جوهر المصالحة الوطنيّة هو إبرام عقد اجتماعيّ تعايشيّ جديد يحفظ لجميع المكوّنات الليبيّة حقوقها ومصالحها في إطار الوطن الواحد
تعدّ المصالحة الوطنيّة شكلًا من أشكال العدالة الانتقاليّة، والهدف منها إحداث توافق وطنيّ الغرض منه تقريب وجهات النّظر المختلفة، وردم الفجوات بين الأفرقاء المتخاصمين، والاتّفاق على خطّة شموليّة ومتكاملة من خلال أفكار وطروحات وطنيّة جديدة لحل الاختلافات في وجهات النظر تنسجم مع طبيعة المجتمع الليبي، وربّما تتطلّب تفعيل طرق محليّة قديمة ومنحها الدّعم الكافي لتؤدي دورها في هذا المجال.
إنّ المجتمع الليبي بحاجة اليوم إلى إعادة بنائه وفق أسس قانونيّة وسياسيّة واقتصاديّة علميّة وشفّافة، مبنيّة على إبرام عقد اجتماعيّ تعايشيّ جديد، يحفظ لجميع المكوّنات حقوقها ومصالحها في إطار الوطن الواحد، مبادئ قانونيّة تقرّها الجماعة الوطنيّة وينصّ عليها الدّستور، حيث إنّ الحريّات المدنيّة تتحقّق بالدّخول في تعاقد اجتماعي يجعل السّيادة للمجتمع بأسره، والتي من شأنها تعزيز الوحدة الوطنيّة وتقوية التّلاحم المجتمعيّ، والمساهمة في عمليّة الاستقرار السياسيّ والمجتمعيّ في ليبيا العزيزة على المدى الطويل.
نحن نسعى اليوم وبكلّ جهودنا ومن خلال لقاءاتنا التي نعقدها إلى تحقيق المصالحة الشّاملة والسّلام الحقيقيّ المستدام، على أن تكون بإشراف ورعاية من الحكماء والأعيان وشخصيّات مجتمعيّة من مدن ومناطق ليبيّة مختلفة، وذلك انطلاقًا من ثقتنا بقدرة اللّيبيّين كمجتمع على التّصالح، وجبر الأضرار، وتجاوز الماضي بكل آلامه ومنغّصاته.
ومن المبادىء الأساسية التي نستند إليها: الاعتراف والقبول بالآخر وعدم إقصائه، وهو ما يشكّل ركيزة أساسيّة للمصالحة والحوار الوطنيّين، على الصعد كافّة، سواء على صعيد الأفراد والجماعات، أو على صعيد القوى السياسيّة المختلفة.
ولكي يكون مشهد المصالحة مكتملًا، ستشمل المصالحة الوطنيّة ضمن أحد بنودها “إشراك جميع القوى الفاعلة في المجتمع الليبيّ”، إذ لا يمكن إغفال المؤسّسات الدينيّة ومنظمات الأعمال والإعلام، وكذلك جيل الشّباب، ويبقى الاعتماد على المشايخ والحكماء والأعيان من العوامل التي تعزّز عمليّة المصالحة من دون تسييس لدور القبيلة.
إنّ المصالحة تتطلّب تحملّ أغلبيّة المواطنين مسؤوليّتها الأخلاقيّة والسياسيّة لنشر ثقافة حقوق الإنسان والعيش المشترك، ومنطق التّسامح، وترسيخ ثقافة ديمقراطية في مواجهة ثقافة الصّراع، لتأمين مستقبل الأجيال المقبلة، والعيش بسلام في ظلّ مؤسسات منتخبة من الإرادة الشعبيّة المنبثقة من الشرعيّة الداخليّة، ومن دون إملاءات مفروضة من الخارج.