“المصالحةُ الوطنيّةُ” بابُ العُبورِ لتحقيقِ الاستقرارِ
- تَتكثّفُ الجهودُ الهادفةُ إلى تحقيقِ المُصالحةِ الوطنيّةِ في ليبيا كونُها بابَ العبورِ نحوَ الاستقرارِ الكاملِ في البلادِ، ويُعتبرُ الاستقرارُ السّياسيُّ عاملًا حاسمًا في تكريسِ شعورِ المواطَنةِ بعيدًا عنِ التّدخّلاتِ الخارجيّةِ وسيطرةِ المصالحِ، شعورٌ لا يتأتَّى إلّا مِن خلالِ التّوافقِ بينَ الفُرَقاءِ اللّيبيينَ لإيجادِ حلٍّ سياسيٍّ يكونُ مَقبولًا لدى كافّةِ الأطرافِ المُتنازِعَةِ.
يُمكنُ وصفُ الأزمةِ في ليبيا أنّها أزمةُ حِوارٍ بينَ الأطرافِ الاجتماعيّةِ والسياسيّةِ، أزمةُ ثقافةٍ مُؤسّساتيّةٍ يسودُها القانونُ، أزمةُ ضُعفٍ في مؤسّساتِ الدّولةِ، فبعدَما أصبحَ الفسادُ هو السّائدُ والمحسوبيّةُ هي المُسيطرَةُ، بات المواطنُ غيرَ مُبالٍ بسببِ اللّامساواةِ. ولم تَقتصرْ آثارُ الصّراعِ في ليبيا على انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ وإهدارِ المالِ العامِّ، بل دمّرتِ القِيَمَ الأخلاقيّةَ الّتي تُشكِّلُ إحدى أهمِّ العناصرِ في عمليّةِ التّنميةِ المجتمعيّةِ والثّقافيّةِ والديمقراطيّةِ.
لقد باتتِ المصالحةُ الوطنيّةُ في ليبيا حاجةً ضروريّةً لتحقيقِ السِّلمِ الأهليِّ واستبدالِ روحِ الصّراعِ بروحِ السِّلمِ. ولتحقيقِها، لا بُدَّ أوَّلًا مِنْ تصفيةِ النيّةِ بينَ جميعِ الأطرافِ وخاصّةً أطرافِ النّزاعِ، والتّصدّي للتّدخلاتِ الخارجيّةِ ولحالاتِ الانقسامِ، والدعوةِ إلى حوارٍ وطنيٍّ يهدِفُ إلى إشراكِ مُؤسّساتِ المجتمعِ المدنيِّ، ونشرِ ثقافةِ التّسامحِ وإرساءِ قواعدِ القانونِ. ويرى الدّكتور الصّدّيق حفتر وهو مِن أوّلِ السّاعينَ إلى المصالحةِ “أنَّ تضميدَ الجِراحِ بجبرِ الضّررِ، وإشراكَ الجميعِ مِنْ ساسةٍ ومثقفينَ وقَبائلَ في طرحِ الأفكارِ ومناقشةِ الحلولِ، أمرٌ لا بُدّ منه لمعالجةِ النّفورِ بين شرائحِ المُجتمعِ”.
ممّا لا شكَّ فيه أنَّ عمليّةَ المُصالحةِ الوطنيّةِ تحتاجُ إلى عِدّةِ أمورٍ، وفي طليعتِها تقديمُ الدّعمِ لأجلِ تطبيقِها، ومِن أهمِّ السّبلِ لذلكَ مضاعفةُ الجهودِ المحليّةِ والدّوليّةِ للسّيطرةِ على الوضعِ الأمنيِّ في البلادِ، ووضعِ خارطةِ طريقٍ للتّوصُّلِ لاتفاقٍ سياسيٍّ يُخفّفُ مِن حدّةِ التّوتُّرِ ويُحسّنُ الظّروفَ الأمنيّةَ، “ويَترتّبُ على السّياسيّينَ في ليبيا استخدامُ المصالحةِ لبناءِ الثّقةِ بينَ مُختلَفِ القُوى السّياسيّةِ والاجتماعيّةِ، ومنحُ فرصةٍ للمجتمعِ المدنيِّ في مناقشةِ الدّستورِ، فضلًا عن ضرورةِ إدخالِ تحسيناتٍ على الإدارةِ العامّةِ على أنْ تُدارَ عمليّةُ المصالحةِ مِن شخصيّةٍ وطنيّةٍ تحظى بِدعمٍ دَوليٍّ”، هذا ما يُشيرُ إليه الدّكتور حفتر بوضوحٍ، مُعوّلًا على دورِ الإعلامِ في دعمِ المصالحةِ مُشبِّهًا دورَه بـ”مَنبعٍ أساسيٍّ للقِيَمِ الاجتماعيّةِ نظرًا لفعاليّتِهِ في التّأثيرِ على العقولِ، وغرسِ أنماطِ القِيَمِ الاجتماعيّةِ بِها، وتعميقِها في النّفوسِ، ونزعِ شعورِ الحِقدِ والكراهيةِ الّذي ساعدَ بفعلِ التّأثيرِ الخارجيِّ والعَصبيَّةِ القَبَليّةِ على زيادةِ الشَّرخِ المُجتمعيِّ، وما الدّورُ الّذي تلعبُه وسائلُ التّواصلِ الاجتماعيِّ وقدرتُها على التّأثيرِ في تغييرِ أنظمةِ الحُكمِ في العديدِ مِنَ الدّولِ إلّا خيرُ دليلٍ على ذلكَ”. ويُشدِّدُ الدّكتور حفتر على أهميّةِ مراجعةِ السّياسةِ الإعلاميّةِ في البلادِ وتَصويبِها بما يخدُمُ الوطنَ بعيدًا عنِ التّدخُّلاتِ الخارجيّةِ، وبلُغةٍ لا تُميّزُ بين أبناءِ الوطنِ أجمعينَ.
يُعَدُّ التّعايشُ السِّلميُّ ضروريًّا لتحقيقِ المُصالحةِ الوطنيّةِ، ورُبّما تحتاجُ عمليّةُ رأْبِ الصّدعِ بينَ الأطرافِ المُتحاربةِ إلى مجهودٍ كبيرٍ مِن كافّةِ أطرافِ المجتمعِ، توصُّلًا إلى نزعِ الشّعورِ بالألمِ والكراهيةِ بين أبناءِ المجتمعِ، كما أنَّ اللُحّمةَ الوطنيّةَ والتّعايُشَ السِّلميَّ يحتاجانِ إلى توحيدِ الجهودِ لبناءِ مجتمعٍ خالٍ مِنَ الصّراعاتِ وتبادُلِ التُّهمِ والتّخوينِ، كلُّ ذلكَ يجبُ أن يترافقَ معَ بيئةٍ سياسيّةٍ بعيدةٍ عنِ التّجاذباتِ السّياسيّةِ تكونُ واعيةً لخطورةِ الوضعِ في ليبيا، ولحالةِ الانقسامِ السياسيِّ والإداريِّ والاقتصاديِّ، والبُعدِ عن محاولةِ كلِّ طرَفٍ الحصولَ على مكاسبَ سياسيّةٍ على حسابِ هذا الوطنِ العظيمِ.