كيف قضى وقف إطلاق النار على مصالح إسرائيل؟
سمير باكير– بينما بدا أن المعركة بين إسرائيل ولبنان ستستمر لفترة أطول، شهدنا بشكل مفاجئ وسريع إعلان وقف إطلاق النار. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى قبل ذلك إلى القضاء التام على حزب الله، بهدف إزالة تهديد الشمال بشكل كامل. وفي هذا السياق، عندما أدرك أن وزير الدفاع لم يكن متوافقًا بالكامل مع هذا الهدف، قرر استبداله.
مع تعيين الخيار الجديد لنتنياهو في وزارة الدفاع، كان الانطباع السائد أن المعركة لن تنتهي قريبًا. لذا فإن دراسة المسار الذي أدى إلى وقف إطلاق النار يمكن أن يكشف عن قضايا هامة في المنطقة.
في فترات سابقة، كانت هناك مقترحات بوقف إطلاق النار، لكنها غالبًا ما قوبلت بالرفض من أحد الطرفين، حيث كان كل طرف يدعي أن مصالحه لم تتحقق. ويبدو أنه من المستحيل صياغة اتفاق يضمن مصالح كلا الطرفين بشكل كامل، لأن الصراع بين حزب الله اللبناني والكيان الإسرائيلي هو صراع وجودي مستمر منذ سنوات، ويعلم الطرفان أن هذه المعركة لن تنتهي إلا بفناء أحدهما بشكل كامل.
لكن بتحليل تقلبات وقف إطلاق النار، يجب النظر إلى الطرف الذي كان مستعدًا أو مضطرًا للتنازل عن مصالح معينة للوصول إلى هذه المرحلة.
أبرز ما ظهر في هذه المعركة هو أن إسرائيل لديها الكثير لتخسره مقارنة بحزب الله. فإسرائيل يمكن أن تتعرض للضرر من عدة جوانب، بما في ذلك التوتر الداخلي. أما حزب الله، بفضل هيكله الأيديولوجي الذي تم ترسيخه على مدى السنوات، فإنه قادر على مواصلة نشاطه حتى لو فقد معظم قادته وزعمائه.
شروط إسرائيل لوقف إطلاق النار: من التمسك إلى التنازل
المعلومات التي تم تداولها حول مسودات وقف إطلاق النار تشير إلى أن العديد من الشروط التي كانت إسرائيل تعتبرها أساسية لتحقيق الاتفاق لم تتحقق. هذه الشروط، التي دفعت إسرائيل مرتين إلى رفض خيار الهدنة ومواصلة الحرب، يمكن تلخيصها كالتالي:
إنشاء منطقة عازلة بين لبنان وإسرائيل
كان من أهم شروط إسرائيل إنشاء منطقة عازلة بين لبنان وإسرائيل تمنع وجود أي قوات لحزب الله فيها. كان الهدف من هذا الشرط ضمان أمن المستوطنات الشمالية من صواريخ حزب الله قصيرة المدى. بالإضافة إلى ذلك، كانت المنطقة العازلة ستمكن إسرائيل من تنفيذ عملياتها بعيدًا عن أعين حزب الله. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل تراجعت عن هذا الشرط ووافقت على عدم إنشاء هذه المنطقة.
إخلاء القرى الحدودية جنوب لبنان من السكان
شرط آخر طالبت به إسرائيل هو إخلاء المناطق الريفية جنوب لبنان من سكانها، بحجة أن حزب الله قد يستخدم هذه المنازل لتنفيذ عملياته ضد إسرائيل، رغم أن هذا الادعاء لم يثبت مطلقًا. كان هذا التخوف مصدر قلق كبير لسكان المستوطنات الشمالية، الذين أعربوا عن مخاوفهم مرارًا وتكرارًا.
بالنسبة للمستوطنين الذين قضوا أشهرًا في المخيمات بعيدًا عن منازلهم، كان مطلبهم الرئيسي هو نقل سكان القرى الحدودية جنوب لبنان إلى أماكن أخرى. لكن المسودة الحالية لوقف إطلاق النار لم تلبِ هذا الشرط، مما أثار استياء رؤساء المجالس المحلية في المستوطنات الشمالية.
يرى هؤلاء الرؤساء أن هذه المسودة تمثل إهانة لإسرائيل، إذ تمنح حزب الله فرصة لإعادة تنظيم صفوفه واستعادة قوته.
شروط إسرائيل المرفوضة في مسودة وقف إطلاق النار
تدمير البنية التحتية الصاروخية لحزب الله
كانت إسرائيل منذ بداية الحرب تطالب بتدمير كامل لحزب الله. حتى يسرائيل كاتس، الذي تسلم منصب وزارة الدفاع مؤخرًا، صرّح بضرورة استمرار الحرب حتى القضاء التام على الحزب.
إلا أنه حتى الآن، لم يتم القضاء على حزب الله، بل إنه ينشط سياسيًا بشكل مكثف في لبنان، محاولًا توجيه الأوضاع الداخلية لصالحه. عسكريًا، قام حزب الله بخطوات جديدة، منها قصف تل أبيب بصواريخ متطورة. يرى بعض الخبراء أن هذه الهجمات كانت سببًا في الضغط نحو وقف إطلاق النار.
رفض الرقابة الفرنسية على تنفيذ وقف إطلاق النار
خلال الأشهر الماضية، تصاعدت التوترات بين فرنسا وإسرائيل، لدرجة أن يسرائيل كاتس أبدى رغبة في معاقبة الرئيس الفرنسي ماكرون في تلك الفترة. فرضت فرنسا عقوبات على إسرائيل، بما في ذلك حظر تصدير الأسلحة.
ومع هذه الخلافات، رفضت إسرائيل أن يكون لفرنسا دور إشرافي في المرحلة الحالية. ماكرون، الذي سبق أن حذر إسرائيل من تجاوزاتها، أصبح الآن عضوًا مراقبًا مسؤولًا عن التأكد من التزام إسرائيل بتعهداتها. إسرائيل لم تكن ترغب في القبول بهذا الدور الفرنسي، لكن الضغوط الأمريكية جعلت هذا الشرط مستبعدًا في مسودة وقف إطلاق النار.
ضمان حرية العمل العسكري لإسرائيل في لبنان
استنادًا إلى مزاعمها بأن حزب الله يسعى لتدميرها، أصرت إسرائيل على تضمين حقها في حرية العمل العسكري داخل لبنان كشرط لوقف إطلاق النار.
في البداية، طالبت إسرائيل بتثبيت حقها في اتخاذ أي إجراء داخل لبنان حتى في حالة عدم وجود تهديد مباشر. قوبل هذا الشرط برفض قاطع من حزب الله، ما أدى إلى فشل اتفاق وقف إطلاق النار السابق.
لاحقًا، عدّلت إسرائيل مطلبها إلى أن يُسمح لها بالرد بحرية في حالة اتخاذ لبنان أي إجراءات ضدها، وحتى دون الحاجة إلى موافقة المراقبين. لكن هذا الطلب لم يُقبل أيضًا ولم يُدرج في المسودة الحالية.
ما تبقى لإسرائيل هو ضمان شفهي من الولايات المتحدة بأن يكون لها حق حرية عمل مشروط، لكن هذا الضمان الشفهي في ظل الأوضاع الانتقالية للحكومة الأمريكية الحالية ليس له قيمة كبيرة.
استنتاج:
تشير هذه التطورات إلى أن إسرائيل كانت في موقف يتطلب بشكل ملح قبول وقف إطلاق النار. سواء بسبب تراجع استعداد إدارة ترامب لدعم إسرائيل كما كان يتوقع نتنياهو، أو بسبب الضغوط الداخلية التي أجبرت نتنياهو على القبول بأي اتفاق متاح.