الأنظمة العربية على هامش المشهد
سمير السعد – في ظل التصعيد المستمر الذي يعانيه الشعب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، يبرز سؤال ملح: إلى متى يستمر الصمت العربي تجاه ما يجري؟ فمنذ عقود طويلة، تتكرر الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وتحديدًا على الجنوب اللبناني، دون رد فعل عربي يرقى إلى حجم المعاناة التي يعيشها المدنيون العزل.
ما نشهده اليوم ليس مجرد اعتداء عسكري، بل هو فصل من فصول الاحتلال الذي يهدف إلى فرض هيمنة كاملة على المنطقة، بدءًا من تجويع الشعوب ومرورًا بتدمير البنية التحتية، وصولاً إلى تهجير المواطنين من أراضيهم. تلك الممارسات التي تجري تحت غطاء دولي، مدعوم بالصمت العربي المريب، تعكس حالة من العجز أو التواطؤ غير المباشر. ، ورغم صدور بيانات التنديد من بعض الدول العربية، يبقى السؤال الأكبر: أين هي المواقف الفعلية؟ البيانات المقتضبة التي تصدر عن بعض الأنظمة لم تعد تؤثر في مسار الأحداث، ولم تعد تعكس جديّة في اتخاذ موقف حازم. كيف يمكن أن يفسر هذا الصمت؟ هل هو نابع من الخوف من المصالح الدولية؟ أم أن هناك أبعادًا أخرى تكمن خلف هذا الجمود؟
بينما تبقى الأنظمة العربية على هامش المشهد، فإن الشعوب العربية لم تتوقف يومًا عن إظهار تضامنها مع الشعب اللبناني. لا تزال المظاهرات، الحملات الشعبية، والمبادرات الفردية تظهر بين الفينة والأخرى، محاولة كسر هذا الصمت المطبق.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل يكفي التضامن الشعبي في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية؟ إلى متى هذا الصمت؟
ما يجري في لبنان هو استمرار لمعاناة عربية أعمق، حيث تتكرر ذات المشاهد في فلسطين، سوريا، واليمن. الحل لن يكون بالكلمات فقط، بل بالانتقال إلى خطوات عملية تحمي الشعوب من طغيان الاحتلال وأعوانه.
في ظل هذا الصمت، يبدو أن الشعب اللبناني لن ينتظر الدعم العربي طويلًا، وسيواصل المقاومة بطرقٍ شتى. لكن مسؤولية العرب – حكومات وشعوب – لا تزال قائمة.
إن الصمت العربي تجاه ما يحدث في لبنان، وما سبق من أزمات مشابهة في فلسطين وسوريا والعراق واليمن، يعكس أزمة أعمق بكثير من مجرد التخاذل السياسي. إنه يعكس انقطاعًا بين الشعوب والقيادات، وبين المبادئ التي قامت عليها الأمة العربية وتلك التي تحكم الواقع اليوم. إن تخاذل بعض الحكومات في اتخاذ مواقف صارمة لم يعد مقبولًا في ظل تسارع الأحداث والتحديات التي تواجه المنطقة بأسرها. فالأمر لم يعد يتعلق بمجرد تأييد أو رفض، بل بمستقبل شعوبنا ومصير أمتنا.
إن الشعوب العربية اليوم على دراية أكبر بما يدور حولها، وهي تتطلع إلى خطوات جادة تعيد للأمة هيبتها ومكانتها بين الأمم. الشعب اللبناني، الذي عانى لعقود طويلة من الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، لم يعد ينتظر من العالم الخارجي أن يقف إلى جانبه، ولكنه ما زال يأمل في أن تكون الشعوب العربية هي اليد التي تمتد إليه في أصعب اللحظات.
إن مواقف الشعوب التي تعبر عن دعمها للبنان، سواء عبر التظاهرات، الدعم المالي، أو الحملات الإعلامية، هي دليل على أن الوجدان العربي لم يمت، وأن ما يجري في لبنان يمس كل عربي حر. لكن هذه الجهود الشعبية، رغم أهميتها، تحتاج إلى دعم مؤسساتي ورسمي لتكون مؤثرة وفعّالة.
إذا كان الماضي قد أثبت لنا أن التنديد وحده لا يكفي، فإن الحاضر يلزمنا بالبحث عن خطوات عملية يمكن من خلالها كسر دائرة الصمت. هذه الخطوات قد تبدأ بإعادة تفعيل العمل العربي المشترك، مرورًا بزيادة الضغط الدبلوماسي على الدول الداعمة لإسرائيل، وصولاً إلى بناء اقتصاد عربي متكامل يقلل من الاعتماد على القوى الخارجية التي تفرض شروطها على قراراتنا السياسية.
إن بناء مستقبل عربي أكثر استقرارًا وأمانًا يبدأ من الوقوف إلى جانب الشعوب التي تعاني تحت وطأة الاحتلال والعدوان، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا من خلال صحوة عربية شاملة، تعيد للأمة روحها ومكانتها.
وفي الختام، يبقى الأمل معقودًا على أن يشكل الألم الذي يعانيه الشعب اللبناني حافزًا لتوحيد الصف العربي والوقوف أمام التحديات المشتركة. إن التاريخ لا يرحم المتخاذلين، والشعوب لن تنسى من تواطأ أو تخاذل في لحظات محورية من تاريخها. إن الكرامة العربية، التي طالما كانت عنوانًا للفخر والعزة، تستحق أن نضحي من أجلها، وأن ننهض بها مرة أخرى من رماد التخاذل إلى سماء القوة والعدالة.