مواجهةُ الجفافِ المتأتي عنِ التغيرِ المناخيِّ وتقليلُ انبعاثاتِ الكربون
تؤكدُ الأبحاثُ العلميةُ أنه معَ ارتفاعِ درجةِ حرارةِ الأرضِ، ستزدادُ موجاتُ الجفافِ الشديدةُ، الفيضاناتُ المدمِّرةُ، حرائقُ الغاباتِ والعواصفُ. ويُهدِّدُ التغيرُ المناخيُّ سلامةَ الإنسانِ وصحتَهُ بصورةٍ مباشرةٍ أو غيرِ مباشرةٍ، من خلالِ انتشارِ الأمراضِ المنقولةِ أوِ المُعديةِ، والأمراضِ التي تنتقلُ عبرَ المياهِ أو الغذاءِ الملوَّثِ.
التغيّرُ المناخيُّ اضطرابٌ في الظروفِ المناخيةِ المعتادةِ، كالحرارةِ، واتجاهِ الرياحِ، ومنسوبِ تساقطِ الأمطارِ لكلِّ منطقةٍ من مناطقِ الأرضِ، وتُعتبَرُ المجتمعاتُ الأشدُّ فَقراً الأكثرَ تعرُّضاً لتأثيراتِ تغيُّرِ المناخِ. ويؤكدُ الكثيرُ من خبراءِ المناخِ أننا “نقتربُ من كارثةٍ مناخيةٍ، وأنه حانَ الوقتُ لإعلانِ حالةِ الطوارئِ المناخيةِ والوصولِ بانبعاثاتِ غازاتِ الاحتباسِ الحراريِّ إلى المستوى الصِّفرِ بحلول عام 2050”.
لكلِّ شخصٍ منّا دورٌ يلعبُهُ في هذا الإطارِ. نحنُ كأفرادٍ، يتعيّنُ علينا أن نغيِّرَ عاداتِنا الاستهلاكيةَ للانتقالِ إلى عالَمٍ منخفِضِ الكربون، والتقليلُ من التلوّثِ الكربونيِّ. ويُعتبَرُ قطاعُ النقلِ مسؤولاً عن نسبةٍ كبيرةٍ منَ انبعاثاتِ غازاتِ الاحتباسِ الحراريِّ. من هنا، تعملُ الحكوماتُ، في جميعِ أنحاءِ العالمِ، على تنفيذِ سياساتٍ لإزالةِ الكربون من وسائلِ النقلِ. وتأتي مساهمةُ الأفرادِ في ذلك ضروريّةً من خلالِ الاستعاضةِ عنِ استخدامِ سياراتِهِم بالسَّيرِ على الأقدامِ أو استعمالِ الدراجاتِ الهوائيةِ أو استخدامِ وسائلِ النقلِ العامِّ أو مشارَكةِ السياراتِ مع آخرينَ لتخفيفِ عددِ السياراتِ على الطُّرُقاتِ.
قد تكونُ فكرةُ تركيبِ الألواحِ الشمسيةِ على أسطحِ المنازلِ فكرةً ذكيّةً، مع تخفيضِ درجةِ التدفئةِ، ووقفِ تشغيلِ الأجهزةِ والأضواءِ في حالِ عدمِ استخدامِها، ومنَ الأفضلِ شِراءُ المُنتَجاتِ الأكثرِ كفاءةً، واستخدامُ عوازلَ للأسقُفِ مثلاً، ليكونَ المنزلُ أدفأَ في الشتاءِ، وأبردَ في الصيفِ.
ولأنَّ التنميةَ الحديثةَ والمُستدامةَ تستخدمُ طاقةً أقلَّ بنسبةٍ تصلُ إلى 56%، وتُنتجُ انبعاثاتٍ أقلَّ بنسبةِ 64%، وتسمحُ بمستوياتٍ أكبرَ منَ التنوعِ البيولوجيِّ، مُقارنةً بالزراعةِ التقليديةِ، فلا بدّ من تنميتِها ودعمِها. هذا ما يُشجّعُ عليه الدكتور الصدّيق حفتر، مُقترِحاً “زراعةَ الفاكهةِ والخضرواتِ والأعشابِ من قِبَلِ المواطنينَ، وتجنُّبَ الهدرِ عندَ شِراءِ الأطعمةِ، والاستفادةَ من كلِّ جُزءٍ صالحٍ للأكلِ منَ الطعامِ”.
ويلفتُ الدكتور حفتر إلى ما حدثَ في درنة العامَ الماضيَ من فيضاناتٍ، مؤكّداً أنّه “يجبُ أن يكونَ إنذاراً للعالَمِ بشأنِ الخطرِ المتزايدِ للفيضاناتِ الكارثيةِ في عالَمٍ يتغيرُ بسببِ تغيُّرِ المناخِ، فتغيُّرُ المناخِ جعلَ العاصفةَ حينها أشدّ، ما أدى إلى خسارةٍ كبيرةٍ في الأرواح”، لافتاً إلى أنّ ذلك “يجبُ أن يكونَ بمثابةِ دعوةٍ للعالَمِ مُجتمِعاً إلى الوفاءِ بالتزاماتِهِ بشأنِ خفضِ الانبعاثاتِ، وضمانِ تمويلِ التكيُّفِ معَ المناخِ ومعالجةِ الخسائرِ والأضرارِ الناجمةِ عنه”.
وتأتي أهميّةُ استثمارِ الدولِ بشكلٍ استباقيٍّ في نُظمِ المعلوماتِ والمؤسَّساتِ والبِنيةِ التحتيةِ، في طليعةِ الاهتماماتِ التي تبني القدرةَ على الصُّمودِ أمامَ موجاتِ الجفافِ، عبرَ أنظمةِ الرَّصدِ والإنذارِ المبكرِ، ووضعِ حُلولِ البِنيةِ التحتيةِ مثلِ تحليةِ المياهِ، وبرامجِ إعادةِ استخدامِ المياهِ وإعادةِ تدويرِها، وتجميعِ مياهِ الأمطارِ ورفعِ مستوياتِ التخطيطِ والتأهُّبِ لمواجهَةِ الجفافِ والمخاطرِ المتأتيةِ عنه، ووضعِ خططٍ للطوارئِ قصيرةِ الأمدِ وطويلةِ الأمدِ.
ولا يكتملُ التصدي للتغيرِ المناخيِّ في ليبيا إلا من خلالِ الآتي:
رفعُ الوعيِ البيئيِّ، وتثقيفُ أفرادِ المجتمعِ، وتنظيمُ حمَلاتٍ لترشيدِ استهلاكِ المياه.
التشجيعُ على توفيرِ الطاقةِ.
تقليلُ الملوِّثاتِ والانبعاثاتِ الكربونيّةِ.
تخفيضُ الاعتمادِ على النِّفطِ مصدراً أساسياً للطاقةِ.
استغلالُ مصادرِ الطاقةِ المتجددةِ مثلِ الطاقةِ الشمسيةِ وطاقةِ الرياحِ.
ابتكارُ مصانعَ صديقةٍ للبيئةِ.
زرعُ محاصيلَ تتحمّلُ الجفافَ، وتطويرُ التقنياتِ الزراعيةِ الذكيّةِ التي تستخدمُ كميةً أقلَّ منَ المياهِ.
صحيحٌ أنّ ليبيا تواجهُ تحدياتٍ عدّةً في التصدي للتغيّرِ المناخيِّ أُسوةً بالكثيرِ منَ الدولِ، لكنّها مع توافُرِ الإرادةِ السياسيةِ والتعاونِ الدوليِّ، قادرةٌ على تعزيزِ قُدُراتِ مؤسَّساتِها لمواجَهةِ الجفافِ الذي يتهدَّدُ العالمَ أجمعَ.