الشّعر لسان الرّوح
بِقلَم الدكتور الصدّيق خليفة حفتر:
لم يكن عباس محمود العقاد مخطئًا حين عَنْوَنَ أحدَ كتبه ب«اللّغة الشّاعرة»، فاللّغةُ العربيّة والشّعرُ توأمٌ يستحيلُ فصلُه، رغم ما نسمعُ الآن من أقوال مثلَ: هذا عصرُ الرّوايةِ، أو انتهى زمنُ الشِّعرِ، أو حتّى بماذا يُفيدنا الشِّعرُ في عصرِالتكنولوجيا؟.
فالشِّعرُ والشُّعورُ من مصدرٍ واحد، ولا ينتهي الشِّعرُ إلّا إذا جرَّدْنا الإنسانَ من أحاسيسِه، وجعلناه آلةً لا عواطفَ لها. وقد ذكرتُ ذلك في بيتين مِن قصيدةٍ لي:
الشِّعرُ عِطرُ الوردةِ الفوّاحُ … بعبيرِه تتفتَّحُ الأرواحُ
لُغةُ القلوبِ إذا اشْتَكَتْ مِن حُزنِها … تَأوي إليهِ بلهفةٍ تَرتاحُ
وفي زمنِ تَغَوُّلِ التكنولوجيا لمْ يعُدِ الشِّعرُ ترَفًا، بل أصبحَضرورةً ليُخفِّفَ مِن حِدَّةِ العزلةِ الجتماعيةِ التي أدخلتنا فيها هواتفُنا النّقالةُ، وشدّةِ الاغترابِ الذي تَفشّى في مجتمعاتِنا المعاصرةِ.
أعلَمُ أنَّ الشِّعرَ فقدَ كثيرا من مكانتِه السابقةِ، فقد كان الشّاعرُ لسانَ القبيلةِ: يَنشرُ أفراحَها ويبكي أتراحَها، وكان الشّعرُ ديوانَ العربِ يُسجِّلُ وقائعَهُم وحوادِثَهم، ويمدحُالخِصالَ ويَذمّ المساوِئَ، يرويه الصّغيرُ قبل الكبيرِ وتحفظُهالمرأةُ في بيتِها كما يُنشدُه الأميرُ في مجلسِه. كثيرٌ من هذا انقرضَ لطبيعةِ عصرِنا المختلفةِ، حيث نافستِ الشِّعرَ فنونٌكثيرةٌ وسرقتْ منه بعضَ أدوارِه، لكنْ ما لا يمكنُ سلبُه منه، أنّه «لسانُ الرّوحِ»، ودمعةُ الأمّ الثَّكلى، وخفقةُ القلبِ العاشقِ. وكم هو بليغٌ قولُ عمرَ بنِ الخطّابِ رضي الله عنه: «الشِّعرُ: يَسكُنُبه الغَيظُ، وتُطفَأُ به الثَّائِرَةُ، ويَتَبَلَّغُ به القومُ، ويُعطى بهِالسّائِلُ».