كيفيةُ تمكينِ التعليمِ في ليبيا لمواكبةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ
في ظلِّ التطوّرِ التكنولوجيِّ الهائلِ وعصرِ التحوُّلِ الرقميِّ، أصبحَ الذكاءُ الاصطناعيُّ الشُّغلَ الشاغلَ للأفرادِ والمؤسَّساتِ، لقدرتِهِ على مُحاكاةِ المهاراتِ العقليةِ والمُهماتِ بشكلٍ مماثلٍ للبشرِ، إن لم يكنْ أفضلَ منها. لقد باتَ الذكاءُ الاصطناعيُّ مسانداً في الكثيرِ منَ المجالاتِ المهمةِ، كالطِّبِّ وتشخيصِ الأمراضِ وأعمالِ الهندسةِ والفنونِ المعماريةِ والصناعةِ والزراعةِ وسواها. ووعياً منها لأهميتِهِ، عمدَتْ بعضُ الدولِ إلى إنشاءِ مجالسَ وطنيةٍ للذكاءِ الاصطناعيِّ، ووضعَتْ غيرُها استراتيجياتٍ وطنيةً للذكاءِ الاصطناعيِّ بِهدفِ مُواكَبةِ تطوُّرِهِ السريعِ لتحقيقِ أهدافِ التنميةِ المُستدامةِ.
ووَفقَ دراساتٍ وتحليلاتٍ لمؤسَّساتٍ دوليةٍ، منَ المُتوقَّعِ أن يُضيفَ الذكاءُ الاصطناعيُّ 15 تريليون دولار إلى الاقتصادِ العالميِّ بِحلولِ عام 2030، وأن يصلِ سوقُ الذكاءِ العالميِّ إلى نحوِ 190 مليار دولار في عام 2050، وأن يعملَ في مجالِهِ أكثرُ من 100 مليون شخصٍ، وهو سيخلُقُ ملايينَ الوظائفِ الجديدةِ في المُستقبلِ القريبِ.
في ليبيا، وُضِعَتْ سياسةٌ وطنيةٌ للذكاءِ الاصطناعيِّ، وهي ستكونُ بمثابةِ خريطةِ طريقٍ تُمكِّنُها من مُواكَبةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ واللِّحاقِ بتطوّرِهِ واستغلالِهِ في شتّى الميادينِ، والاستفادةِ من إمكاناتِهِ، والتخفيفِ من المخاطرِ المصاحِبةِ لانتشارِهِ، ما يُساهمُ في تحقيقِ النموِّ الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ الشاملِ.
أبرزُ أهدافِ السياسةِ الوطنيةِ للذكاءِ الاصطناعيِّ، مُواكَبةُ التغيُّراتِ والتطوراتِ التكنولوجيةِ من أجلِ تعزيزِ النموِّ الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ، ورفعُ مستوى أداءِ القطاعاتِ الحكوميةِ كافةً، وتحفيزُ الجِهاتِ الإداريةِ داخلَ الدولةِ، وتشجيعُ مختلِفِ القطاعاتِ الحيويةِ للاستثمارِ في مجالاتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، ومن بينِها قطاعُ التعليمِ، على أن يكونَ ذلكَ ضِمنَ مجموعةِ مبادئَ وضوابطَ تُعزِّزُ هذا الاستثمارَ والاستخدامَ الأمثلَ لهُ، وتحدُّ من مخاطرِهِ.
يتطلبُ الذكاءُ الاصطناعيُّ استثماراً طويلَ الأجلِ في رأسِ المالِ البشريِّ، بدءاً من مستوى التعليمِ الابتدائيِّ، وصولاً إلى سوقِ العملِ. وبرأيِ الدكتور الصدّيق حفتر “يجبُ إدخالُ التعديلاتِ اللازمةِ على المناهجِ المدرسيةِ في ليبيا، حتى تُواكبَ عصرَ الذكاءِ الاصطناعيِّ والبياناتِ والتقنياتِ الرقميةِ، ولا يكتملُ ذلك إلّا من خلالِ توفيرِ الكفاءاتِ المطلوبةِ لتعليمِ الطَّلَبةِ وتدريبِهِم على التقنياتِ الحديثةِ، وهذا يتطلّبُ أيضاً بناءَ قُدُراتِ المعلِّمينَ وإخضاعَهُم لدوراتٍ تدريبيةٍ وتوجيهَهُم إلى كيفيةِ تقديمِ برامجِ الذكاءِ الاصطناعيِّ الفعّالةِ للطلابِ، وقد يحتاجُ اللِّحاقُ بهذا التطورِ استقطابَ الكفاءاتِ اللازمةِ عندَ الحاجةِ”.
وتنساقُ الحاجةُ إلى تشجيعِ مراكزِ الريادةِ التابعةِ للجامعاتِ والمعاهدِ في ليبيا لمواكَبةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ. وهنا يُعوَّلُ على دورِ وزارةِ التعليمِ العالي والبحثِ العلميِّ لإعدادِ خُطةٍ شاملةٍ لتعديلِ المناهجِ التعليميةِ والجامعيةِ والاهتمامِ بالتقنياتِ الناشئةِ عن الذكاءِ الاصطناعيِّ وتوعيةِ الطلابِ على أهميتِهِ وفُرَصِ العملِ المُتاحةِ في مجالِهِ في المُستقبَلِ.
وتحتاجُ ليبيا، للِّحاقِ بالذكاءِ الاصطناعيِّ، إلى تطويرِ البِنيةِ التحتيةِ التقنيةِ، وزيادةِ الوصولِ إلى الإنترنت عالي السُّرعةِ. أمرٌ يلحظُهُ الدكتور حفتر، مشدِّداً على “ضرورةِ التركيزِ على التعليمِ والتدريبِ في مجالاتِ التكنولوجيا ودعمِ الأبحاثِ العلميةِ والتعاونِ مع جامعاتٍ ومؤسَّساتٍ عالميةٍ رائدةٍ في هذا المجالِ من أجلِ تطويرِ البِنيةِ التحتيةِ الرقميةِ في المدارسِ والجامعاتِ الليبيةِ وتحديثِ المناهجِ التعليميةِ فيها وتشجيعِ البحثِ العلميِّ في الذكاءِ الاصطناعيِّ، وكلُّ ذلكَ لا يتمُّ إلا بتوفيرِ الدعمِ الماليِّ والتشريعيِّ للمُبادراتِ التكنولوجيةِ في التعليمِ المدرسيِّ والجامعيِّ والمِهنيِّ على حدٍّ سواءٍ”.