تعزيزُ حقوقِ الإنسانِ ونشرُ الوعيِ لتحقيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ
نصَّ الإعلانُ العالميُّ لحقوقِ الإنسانِ في مادّتِهِ الأولى، على أنَّ “جميعَ الناسِ يُولدونَ أحراراً ومتساوينَ في الكرامةِ والحقوقِ، وهم قد وُهبوا العقلَ والوِجدانَ، وعليهم أن يُعامِلَ بعضُهم بعضاً بروحِ الإخاءِ”. وتضمَّنَ الإعلانُ نفسُهُ موادَّ حولَ الحقِّ في الحياةِ بكرامةٍ، والحريةِ والأمنِ وحريةِ التنقلِ، والحقِّ في الجنسيةِ والتعليمِ والمعاملةِ العادلةِ، فضلاً عن حريةِ التعبيرِ والرأيِ، والحمايةِ منَ التعذيبِ، وحقوقٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وثقافيةٍ.
على مدى سنواتٍ، كُتِبَتْ مواثيقُ عدّةٌ، ووُقِّعَتِ اتفاقياتٌ، منها اتفاقيةُ جنيف التي وَقّعَتْ ليبيا عليها عام 1956، وعلى البروتوكولين الإضافيين المتعلقين بحماية ضحايا النزاعات المسلّحة. كذلك وقّعت في عام 1993 على اتفاقيةِ حقوقِ الطفلِ، وفي عام 2004 على البروتوكولِ الاختياريِّ لاتفاقيةِ حقوقِ الطفلِ، وانضمَّت إلى اتفاقيةِ القضاءِ على جميعِ أشكالِ التمييزِ ضدّ المرأةِ (سيداو) عام 1989، وفي العامِ نفسِهِ انضمَّتْ إلى اتفاقيةِ مناهضةِ التعذيبِ، كذلك وقّعَتْ ليبيا على اتفاقياتٍ أُخرى تتعلّقُ بالقضاءِ على جميعِ أشكالِ التمييزِ العنصريِّ وحمايةِ حقوقِ العُمّالِ وغيرِها.
إنّ تصديقَ ليبيا على معظمِ مُعاهَداتِ حقوقِ الإنسانِ الأساسيةِ، يعني أنَّ حقوقَ الإنسانِ فيها تكتسبُ أهميةً متجذرة في قِيَمِها الاجتماعيةِ، وقد حانَ الوقتُ لتأكيدِ تعهداتِها في ما يتعلقُ بالالتزاماتِ الدوليةِ والتعاونِ مع هيئاتِ حقوقِ الإنسانِ، وهذا ما يعتبرُهُ الدكتور الصدّيق حفتر في طليعةِ أولوياتِهِ، وخصوصاً بعدَ الأحداثِ المأساويّةِ في درنة وشرقِ ليبيا، ومع تزايدِ حاجةِ السُّكانِ المتضررينَ لحمايةِ حقوقِهِمِ الأساسيةِ وإعادةِ الإعمارِ وتوفيرِ الدَّعمِ الاجتماعيِّ للضحايا واستعادةِ حقوقِهِم في الحياةِ والكرامةِ والأمانِ والمأوى والغذاءِ والصِّحةِ. وتأتي أهميةُ المجتمعِ المدنيِّ في توفيرِ المساعدةِ المحليةِ أساسيةً، إضافةً إلى بذلِ الجهودِ للانتقالِ مِنَ الصراعِ والانقساماتِ إلى مُصالحةٍ وطنيةٍ قائمةٍ على العدالةِ وإعادةِ بناءِ الثقةِ في مؤسَّساتِ الدولةِ وسيادةِ القانونِ.
يشدّدُ الدكتور حفتر على “المساواةِ في الحصولِ على العدالةِ الاجتماعيةِ للجميعِ وحمايةِ حقوقِ المدنيينَ منَ العنفِ ومكافحةِ الاتجارِ بالبشرِ واتخاذِ تدابيرَ لتجنُّبِ التضليلِ الإعلاميِّ وخطابِ الكراهيةِ، ولا سيّما عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ”. لا شكّ في أنّ مُنظَّماتِ المجتمعِ المدنيِّ تلعبُ دوراً حيوياً في نشرِ الوعيِ، ووجودُها ضروريٌّ في مراقبةِ الانتخاباتِ، ولا يمكنُ تحقيقُ المصالحةِ الوطنيةِ والانتخاباتِ الحرّةِ والنزيهةِ دونَ وجودِ مِساحةٍ مدنيةٍ آمنةٍ ومشاركةٍ كاملةٍ مِنَ المُجتمَعِ المدنيِّ وتمثيلِ المرأةِ في صنعِ القرارِ لتعزيزِ التماسكِ الاجتماعيِّ.
لعلَّ من أبرزِ التحدياتِ التي تواجهُ ليبيا، تهيئةَ بيئةٍ توفِّرُ حمايةً أكبرَ للأطفالِ، فهناك حاجةٌ ملحَّةٌ لتحسينِ نُظُمِ حمايةِ الطفلِ وتعزيزِها في ليبيا، حتى تكونَ النُّظُمُ أكثرَ استجابةً للاحتياجاتِ الخاصةِ بكلِّ طفلٍ، بِغضِّ النَّظرِ عنِ الجنسِ أو العِرقِ أو الوضعِ الاجتماعيِّ.
يُعتبَرُ ضمانُ الحُرياتِ العامةِ وحقوقِ الإنسانِ، وضمانُ مشاركةِ الفئاتِ المُهمَّشةِ في المجتمعِ، ولا سيّما النساءُ والشبابُ والمثقّفون، ضرورةً ملحّةً للوصولِ إلى العدالةِ الاجتماعيةِ، سواءٌ في العملِ أو المشاركةِ السياسيةِ والاقتصادية. هذه هي وُجهةُ نظرِ الدكتور حفتر، فبرأيِهِ “لا بُدَّ من تفعيلِ دَورِ مؤسَّساتِ المُجتمَعِ المدنيِّ لتؤديَ دورَ المُراقِبِ والكاشفِ لكلِّ أنواعِ الانحرافاتِ في تنفيذِ استراتيجياتِ الحقوقِ والحرياتِ العامةِ، إضافةً إلى دورِها الفعّالِ في بلورةِ وعيٍ مُجتمَعيٍّ يُستخدَمُ لضبطِ القِيَمِ والمعاييرِ الوطنيةِ”.
يتطلَّبُ تعزيزُ حقوقِ الإنسانِ والوصولُ إلى العدالةِ الاجتماعيةِ، جهوداً جمّةً لتطويرِ التشريعاتِ وصياغةِ قوانينَ تحمي هذهِ الحقوقَ وتضمنُ تطبيقَها، ويحتاجُ أيضاً إلى نشرِ الوعيِ من خلالِ مناهجَ تعليميةٍ وحَمَلاتِ توعيةٍ وخَلقِ فُرَصِ عَمَلٍ متساويةٍ للجميعِ وضمانِ المُساءَلةِ والمُحاسَبةِ عندَ انتهاكِ حقوقِ الإنسانِ. كلُّ ذلكَ يحتاجُ إلى تعاونٍ معَ المُنظَّماتِ الدوليةِ لتبادُلِ الخِبراتِ والمواردِ للوصولِ إلى العدالةِ الاجتماعيةِ في ليبيا العزيزةِ.