آثار ليبيا تُحاكي عظمة تاريخها وحضارتها
“مَن لا تاريخ له، لا حاضر ولا مستقبل له”. انطلاقاً من هذه العبارة، تتمسّك الدول بحضاراتها، وتتسابق على حماية آثارها من
عوامل الطبيعة وعبث الإنسان، وبقدر ما تحافظ المجتمعات على هذه الآثار، تُصنَّف بين الدول الأكثر حضارة، وتشكّل مقصداً
للزوار والسيّاح القادمين من جهات الدنيا الأربع.
لا خلافَ على أنّ ليبيا الضاربة في جُذور التاريخ، تمتلك كنوزاً من الآثار والمعالم التاريخية التي تعود إلى مئات السِّنين. آثار
تحكي قصّة الحضارات التي عبرت هذه البلاد، تبدأ مع الفينيقيين، ولا تنتهي مع الحقبة العثمانية، وتمثّل غنى هذه البلاد حضارياً وثقافياً.
طبعاً، لا مجال لإحصاء المناطق والمواقع الأثرية في ليبيا، لكن لا بدّ من تسليط الضوء على أهمها، وأولها مدينة طرابلس (العاصمة) التي عُرفت باسم (تريبوليتانيا)، وهي تُصنَّف الآن على أنّها من أعظم المدن في الشمال الأفريقي، ومن أوائل المدن التي بناها الفينيقيون، ليس في القارة السمراء، بل في العالم كلّه، حينما جعلوا منها عاصمتهم التجارية، فكانت نقطة وَصْلهم ما بين الشرق والغرب، بالنظر إلى جغرافيّتها المميَّزة، ووقوعها على الساحل الغربيّ للبحر المتوسّط. فهي على مقربة من إيطاليا وصقلية، أي إنّها أُنشئت على تقاطع طرق ما بين الشرق والغرب والجنوب.
تتميّز طرابلس، ولا سيما المدينة القديمة، بالعمارة الإسلامية والتصميم المعماري القديم، برحابة المنازل التراثية وما تحمله من رسوم ونقوش تُبيِّن إبداع المعماريين. وتتميّز أيضاً بالمساجد التي بناها الوُلاة العثمانيون الذين تعاقبوا على الحكم فيها. غير أنّ هذه الآثار باتت تحتاج إلى عناية كبيرة، لذلك يولي الدكتور الصدّيق حفتر كلّ الأهمية للحفاظ على التراث الليبي، ويخطط لإنشاء هيئة المحافظة على التراث وحمايته، لتبقى الحضارة الليبية موئل الزوار والسيّاح.
أما البقعة الأخرى التي تضاهي الحضارة الأوروبية، فهي مدينة لبدة الكبرى، التي بناها الرومانيون، وكانت موئل قلاعهم وحصونهم، غير أنها ما زالت تعاني منذ عشرينيات القرن الماضي من أعمال الحفر والتنقيب عن الآثار الثمينة، ما يهدّد
وجهها ويُنذر بتداعي آثارها. وهنا يضع الدكتور حفتر في أولويات اهتمامه بإعادة هذه المدينة إلى صورتها الحضارية والتاريخية،
وترميم مبانيها على الصورة المعروفة بها، وينطلق مخطط انعاشها مجدداً من المسرح الروماني عبر إعادة ترميمه وتأهيل
أجزائه التي أصابها التصدّع، وتساقطت بعض قطعه، ليعود مقصداً للسياحة، سواء من أبناء ليبيا أو من الأجانب. مدينة طلميثة الليبية، التي تعود إلى العصر البيزنطي، لها حكاية مختلفة، وهي تبرز أهميتها بموقعها الجغرافي ودورها، إذ جعل منها هذا الموقع البوابة البحرية لقورينا. بدأ اسم طلميثة يبرز أكثر مع الاكتشافات الأثرية والمكتشفات الأثرية التي تجلّت في الكنائس
البيزنطية والبيوت ذات الفنّ العالي والحمّامات القديمة، وظهرت أهميتها مع اكتشاف بقايا الحصون والمعاقل البيزنطية.
وعلى ذكر إحصاء بعض المواقع الأثرية الليبية وأهمّها، لا يمكن تجاهل أهمية إقليم الجبل الأخضر الذي يُعَدّ من أبرز المعالم
الأثرية والسياحية في ليبيا، رغم الأزمة التي تواجه هذه المعالم، وهي اجتياح الأبنية السكنية للمنطقة، التي تهدّد بتغيير وجهها.
ويضع الدكتور الصدّيق حفتر حماية الثروة الحضارية ضمن الأولويات، وأهمّها وقف التمدّد العمراني التجاري والحديث، وحماية الوجه التاريخي لهذا الجبل، وهذا الاهتمام سيبدأ بالظهور قريباً، لأنّ تاريخ ليبيا وحضارتها هما ما يحمي حاضرها ومستقبلها.