الإنسانيةُ سمةٌ قيِّمةٌ في حياتِنا وهيَ أحد الطُّرُقِ نحوَ المغفرةِ في الآخرةِ
بقلم الدكتور الصدّيق خليفة حفتر:
إنّ الدينَ الأولَ للإنسانِ هو الإنسانيةُ، فالأشخاصُ المولودونَ منَ الإنسانيةِ لهم أديانُهُمُ الخاصةُ، ولكنَّ أولَ دينٍ لكلِّ إنسانٍ هو الإنسانيةُ، ولهذا السببِ نحنُ جميعاً مُرتبِطٌ بعضُنا ببعضٍ، فيما المبدأُ الأولُ والأهمُّ عبادةُ مَنْ خلقَكَ وطاعتُهُ.
في الواقعِ، الإنسانيةُ ليسَتْ موجودةً في كُلِّ كائنٍ بشريٍّ حيٍّ، فبعضُ الناسِ بشرٌ، ولكنَّ شخصياتِهِم نراها مجرَّدةً منَ الإنسانيةِ في تصرفاتِهِم وسلوكياتِهِم. فكلمةُ الإنسانيةِ تعني مساعدةَ البشرِ الآخرين، أن تكونَ غنيّاً يُساعدُ الفقراءَ، أن تكونَ قوياً يدعمُ الضعيفَ، أن تكونَ سليماً يُحبُّ خدمةَ المرضى، وأن تكونَ عالِماً يُحبُّ مساعدةَ الجاهلينَ ومحتاجي المعرفةِ (التي لديك). والأهمُّ، المطلوبُ منّا جميعاً شكرُ الخالقِ وحمدُهُ على عطاياهُ. هذا هو الطريقُ المُفترَضُ أن يسلكَهُ الإنسانُ الصالحُ، لأنَّ الإنسانيةَ تُجسِّدُ أحدَ الطُّرُقِ التي تقودُ الإنسانَ نحوَ المغفرةِ في الآخرةِ، فهي تتجلّى بأبهى صُورِها بالرَّحمةِ، حيث يقولُ عبدُ الله بنُ عمرو: قال رسولُ اللهِ (ص): “الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ تبارَك وتعالى؛ ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ”.
على مستوى الدولةِ الليبيةِ، يشكلُ العملُ الإنسانيُّ والإغاثيُّ أولويةً استراتيجيةً، ومساعدةُ المحتاجينَ واجبٌ قطعَتْه ليبيا على نفسِها تُجاهَ أبنائِها في الإنسانيةِ مهما كانَتِ الظروفُ والتحدياتُ. لقد أثبتَتْ ليبيا تمسُّكَها بالعملِ الإنسانيِّ واستمرارَها بِهِ من خلالِ تقديمِ المُساعدةِ إلى المحتاجينَ أينما وُجِدوا، ورأينا كيفَ تُرجِمَتْ أخلاقياتُ مجتمعِنا، والأجهزةُ المختصةُ في وزاراتِنا في إغاثةِ المنكوبين والمظلومين وتقديمِ العونِ إلى المحتاجين، والأمثلةُ بالطبعِ كثيرةٌ، كان آخرَها تعاملُها بحكمةٍ وإرادةٍ وإنسانيةٍ مع فيضاناتِ الشرقِ الليبيِّ، وخصوصاً التي ضربَتْ مدينةَ درنة في العاشرِ من أيلول 2023.
إنَّ اللهَ خلقَنا في أحسنِ تكوينٍ، صورةً عن كمالِهِ، واستخلفَنا في الأرضِ، ومكَّنَ لنا فيها. فالإنسانُ مخلوقٌ ناطقٌ عاقلٌ، حرٌّ، يشعرُ ويُدركُ أنه يشعرُ، ويعي غاياتِهِ ووجودَهُ ورسالتَهُ. ولقد أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى العديدِ من مكوِّناتِ النزعةِ الإنسانيةِ، حيثُ تضمَّنَ بعضُها اعتبارَهُ أنَّ الإنسانَ كائنٌ مُكَرَّمٌ، وتظهرُ هذه الحقيقةُ الجليةُ في قولِهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.
ممّا لا شكَّ فيهِ، أنَّ بعضَ المسؤولياتِ تُوجِبُ علينا الوفاءَ بواجبِ الإنسانيةِ، والقضاءَ على الغَيرةِ والبُغضِ والكراهيةِ والطمعِ والجشعِ والأنانيةِ، والعيشَ والتفاعلَ معَ البشرِ الآخرين الذين يعيشون حياةَ العملِ الجادِّ والصِّدقِ والتواضعِ والحقِّ والإنصافِ والعدالةِ، وأكثرُ ما نحتاجُهُ في حياتِنا اليوميةِ، هو الثقةُ والإيمانُ بربِّ الكونِ، ما يعني أنّ علينا المحافظةَ على دينِ الإنسانيةِ هذا سويّاً، وأن يدعمَ بعضُنا البعضَ، وأن نساعدَ الآخرين ما نستطيع. فالإحسانُ أحدُ أسبابِ محبةِ اللهِ تعالى لعبدِهِ، وإذا أحبَّ اللهُ عبدَهُ أسعدَهُ، وأعطاهُ رغباتِهِ، ويتجلى ذلكَ بقولِهِ تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة: 195).
وفَّقَنا اللهُ لنكونَ بشراً صالحين، وأُناساً خيِّرين، ومصدرَ راحةٍ وطمأنينةٍ لإخوانِنا في الإنسانيةِ على امتدادِ الوطنِ، آمين آمين.