خمسون عامًا من الاستقلال: تأملات طالب قمري في المهجر

بقلم: محمد نور عثمان ، طالب في قسم اللغة الأجنبية التطبيقية، جامعة بول فاليري – فرنسا

في السادس من يوليو عام 1975، أعلنت جزر القمر استقلالها عن الاستعمار الفرنسي، بعد عقود من النضال والتوق إلى الحرية. واليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لهذا الحدث التاريخي، يقف كل قمري، أينما كان، مسترجعًا المسيرة التي قطعتها بلادنا منذ ذلك اليوم المجيد.

كطالب قمري أتابع دراستي في فرنسا، أشعر بمزيج من الفخر والمسؤولية. الفخر بأن بلادي استطاعت أن تقف مستقلة، تحافظ على هويتها وتاريخها، وتشق طريقها في عالم متغير. والمسؤولية في أن أكون جزءًا من مستقبل هذا الوطن، أن أساهم بما أتعلمه اليوم في بناء غدٍ أفضل.

  •  مسيرة الاستقلال… والبحث عن الذات

الاستقلال لم يكن نهاية الطريق، بل بدايته. فسرعان ما وجدت البلاد نفسها في دوامة من الانقلابات والصراعات الداخلية، بعضها مدعوم من الخارج، مما أعاق مسيرة التنمية وأفقد المواطن الثقة في الدولة ومؤسساتها. ومع ذلك، لم تتوقف أحلام الشعب القمري. فقد أظهر على مر العقود صبرًا، ومثابرة، وإصرارًا على البقاء، وعلى بناء وطن يستحق الحياة.

  • في المهجر… صورة الوطن في القلب

أعيش بعيدًا عن الوطن، لكن الوطن لا يغيب عني. في كل يوم، أتابع أخبار بلادي، أفكر في أهلها، وأحلم بمستقبل أفضل لها. نحن، الطلاب القمريون في الخارج، نحمل مسؤولية مزدوجة: مسؤولية تمثيل وطننا بصورة مشرقة، ومسؤولية اكتساب المعرفة والمهارات التي تمكننا من المساهمة في إعادة بنائه عند عودتنا.

الهجرة كانت ولا تزال خيارًا مرًا للكثير من الشباب القمري. لكنها أيضًا فرصة. فالأوطان تُبنى بسواعد أبنائها، سواء كانوا في الداخل أو في الخارج. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى توحيد الجهود، وتجاوز الخلافات، والعمل المشترك من أجل المصلحة العليا للوطن.

  •  أي مستقبل نريد؟

في الذكرى الخمسين للاستقلال، لا بد أن نطرح سؤالًا صريحًا: أي مستقبل نريد لجزر القمر؟

هل نريد أن نبقى أسرى للتاريخ والصراعات، أم ننطلق نحو بناء وطن مزدهر، عادل، يحترم الإنسان ويصون كرامته؟

لدينا من الثروات ما يكفي، ومن العقول ما يغني، ومن الإرادة الشعبية ما يدفعنا نحو الأمام. ما نحتاجه هو القيادة الرشيدة، والمصالحة الوطنية، والإرادة السياسية الصادقة.

  • رسالة إلى الشباب

إلى كل شاب قمري، داخل الوطن أو خارجه: الاستقلال ليس مجرد حدث نحتفل به مرة كل عام، بل مسؤولية نعيشها كل يوم. لا تنتظر أن يتغير الوطن من تلقاء نفسه، بل كن أنت التغيير الذي تريده.

  • دعونا نحلم معًا، ونعمل معًا، وننهض معًا.

عندما أرى أطفال بلادي وهم يذهبون إلى المدارس بأمل رغم صعوبة الظروف، وعندما أرى نساءً يعملن بلا كلل لإعالة أسرهن، وعندما أرى شبابًا يقاومون اليأس رغم قلة الفرص، أدرك أن الأمل لا يزال حيًا في جزر القمر. الأمل وحده لا يكفي، نعم، لكنه نقطة البداية. وعلينا نحن، أبناء هذا الجيل، أن نحمله إلى الأمام.

عاشت جزر القمر، وعاش شعبها الكريم، ودامت راية الاستقلال عالية خفاقة في سماء الأمل والكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *