الإفراط في استخدام القوة والطاقة التدميرية يراكم العجز
*أي حديث عن موعد الاقتراب للتوصّل إلى اتفاق أو تفاهمات أو رؤى تقدّمها واشنطن ومَن معها لإخراج المنطقة من فوهة البركان المشتعل لا يعدو أن يكون ذراً للرماد في العيون بهدف منح آلة القتل والتدمير والإبادة الصهيونيّة المزيد من الوقت، والفرصة تلو الأخرى لإتمام الإبادة الجماعية الممنهجة والمستمرّة منذ الساعات الأولى التي تلت عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023م.
*عقم التعويل على إرادة مجتمع دوليّ وشرعية دولية وصحوة ضمير إنساني عالمي لسبب بسيط وجوهري، وهو أنّ هذه المصطلحات وما شابههما شكل بلا مضمون، فالمضمون مصادر ومرهون لتنفيذ مخرجات دورة القرار الأميركي.
*إمكانية الاستجابة الرسمية لأدنى متطلبات الضمير العربي والإسلامي هي في حدودها الدنيا، وكل الأنظمة المطبّعة ليست صاحبة قرار، ولن تكون الأنظمة الراغبة بالتطبيع أفضل حالاً، ومن هنا تصبح مهاجمة تلك الأنظمة أقرب إلى العبثية، لأن التهجّم وإطلاق النعوت السلبيّة يزيد الطين بلة، ولا يغيّر الواقع الذي يحكم تلك الدول ويتحكم بها بما يخدم تنفيذ الأجندة الصهيونية، وقد تكون الجدوى الممكنة أضعاف ما هي عليه إذا تمّ استبعاد لغة التهجّم ورفض تقليد المنطق الأميركي: (كلّ من ليس معنا هو ضدنا).
*الدمار الكبير والخسائر الكارثية التي لحقت بأطراف محور المقاومة، لا يعنيان أن الكيان الاستيطاني الإسرائيلي ومن معه بوضع مريح، ولا تنفي الآثار الأكثر كارثية على المشروع الصهيو ــ أميركي بغض النظر عن حجم الخسائر التي تكبّدها العدو، وهي كبيرة، وإنْ تمّ التستر عليها وإخفاء ما يمكن إخفاؤه منها، فضلاً عن أن تداعياتها الحتميّة تدخل في التصنيف الاستراتيجي الذي يصعب تعويضه، في حين أنّ بإمكان محور المقاومة الترميم والتعويض وبزمن قياسيّ عن كلّ ما خلفته نزعة القتل والإبادة الصهيونية المدعومة أميركياً وأطلسياً، والفرق أشبه ما يكون بين الجراح وإنْ كانت عميقة وبين الكسور التي تصيب العمود الفقريّ والجمجمة.
*ما أنجزه المقاومون في مختلف جبهات القتال على الصعيد الميدانيّ المباشر يفوق كلّ تصوّر. وهذا كافٍ للثقة واليقين بأنّ النتيجة النهائيّة لمسرح العمليات الميدانية لن تكون إلا لصالح أصحاب الأرض والحق، ووفق مشيئة جنود الله على الأرض والتكامل الإبداعي بين الوحدات القتالية التنفيذية وبين مفاصل دورة اتخاذ القرار، وهذا أيضاً كفيل بتأجيل الرؤى والاقتراحات والانتقادات التي يقدّمها هذا الشخص أو ذاك، وإنْ كانت الخلفية نقية وترتكز إلى الرغبة المشروعة والجامحة بكسر قرن الشيطان الأكبر وتابعيه في أقصر وقت، فكسر ذاك القرن أمر تتقنه دوائر اتخاذ القرار المقاوم بالحسابات الدقيقة التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية، وليس بإطلاق العنان للرغبات والعواطف التي يمكن تنظيم ظهورها بطريقة أكثر جدوى ومردوديّة.
*ارتفاع سقوف الأهداف العدوانيّة التي أعلنتها تل أبيب وتبنّتها واشنطن، والعجز عن بلوغها لا يبرّر التوحّش والإجرام الذي لم تشهد له البشرية مثيلاً، ومع ذلك وعلى الرغم من كل ما حدث أو قد يحدث من المهم التذكير بأنّ الحرب مكاسرة إرادات، وإرادة عشاق نهج المقاومة أقوى وأصلب وأمنع وعصيّة على الكسر، وليس الوضع كذلك لدى قتلة الأنبياء والأطفال وسفك الدماء، ولم يشهد التاريخ البشريّ انتصاراً نهائياً لإرادة الإجرام على إرادة رفضه وتقويض روافعه، وإنْ كسب المجرمون بعض الجولات المؤلمة، لكن اللوحة تتبدّل وبتسارع أكبر مما قد يبدو للمتابع العادي، والآتي من الأيام والليالي ونتائج الميدان كفيلة بتوضيح الصورة أكثر فأكثر…
*باحث سوري متخصص بالجيوبوليتيك والدراسات الاستراتيجية