المصالحة الوطنية تبدأ بإلغاء صراعات الماضي وتكريس سيادة القانون
تشكّل المصالحة الوطنية في ليبيا الركن الأساس، لكسر الحلقة المفرغة للحرب المستمرّة منذ سنوات طويلة، ومدخلاً إلزامياً للحلّ السياسي، وشرطاً مُسبقاً وضرورياً لبناء سلام دائم.
لقد أظهرت تجارب السنوات الصعبة أن “ثقافة العنف” لا تبني وطناً ولا تحقق غاية الشعب الليبي الذي يتوق إلى السلام والحرية والازدهار، ويعيش آمناً في بلده الذي يملك كلّ مقومات هائلة تجعله بمصاف الدول المتحضّرة، من هنا تعدّ المصالحة الوطنية ممراً إلزامياً لإنهاء الصراع والعبور إلى تسوية سياسية دائمة وراسخة، إلا أنه من الضروري الحصول على ضمانات من القوى والأطراف والدول الفاعلة والمؤثرة في الصراع الدائر في ليبيا، إضافة إلى تعهد القوى والأطراف المحلية الليبية باعتبار المصالحة الوطنية أولوية وقناعة لا رجوع عنهما.
يتطلّب تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة إتباع الآليات المناسبة للعدالة الانتقالية، عبر إصلاح المؤسسات وتنقيتها من الفساد. وتبدأ مقومات النجاح بالسعي المشترك نحو إلغاء عوائق الماضي واستمراريتها السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتصحيح ما ترتّب عنها من غبنٍ ومآسٍ وأخطاء وانتهاكات وجرائم جسيمة، والنظر بتفاؤل الى المستقبل وذلك من خلال التأسيس فوراً للنيات الصادقة وغير المزيفة للديمقراطية وللمشاركة المتساوية.
لقد خلّفت الحرب في ليبيا مؤسسات مدمرة وعجزت معها القوى السياسية عن الوصول الى اتفاق حول الدستور وعملية إجراء الانتخابات. لقد فشل تنظيم مؤتمر المصالحة في أبريل من العام الماضي وهذا يجب أن يكون عبرة لضرورة الإسراع في تشكيل حكومة موحدة برعاية عربية ودولية من أجل إصلاح ذات البين بين القوى المتصارعة، هذا ما يؤكد عليه الصديق حفتر الذي يشدد على “وجوب عقد مؤتمر للمصالحة تنبثق عنه وثيقة وطنية ليبية تُلزم كافة الأطراف بتنفيذها للانتقال من مرحلة الصراع الى مرحلة السلم والاستقرار”. ويؤكد على ضرورة “أن تحظى هذه الوثيقة بتأييد ودعم من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي ومنظمة التعاون الإسلامي، لأن هذه الوثيقة وإن كانت ليبية إلا أن أهميتها تكمن بالاعتراف الدولي بها وحسن تطبيقها”.
ولتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة وبلوغها غايتها المرجوة، يلفت الدكتور حفتر الى “أهمية إتباع الآليات المناسبة للعدالة الانتقالية، عبر إصلاح المؤسسات وتنقيتها من الفساد”، معتبراً أنّ مقومات نجاح المصالحة الوطنية تبدأ بالسعي المشترك نحو إلغاء عوائق الماضي واستمراريتها السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتصحيح ما ترتّب عنها من غبنٍ ومآسٍ وأخطاء وانتهاكات وجرائم جسيمة وبناء النيّات الصادقة وغير المزيفة للديمقراطية وللمشاركة المتساوية”.
إن الغاية الحقيقية للمصالحة الوطنية في ليبيا تكمن في السعي إلى خلق بيئة التصالح والتوافق الاجتماعي بين كل أطياف ومكونات الشعب الليبي عبر الانصهار فيما بينها. ويرى الدكتور الصديق حفتر أن ذلك “يتطلب تشكيل لجنة تضم ممثلين عن أعيان المناطق والجهات، وشيوخ ووجهاء القبائل، والنخب والكفاءات السياسية والقانونية والعلمية والثقافية، من أجل الوقوف على قاعدة ثابتة وصلبة من أجل إنهاء النزاعات والخصومات القائمة على أسس عشائرية أو قبلية أو مناطقية على أن يكفل القانون والعرف حقوق الجميع دون تمييز”.
تشترط المصالحة الوطنية الاتفاق على الثوابت الوطنية وقبول أطراف الصراع بإجراء المصالحة في مناخ من الشفافية وسيادة القانون والقناعة بأن مصلحة ليبيا والليبيين هي المعيار والتركيز على حقوق الضحايا مثل أولوية عودة المهجرين والنازحين الليبيين إلى مناطقهم ووجود جهة محايدة ومستقلة تُعنى بتقييم نتائج المصالحة في مراحلها المختلفة وعدم السماح باستغلال المصالحة لتحقيق مكاسب حزبية أو قبلية. هذا ما يراه الدكتور حفتر، مشدداً على “ضرورة البدء بوضع آلية لضمان وقف دائم لإطلاق النار وإعداد وثيقة وطنية للتعايش السلمي تتفق عليها كل الأطراف، من هنا تأتي أولوية تشكيل حكومة قوية متجانسة وتأسيس قوات أمنية قوية ومجهزة تجهيزاً تتناسب مع التحديات والمرحلة الحالية، على أن يكون ولاؤها الوطن وليس أي توجه سياسي أو مناطقي أو دولي، وإقرار مشروع يقضي بحل المجموعات المسلّحة ونزع السلاح وحصره بيد السلطة التنفيذية فقط ووضع حلول قانونية للنزاعات، على أن تكون مرضية لجميع الأطراف المتنازعة وقادرة على الوفاء بحاجاتهم الأساسية والاستجابة لتطلعاتهم الجوهرية”.
لطالما بقيت تجربة المصالحة الوطنية حقلاً مفتوحاً لجهود مجموعات وأفراد خيرين بذلوا جهوداً جبارة لتحقيقها، إلا أنهم لم يحصدوا ثمار عملهم نتيجة الإشكاليات التي كانت دائماً ما تواجههم، من هنا تأتي أهمية أن تكون المصالحة ضمن خطة وطنية شاملة تعيد الأمن والسلم والاستقرار للمجتمع الليبي. “إن التحديات التي تواجهها المصالحة تكمن في بقائها رهينة التسييس واستمرار الحرب” – يقول الدكتور حفتر- ويضيف “لذلك يجب أن تبدأ الخطوة الاولى في مسار المصالحة الفعالة باقتناع الاطراف المتصارعة بتقديم تنازلات حقيقية وصادقة من أجل بناء دولة قبل فوات الأوان”.