن الأمرَ يتطلبُ مراجعةً والتزاماً بتغييرِ نظرةِ المواطنِ الليبيِّ إلى الطبيعةِ، وإلى إعادةِ النظرِ بعلاقتِهِ بها، علّها تكونُ دعوةً للعودةِ إلى استعادةِ الطبيعةِ لهالتِها وتقويةِ الروابطِ العاطفيةِ بينها وبينَ البشرِ جميعاً.
وفي نظرةٍ سريعةٍ على أبرزِ المهدِّداتِ التي تُحدِقُ بالبيئةِ البحريةِِ في ليبيا، نجدُ التلوُّثَ وعملياتِ الصيدِ بالمتفجراتِ، بالإضافةِ إلى النُّفاياتِ الصُّلبةِ التي تُلقي بضررِها على جزءٍ كبيرٍ من الحياةِ البحريةِ، فضلاً عن مياهِ الصَّرفِ الصِّحيِّ.
وتضمُّ ليبيا أكثرَ من 450 نوعاً من أنواعِ الحياةِ البحريةِ التي إما ستموتُ وإما ستهاجرُ، ما يعني خسارةَ شواطئِنا وبحرِنا لها، ولا تكفي الإضاءةُ على ما يُعثَرُ عليه على الشواطئِ بسببِ التلوُّثِ البشريِّ والصناعيِّ عبرَ الإعلامِ، بل باشرْنا بإقرارِ قوانينَ حديثةٍ تعاقبُ على كل ما ذكرناهُ من جرائمَ، حتى إننا قد نُضطَرُّ إلى مضاعفةِ العقوبةِ، كما تفعلُ الكثيرُ من الدولِ المجاورةِ لنا، في سبيلِ حمايةِ بيئتِنا البحريةِ من التلوُّثِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *