على شبابِنا المحافظةُ على القِيَمِ الإنسانيةِ والروحيةِ وثقافةِ بلدِهِم في ظلِّ وسائلِ الإعلامِ الحديثةِ
تُعَدُّ فئةُ الشبابِ من أكثرِ الفئاتِ اطِّلاعاً على كلِّ ما هو جديدٌ في مجالِ تكنولوجيا الإعلامِ والإعلامِ الجديدِ، وقد باتَ إقبالُهُم عليها واستخدامُهُم لها وتعلُّقُهُم بها لساعاتٍ طويلةٍ يومياً، أمراً مسلَّماً بهِ في مجتمعاتِنا العربيةِ. وفيما تُصَنَّفُ هذه الفئةُ في المجتمعاتِ الغربيةِ من أبرزِ الفئاتِ المبتكِرةِ لهذه التكنولوجيا، لا يزالُ الشبابُ العربيُّ، وخصوصاً الليبيَّ، مستهلِكاً لكلِّ منتَجاتِ هذه التكنولوجيا باختلافِ وسائلِها وتطبيقاتِها، إذ تستميلُهُم إلى السطحيةِ والقولبةِ وتُبعِدُهُم عن قيَمِهِم وحضارتِهِم الوطنيةِ.
واذا ما أردنا الانطلاقَ من أهميةِ وقوةِ وسائلِ الإعلامِ الحديثةِ التي جعلَتِ العالَمَ من حولِنا قريةً صغيرةً، تلاشَتْ فيها الحدودُ الزمنيةُ والمكانيةُ، إذ قلَّما نجدُ مَن لا يعتمدُ عليها في يومِنا هذا، وهي في الواقعِ تتميزُ بوجهين: إيجابيٌّ وسلبيٌّ. ويتمثلُ السلبيُّ بنشرِ الوهمِ والتأثيرِ في عقولِ الشعوبِ وقِيَمِها، من خلالِ المضامينِ الموحَّدةِ وتحريفِ الحقائقِ بأسلوبٍ ينسجمُ مع مبادئِ العولمةِ.
لقد تفتَّحَتْ أعينُ الجيلِ الجديدِ في ليبيا على مبادئَ وقِيَمٍ ماديةٍ أبعدَتْهُم عنِ القناعاتِ بالموروثِ الثقافيِّ والقِيَميِّ، وأصبحَتْ علاقاتُهُم الانسانيةُ مبنيَّةً على توجهاتٍ إعلاميةٍ وإلكترونيةٍ، فأضحَتِ التحيةُ والتهنئةُ والتواصلُ الاجتماعيُّ آليَّةَ المصدرِ والمنطقِ، وأصبحَ الاتجاهُ والتوافقُ أبعدَ ما يكونُ ضمنَ العلاقاتِ الإنسانيةِ، ومع ذلكَ فإنَّ الواقعَ يفرضُ علينا استثمارَ هذه التكنولوجيا التي تُعتَبَرُ شبكاتُ التواصُلِ الاجتماعيِّ أبرزَها في خدمةِ البشريةِ في هذا الجانبِ التواصُليِّ الذي يشكلُ النواةَ المركزيةَ لنموِّ المجتمعِ وتقدُّمِهِ، واستغلالِ تقنياتِها وتطبيقاتِها في تحقيقِ أكبرِ قدرٍ ممكنٍ من التلاحمِ بينَ الثقافاتِ.
لقد بيَّنَتْ بعضُ الدراساتِ أنَّ وسائلَ الإعلامِ الجديدةَ أثبتَتْ قُدرتَها على مبدإِ تبادُلِ الثقافاتِ والقِيَمِ الإيجابيةِ وتعزيزِها، ومن هنا ندعو القيِّمينَ والمُشرِفينَ في الدوائرِ الرسميةِ المختصةِ، وعلى رأسِها وزارةِ الإعلامِ، إلى العملِ وَفقاً لهذا المبدإِ، وذلك من خلالِ تبادُلِ المواطنينَ الليبيينَ على اختلافِ ثقافاتِهِم على امتدادِ أرضِ الوطنِ، للصورِ والمعلوماتِ التي تعزِّزُ قيمَنا الإنسانيةَ والروحيةَ.
ويجبُ أن يتحلّى الاتصالُ الرقميُّ بين أبناءِ الوطنِ الحبيبِ بمبدإِ الاحترامِ والثقةِ المتبادَلةِ، واحترامِ الموروثاتِ الثقافيةِ والدينيةِ، لمختلِفِ جهاتِ التواصلِ في ما يندرجُ تحت مفهومِ القِيَمِ.
ورغمَ توافُرِ كلِّ الإمكاناتِ لتحقيقِ تواصُلٍ رقميٍّ فعّالٍ في ليبيا، إلا أن منَ المؤسفِ أن نرى جزءاً منَ الشبابِ الليبيِّ، وفي ظلِّ الوتيرةِ المتسارعةِ للتغيُّرِ التكنولوجيِّ، لا يزالُ يعاني من صعوباتٍ في التعرُّفِ إلى نفسِهِ وهُويَّتِهِ، فما بالُكَ بالآخَرِ المختلِفِ عنهُ؟
واستناداً إلى هذهِ المعطياتِ، باتَ منَ الضروريِّ أن يصنعَ شبابُنا صلحاً داخلياً، كلٌّ مع ذاتِهِ، وخارجياً معَ الآخرينَ، معتمِدينَ في ذلكَ على الإمكاناتِ والمِساحاتِ التي تقدِّمُها شبكاتُ التواصلِ الاجتماعيِّ دونَ غيرِها، والتي تُمكِّنُهُم من إقامةِ علاقاتٍ معَ الآخَرِ المُعلَنِ منها أكثرَ منَ الخفيِّ، والمُشتَرَكُ فيها أولى منَ المُختَلِفِ، لنتمكنَ منَ المُضيِّ قُدُماً في موكبِ الحضارةِ والتقدُّمِ، مُتَّخِذينَ منَ القِيَمِ الإنسانيةِ نِبراساً في ذلك.